“حزب الله” والرقص على لحن ترسيم الحدود
حسين عطايا
في الأول من تشرين الاول ــــ أوكتوبر من العام 2020، أعلن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، خلال مؤتمر صحافي عن التوصل إلى اتفاق إطار في موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وفق ماجاء على لسان الرئيس بري. وقد بدأ كلامه بجملة نقتبسها عن النص الاصلي وهي: “تُدرك الولايات المتحدة الاميركية أن حكومتي لبنان وإسرائيل مستعدتان لترسيم حدودهما البحرية”. كما إنه أضاف في الفقرة الثالثة من بيان الإعلان ما حرفيته “طُلب من الولايات المتحدة من قِبَل الطرفين (إسرائيل ولبنان) أن تعمل كوسيط ومُسهل لترسيم الحدود البحرية الاسرائيلية اللبنانية وهي جاهزة لذلك”.
هذا الكلام غير المألوف في تغييب عبارة فلسطين المحتلة أو الكيان الغاصب أو غيرها من العبارات. هذا ما يؤكد بأن موضوع ترسيم الحدود البحرية لم يكن لينتهي وبعد مفاوضات وأخذ ورد إستمر لمدة عقدٍ من الزمن بدأ في العام ٢٠١٠ وإنتهى ٩-٧-٢٠٢٠ . هنا يمكننا طرح السؤال التالي: هل كان الرئيس بري ليقوم بالتفاوض حول الترسيم والقبول بما توصلت إليه المفاوضات، لولا قبولٌ ورِضا ورعاية تامة من قبل “حزب الله”؟؟ بالطبع هذا لا يمكن أن يحدث في هذا الزمن بعد أن أحكم حزب الله سيطرته على البلاد، وقد اصبح الرئيس بري ملحقاً بحزب الله، بعد ان انتهت مقولة الثنائي لتدخل صفحات التاريخ كونها اصبت ماضٍ قد مضى، وخصوصا بعد أن أوصل حزب الله العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية في أواخر العام ٢٠١٦، وبعد سنتين وخمسة اشهر من منع إنتخاب أي مرشح للرئاسة غير ميشال عون. حيث أصبحت الدولة اللبنانية جزءاً من مشروع إيران الشرق أوسطي وأصبح أمين عام حزب الله حسن نصرالله مرشداً للجمهورية اللبنانية وبالتالي لم ولن يتم أمراً ويصبح نافذاً دون أخذ رِضا نصرالله وحزبه. هذا الأمر يدل على أن عملية تطبيع مُقنعة قد بدأت تفاصيلها تظهرُ تِباعاً وفق ما تُظهِرهُ الاحداث المتتالية.
على إثر إعلان عن إتفاق الاطار إنتقلت المفاوضات إلى رئيس الجمهورية والذي كلف فريقاً عسكرياُ مفاوضاً برئاسة العميد ياسين، ويضم الوفد اللبناني أربعة أعضاء، عسكريان ومدنيان، هم العميد بسام ياسين والعقيد الركن مازن بصبوص، والخبير التقني نجيب مسيحي، وعضو هيئة قطاع البترول وسام شباط.
وقد بوشرِت المفاوضات بدءاً من ١٤ تشرين الاول ــــ اوكتوبر ٢٠٢٠، وعلى جولات متقطعة خصوصاً بعد أن أظهر الوفد المفاوض خارطة جديدة تستند إلى قانون البحار والمحيطات وتستند إلى دراسة من المكتب البريطاني للطبوغرافية البحرية، تُظهر أن الحدود البحرية تبدأ من رأس الناقورة من النقطة ٢٩ وبالتالي أصبح حقل كاريش الاسرائيلي مناصفة بين لبنان واسرائيل ووفق القانون الدولي أصبح منطقة متنازع عليها وبالتالي ممنوع العمل به وهذا يناقض الاتفاق الاسرائيلي مع شركة انرجي اليونانية والتي رسى العقد عليها للبدء بالحفر، وبذلك يكون لبنان قد أصبح يفاوض على يُقارب مساحة ٢٠٠0 كلم بدل ٨٦٠ كلم.
وحينها أعدت قيادة الجيش تعديلا للمرسوم ٦٤٣٣ وأودعته الجهة المختصة ووصل إلى رئاسة الجمهورية فنام في الأدراج. ومن ثم أرسل لبنان رسالة للامم المتحدة قبل يومين من وصول الوسيط الاميركي هوكشتاين، والذي وصل الى بيروت في الثامن من شباط الماضي، بعد توقف دام سبعة اشهر. وبعد محادثات الوسيط الاميركي والتي بقيت سرية من دون الإعلان عن تفاصيلها فجأة وفي مقابلة صحفية أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون أن لبنان يقبل باستئناف المفاوضات، ستبدأ استناداً الى الخط ٢٣ وبذلك تراجع عن كل ماتقدم من خرائط ومواقف ورسائل وغيرها من الأمور الملفتة للنظر والتي تجعلنا في ريبة من أمرنا كلبنانيين وتدفعنا للشك بأن في الأمر صفقة ما ستتم على حساب لبنان وثرواته البحرية من نفط وغاز .
هنا يطرح أكثر من سؤال وطبعا الإجابات كلها تتجه نحو حزب الله وبعجالة يمكننا القول:
* ما كان الرئيس بري ليُعلن عن اتفاق الاطار لولا مباركة وموافقة حزب الله. * كما انه لايمكن للرئيس ميشال عون أن يودع تعديل المرسوم ٦٤٣٣ في الأدراج دون توقيعه ومن دون إرساله للأمم المتحدة لولا غطاء من حزب الله.
* لا يمكن للرئيس ميشال عون أن يُعلن عن إعادة التفاوض على أساس الخط ٢٣ وبذلك ينسف كل مقومات القوة التي يتمتع بها لبنان ويتنازل عن حق لبناني في مساحاته البحرية وما تضم من ثروات لولا موافقة حزب الله، خصوصاً إذا ماربطنا هذا الأمر بحلحلة ما في مفاوضات جنيف النووية.
*ولكن بعد كل ما تقدم فوجئ اللبنانيون في إطلالة لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة التابعة لحزب الله بموقف مفاجيء بالتوقيت وبالمضمون، حيث يشبه تراجع لحزب الله عن كل ماتقدم من مواقف وتغطيات وصمت ليُعلن عن عدم موافقة حزب الله عن مجريات الأمر وبأن ثروة لبنان ستبقى مدفونة في باطن البحر ولا يمكن أن يُسمح بتقاسمها او التنازل عنها.
وهنا نسأل هل حصل تراجعٍ ما في مفاوضات فيينا النووية عطل كل موجات التفاؤل والتي كانت قاب قوسين وأدنى لتوقيع إتفاق العودة الى ما كان في العام ٢٠١٥؟ ، مما دفع بحزب الله إلى التراجع عن قبوله ومباركته الترسيم على أساس الخط ٢٣ ليشكل تصعيداً يساهم في تعزيز الاوراق الايرانية؟
هذا غيض من فيض ما يتناقله اللبنانيين من شكوك حول ما يُرسم للبنان وخصوصاً بعد الدخول العسكري الروسي إلى اوكرانيا وأحداثها وأزماتها على الدولتين الروسية والاوكرانية وعلى مجمل الساحة الدولية والخوف اللبناني من أن تأتي الحلول على حساب لبنان واللبنانيين كما جرت العادة كون لبنان ساحة تبادل رسائل…