السعودية وعودة لبنان إلى الحضن العربي
حسين عطايا
تحت شعار “إعادة الثقة بلبنان”، حمل وزير الخارجية الكويتي (أحمد ناصر المحمد الصباح)، في أواخر شهر يناير-كانون الثاني الماضي 2022، ورقة كويتية سُميت “مبادرة”، وكان بالطبع قد تم تنسيقها أو الحديث عنها وبما تتضمنه من البنود الاثني عشر، قد تم وضعها في إطار الطلب من الدولة اللبنانية مجتمعة، للعمل على إبداء حُسن النية في وضعها موضع التنفيذ، حتى ولو من باب إبداء النواية الصادقة بتنفيذ ما تقدر عليه، كون المبادرة ببنودها تحمل بنوداً تعجز الدولة اللبنانية مجتمعة على تنفيذ مضامينها، لاسيما في موضوع القرارات الدولية وتنفيذها، وخصوصاً فيما يختص بسلاح حزب الله غير الشرعي، وما يقوم به من أعمال تُنافي ما تُعلنهُ الدولة اللبنانية من تضامن عربي وما إلى ذلك.
وقد أتت هذه المبادرة على إثر القطيعة التي حصلت بعد سحب الرياض سفيرها من لبنان (وليد البُخاري)، وقد لحقت بها كُل من مملكة البحرين، والإمارات العربية المتحدة، ودولة الكويت. على إثر تفاقم العداء الذي يُعلنه حزب الله صراحة للمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص ولدول الخليج العربي عموماً، وبالأخص بعد تمادي مُهربي المخدرات على أنواعها، ومنها حبوب “الكبتاغون” المهلوسة، بملايين الحبوب التي وجهتها صوب السعودية والإمارات، وكان آخرها دولة الكويت.
على إثر ذلك، تحركت دولة الكويت الشقيقة، ومن باب الأخوة التي تُكِنُها للبنان، بِحراكٍ مشكور مع العربية السعودية أدى إلى وضع الورقة الكويتية ببنودها الاثني عشر، كمبادرة خليجية لرأب الصدع مع لبنان، والذي، منذ أن أصبح خاضعا لهيمنة حزب الله ومحور الممانعة الفارسية، يُكن العداء للعرب بشكلٍ عام، أي بصريح العبارة بعد أن تم خطف الدولة اللبنانية لصالح دويلة حزب الله، التي تتبع الولي الفقيه في طهران، وقد حملها وزير الخارجية الكويتي إلى لبنان، وقام ببعض الزيارات لكل من الرؤساء الثلاثة “الجمهورية والحكومة ومجلس النواب”، واستعرض معهم ظروف ما أحاط بالورقة الكويتية، وبالتالي على اعتبارها الفرصة الأخيرة لعودة لبنان إلى الحضن العربي، وتسوية للمشاكل المفتعلة أخيراً.
وعلى إثر ذلك، تحرك أمين عام جامعة الدول العربية أحمد ابوالغيط، كذلكقام وزير الخارجية المصري سامح شُكري بزيارات إلى لبنان لمتابعة الوضع المستجد في الخلاف اللبناني المفتعل مع دول مجلس التعاون الخليجي ومحاولة إحتواء الأمر.
كل ذلك، فرض على لبنان القيام ببعض التدابير الاحترازية، لاسيما في مجال تهريب المخدرات، وقد تم اكتشاف العديد من محاولات تهريب “الكبتاغون” في شحنات الحمضيات وغيرها من وسائل التهريب، مما أعطى لبنان بعضاً من لفت نظر للأشقاء العرب، كما أن زيارة وزير الخارجية اللبنانية عبد الله أبو حبيب إلى الكويت ومشاركته في أعمال مجلس الجامعة العربية، على مستوى وزراء الخارجية العرب، وتقديمه الجواب اللبناني الرسمي على المبادرة الكويتية خلق جواً من الإيجابية، لكن دون أن يكون سبباً لإعادة الثقة مع الأشقاء العرب، لاسيما أن حزب إيران في لبنان وعبر أمينه العام، استمر في استفزاز المملكة العربية السعودية، من خلال التهجم عليها، مؤيداً بذلك محور إيران، على الرغم من أن إيران قامت بفتح قنوات التفاوض الإيراني – السعودي في بغداد، وما كان يخرج عنه من بيانات، وإعادة طهران من إرسال دبلوماسييها الممثلين لها في منظمة المؤتمر الإسلامي في الرياض. ولكن لسببٍ في نفس نصرالله وممن يؤتمر منهم، استمر في التصعيد الكلامي. لا، بل تعدى ذلك لإقامة مؤتمر للمعارضة الخليجية في لبنان، ومن ثم مؤتمر لجمعية “الوفاق” البحرينية، على الرغم من قرارات وزارة الداخلية لمنع هكذا مؤتمرات. وقد شكل قرار حزب الله بعدم تقيده بقرارات وتعاميم وزارة الداخلية تحدياً سافراً أعطى اللبنانيين، وليس الخليجيين فحسب، سبباً للتوجس خيفة مما يخططه حزب إيران في لبنان، من أعمال سوء بحق لبنان خدمة لأهداف أسياده في طهران.
