يحدث لأول مرة في المغرب.. تكريم استثنائي لنساء متميزات
التجانية فرتات
بمناسبة يوم المرأة العالمي 8 آذار (مارس) ، أقدم بريد المغرب على إصدار ثلاثة طوابع بريدية تحمل صور ثلاث نساء مغربيات مميزات:
مليكة الفاسي (1919-2007) ، وثريا الشاوي (1936-1956)، وفاطمة المرنيسي (1940-2015).
يصنف طابع البريد ضمن الرموز السيادية للدول، ويوثق لحضارتها وثقافتها وتاريخها، حتى أصبح لكل طابع بريدي قصة وحكاية تُروى. وقد سبقتنا دول عربية وأجنبية في مبادرة طبع صور لشخصيات نسائية تركت بصمات واضحة في تاريخها وأثرت في وجدانها. ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن أول طابع بريدي ظهر في العالم لأول مرة حمل صورة امرأة، وهي الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا العظمى، وحدث ذلك في عام 1840. وقبل سنتين بادرت جارتنا الشقيقة تونس، وهي كانت الأولى دائما في المنطقة العربية على صعيد مبادرات لصالح المرأة، بوضع صورة سيدة تونسية رائدة على إحدى أوراق عملتها النقدية، (فئة عشرة دينار)، وهي توحدة بن الشيخ، أول طبيبة تونسية.
***
لقد اتجهت عدد من البلدان إلى وضع صور الشخصيات البارزة على أوراق العملة النقدية، ضمن تكريمها واحتفائها بكبار العلماء والمفكرين والمثقفين والشخصيات الوطنية والعالمية. لكن الطوابع البريدية في المغرب حملت دائمًا صور السلاطين والملوك، إلى جانب صور لمواقع آثرية ولمعالم سياحية، أو تخليد الأحداث والمناسبات، ومنها الأعياد الوطنية والأحداث العربية والدولية ومنافسات الألعاب الرياضية الأولمبية.
لهذا، يجب أن يُنظر إلى مبادرة “بريد المغرب” على أساس أنا حدث مهم للغاية. إنه تمييز كبير تكريما لهؤلاء الأيقونات النسائية الثلاث. فهل يجب أن يُنظر إلى هذا على أنه نقطة تحول تاريخية، أم خطوة سياسية، أم استدراك لاستحقاق متأخر؟
إن هؤلاء النسوة الثلاث من أوائل اللواتي ميزن تاريخ المغرب بشجاعتهن وانفتاحهن وإرادتهن وإنجازاتهن، كل واحدة منهن، حسب مجال نشاطها، ساهمت في وضع اللبنات الأساس لمغرب عصري. لهذا تشكل المبادرة منعطفا اجتماعيا وهي تكرم هؤلاء النساء الاستثنائيات. لكنها قبل كل شيء تذكرنا بأن تاريخ المغرب لم يصنعه الرجال فحسب، بل أيضا النساء اللواتي استطعن رسم مسار جديد للمرأة في المغرب، وساهمن في تغيير الصورة التقليدية للمرأة.
من المهم التذكير بمسار هؤلاء النساء الماجدات الثلاث:
1- مليكة الفاسي: المرأة الوحيدة التي وقعت على “وثيقة الاستقلال” (1944
هذا الحضور مهم للغاية، فهو يمثل كل هؤلاء النساء المغربيات اللواتي كن في قلب الكفاح ضد الاستعمار، ويرمز إلى ميلاد رؤية سياسية جديدة. إن المغرب الحر لا يمكن أن يتحقق برجاله وحدهم. تلقت مليكة الفاسي تعليمها في وقت لم يكن يسمح فيه للفتيات بالذهاب إلى المدرسة. تعرفت على الكتابة والقراءة من قبل والد يؤمن بأهمية محو الأمية، ويعتبر الأمية عقبة رئيسية في طريق تحرير البلاد وتنميتها. وهكذا ستكون من أوائل الفتيات في عصرها اللائي ولجن مدرسة حرة أنشأها الوطنيون. وبعد الاستقلال لم تتردد مليكة الفاسي في الانخراط في العمل من أجل محاربة الأمية والإقصاء الاجتماعي.
