السنيورة يخلط الأوراق لمواجهة مشروع “حزب الله”
حسين عطايا
منذ يوم الرابع والعشرين من ينايرــ كانون الثاني من العام الحالي، تاريخ إعلان الرئيس سعد الحريري تعليق عمله السياسي، وألحق قراره بمنع النواب المنتسبين إلى “تيار المستقبل” من الترشح، بل فرض على من يريد الترشح الاستقالة من التيار الأزرق. على إثر ذلك، سادت حالات من القلق لدى العديد من القوى والأطراف السياسية، لا سيما حليفة “التيار الازرق” في انتخابات العام 2018، والتي تتأثر نتائجها بانسحاب “المستقبل” من الحياة السياسية وتعليق مشاركته بالانتخابات القادمة، وخاصة “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”.
كما أن الساحة السياسية على العموم، عاشت ولا زالت حالة خلط أوراق تؤرق الكثيرين من خصوم وحلفاء “المستقبل”، والذي جعل البيئة السنية التي يمثل أكثريتها “تيار المستقبل” تعيش حالة إرباك، وممكن أن تكون حالة ضياع، في عملية اتخاذ القرار.
ولكن، الذي حصل منذ أيام قليلة، هو المؤتمر الصحافي للرئيس فؤاد السنيورة، الذي وضع العديد من النقاط على الحروف في هذا الوضع الخطير والصعب الذي يعيشه لبنان. كانت كلمات السنيورة بمكانها، تحمل نبرة تحدي وإصرار على المواجهة، مواجهة مشروع أخذ لبنان إلى تحالفات بعيدة عن محيطه العربي الحيوي، لا بل قد تساهم في تغيير رسالة لبنان وطموحات شعبه، فهو أكد على رفض أخذ لبنان رهينة محاور، ورفض وضع اليد على لبنان من قبل إيران وذراعها اللبناني، عبر سلاح حزب الله ومشاريعه التي تخدم مصالح إيران، وبعيدة كل البعد عن لبنان ومصالحه وسياساته.
كما حث السنيورة المسلمين السنة على المشاركة الفعالة في الانتخابات القادمة اقتراعا وترشيحاً، مما أعاد بعض التوازن في الساحة السياسية، لا بل أعطى جُرعة أمل في عدم إستفادة “حزب الله”، عبر بعض أعوانه في الساحة السياسية، من استغلال الظروف والدخول الى الساحة السنية، مما يعطيه دفعاً أكثر في زيادة أكثريته النيابية، ويجعله قادراً أكثر فأكثر على الإمساك بالأوراق اللبنانية، والتي تجعل منه اللاعب الأوحد وصاحب القرار على الساحة اللبنانية بكل مندرجاتها.
ومن أهمية ما جاء به كلام الرئيس السنيورة، خلال مؤتمره الصحافي، قوله بأنه في كل ما تقدم يُنسق مع كل من الرئيس نجيب ميقاتي والرئيس تمام سلام، أي أن ذلك يؤمن ويوفر مِظلة قيادية للتحرك المقبل، أي يُعطي البيئة السنية بُعداً قيادياً جماعياً. وهنا لا يمكن لدار الفتوى أن تبقى بعيدة عن هذه المِظلة لمواجهة التحديات القادمة.
كلمة السنيورة تسببت في خلط الأوراق السياسية من جديد، وأعطت حلفاء “المستقبل” السابقين، بعضاً من أمل في تعويض أي خسارة كانت ستتعرض لها، ودفعت بالخصوم السياسيين إلى إعادة حياكة سياسات انتخابية وتحالفات جديدة مدروسة أكثر.
وهنا لا يمكن لأحد أن يتخطى شخصية الرئيس السنيورة وثباته في عدم جعل لبنان منصة عدائية للاشقاء العرب، وبالتالي وقوفه بوجه مشاريع “حزب الله” وما يخططه للبنان، بعد أن أصبح القوة الوحيدة والاقوى على الساحة اللبنانية، وطبعاً لا ننسى المواجهة الشهيرة التي خاضها على مدى ثلاثة عشر شهراً، بعدما خرج الوزراء الشيعة من حكومته بعد حرب تموز من العام 2006، والمخيم الذي أقامه “حزب الله” وحلفائه في وسط بيروت لمحاصرة الرئيس السنيورة في السرايا الحكومية، وإرغامه على الاستقالة، والتي خاضها الرئيس السنيورة بشجاعة من دون تقديمه أية تنازلات، إلى أن حصلت غزوة بيروت في السابع من أيار- ماي من العام 2008، وما تلاها من تسوية الدوحة. في كل ما تقدم، إن ما جاء به المؤتمر الصحافي للرئيس السنيورة هو بمثابة جرعة أمل قد تساهم وتساعد في إعطاء بعضاً من التوازن على الساحة السياسية تعدل في موازين القوى، لا سيما في حال إقدام الرئيس السنيورة على الترشح وتشكيله لائحة مواجهة تجعل منها رأس حربة في إيقاف مشاريع قضم الدولة اللبنانية من قَبل دويلة “حزب الله” التي تُمسك بقراري الحرب والسلم، وبسلاحها غير الشرعي تحت مسمى “مقاومة”، والتي أصبحت خارج الحدود لتُشكل قيادة اقليمية في مشاريع إيران على طاولة المفاوضات، والتدخل في بعض الساحات العربية، والتي نلمس سيئات ارتداداتها على الساحة اللبنانية نتيجة شبه تخلي عربي عن لبنان.
إذن، أعاد السنيورة رسم خارطة سياسية جديدة على الساحة السنية تحديداً، وعلى كامل الساحة السياسية اللبنانية، والتي قد أصابها الخلل في التوازنات لصالح محور “حزب الله” وأتباعه من بقية المكونات الملحقة به وبسياساته، التي تُمثل مصالح إيران في لبنان وفي هذا الشرق.
كما أن ما يُميز خِطابه السياسي صلابته وقدرته على مواجهة مشاريع “حزب الله” بصراحة وجدية، كونه أحد القلة الباقية من رجالات الدولة اللبنانية القادرة على حمل مشروع سياسي في ظل المواجهة التي يعيشها لبنان وتبعاتها على المستويات كافة.