2- ثريا الشاوي: شابة سيقودها شغفها إلى التحليق عالياً في فضاء الحرية
لقد “قطعوا جناحيها” باغتيالها، لكنهم لم يتمكنوا من وأد سيرتها، كما لا يمكن محو اسمها. وستبقى موجودة إلى الأبد في تاريخنا وتاريخ البشرية. كانت ولا تزال أول امرأة طيار في المغرب والبلاد العربية، والثالثة دوليًا، وكذلك كانت الأصغر سناً. كانت تبلغ من العمر 16 عامًا فقط عندما حصلت على رخصة قيادة الطائرة.. شغف هذه الفتاة الصغيرة أخذها بعيدًا ليحلق بها صوب السماء، حلقت عالياً عبر الغيوم منتشية بالحرية الكاملة. إنها المرأة الحرة الشجاعة، التي تحررت من القيود التقليدية، في وقت لم يتجاوز فيه عدد الفتيات في المدرسة 23 ألف، ولم يتمكن سوى 100 منهن من نيل شهادة الدراسة الابتدائية، وهذا وحده يكفي لإثارة كراهية الظلاميين. وصورة هذه الشابة تشكل خطرا على الرجعية، فهي تعلن عن مستقبل المرأة العصرية.
3- فاطمة المرنيسي: أكاديمية وباحثة في علم الاجتماع
من الصعب الحديث عن النسوية في المغرب دون ذكر فاطمة المرنيسي. شكل عملها مساحة فكرية ومنصة نظرية للحركة النسائية في المغرب. بعد عودتها من الولايات المتحدة إلى البلاد، في مداخلاتها ولقاءاتها وجهت أصابع الاتهام إلى المدونة، وتحدثت بلهجتها الفاسية لتقول: “هذه المدونة هي العقبة الرئيسية أمام تحرير المرأة. إنها أصل مشاكلنا. ويجب أن يتغير”. هاجمت طوال حياتها تفسيرات الفقهاء المتزمتين للدين ولروح الإسلام، الذي لا يمكن لعدالته أن تكون ظالمة للمرأة. هكذا كان معتقدها. تم حظر كتابه “الحريم السياسي” الصادر عام 1987 في المغرب، بعد أن أذكى كراهية الظلاميين، لكن لا شيء من شأنه لجم حرية المرنيسي في التعبير. فواصلت العمل في مشروعها الذي يدور حول المرأة والإسلام والحداثة. وقامت بتأطير وتوجيه أجيال من النساء. وشاركت في نضال جمعيات حقوق المرأة. برحيلها تركت إرثًا فكريًا حقيقيًا.
كباحثة، حظيت المرنيسي بالتقدير والاحترام من قبل المجتمع العلمي. حيث حصلت على جائزة أمير أستورياس عام 2003، وهي تعادل جائزة نوبل.
في عام 2012 كانت المغربية الوحيدة التي صنفتها مجلة Arabian Busness بين النساء الأكثر نفوذاً في العالم العربي.
في عام 2021، تم تعميد جسرين في بلجيكا يربطان بين بلديتين، أحدهما اسمه Loedna Marchi والآخر اسمه Fatima Mernissi “كرست هاتان المرأتان وقتهما لإزالة الحواجز وتوسيع أفق المرأة: رمز لهذه الروابط الجديدة بين الاثنتين.
إنها رائدة، وعلى هذا النحو لم يكن هناك شيء سهل ومتيسر. لكن شجاعتها وإرادتها وحبها لحرية الفكر والتعبير كانت أسلحتها الحقيقية للمضي قدما وللاستمرار…
إن إصدار طوابع بريدية باسم مليكة الفاسي وثريا الشاوي وفاطمة المرنيسي عمل جدير بالثناء. نأمل أن نرى إجراءات أخرى مماثلة باتجاه تعزيز وجود أسماء النساء في الفضاء العام.