ولكن، العربية السعودية ودول مجلس التعاون لم يوقفوا المساعدات الانسانية للشعب اللبناني والتي تصل للبنان عبر قنوات غير رسمية لانعدام الثقة بالدولة اللبنانية وأجهزتها الرسمية المخترقة لا بل الخاضعة لهيمنة حزب الله.
هذا الأمر استدعى تدخلا فرنسياً وعلى مستوى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وكلنا يتذكر زيارته إلى الرياض ولقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والاتصال الثلاثي ما بينهما من جهة وبين رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، والتي شكلت اللبنة الأولى لإعادة بناء الثقة بتعبيد الطريق إلى إعادة لبنان إلى الحضن العربي، وعودة الأشقاء العرب إلى لبنان.
هذا من جهة، وكانت لأطراف لبنانية،خصوصاً حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، مساهمات فاعلة وفعالة في السعي الدؤوب لفتح كوة في جدار الأزمة، ولم يكن آخرها زيارة كل من الوزيرين السابقين وائل أبو فاعور وملحم رياشي إلى الرياض، والتي استطاعت بالتوازي مع زيارة المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا إلى باريس، ولقاءاته المهمة والتي ناقشت إمكانية قيام تحالف سعودي – فرنسي من أجل مساعدة الشعب اللبناني إنسانياً وبعيدا عن القنوات الرسمية في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب اللبناني. كل هذا الحراك فتح الباب مجدداً، خصوصاً بعد البيان الذي صدر عن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال اليومين الماضيين، والذي كان للأيدي الفرنسية باعٌ فيه، مما استتبع رداً من وزارة الخارجية السعودية، تمثل بمد اليد إلى الأشقاء اللبنانيين مجدداً، اكتمل هذا الأمر مع تصريح للوزير وائل ابوفاعور بالامس عبر جريدة الأنباء الالكترونية، بأنه باتت قريبة عودة السفير السعودي – د. وليد البُخاري إلى لبنان.
هذا الأمر شكل وسيُشكل بارقة أمل جديدة في ظل هذه الظروف المصيرية والصعبة، التي يمر بها لبنان في هذا الوقت، مما يُساهم في فتح ممر لمساعدات الأشقاء العرب في العربية السعودية ويستتبعه مساعدات من باقي دول مجلس التعاون العربي.
ويأتي هذا الأمر في فترة قصيرة فاصلة عن الانتخابات النيابية في الخامس عشر من أيار- ماي المقبل، والتي تُشكل في بعض مظاهرها، استحقاقاً بالغ الأهمية، لاسيما بعد حالة الضياع التي يعيشها المكون السني اللبناني على إثر انسحاب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وتياره الأزرق من الحياة السياسية اللبنانية ترشحاً واقتراعاً، فتأتي عودة المملكة العربية السعودية، والتي بالطبع سيلحق به كل من سفراء الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة الكويت، مما يُشكل رافعة تُساهم في توحيد الموقف من جماهير المكون السني والذي يساهم في الوقوف بوجه حزب إيران في لبنان من الدخول إلى الساحة السنية إن مباشرة أو عبر أدواته لحصد أكثرية نيابية قد تُغير وجه لبنان في حال حصوله على ثلثي أعضاء المجلس النيابي اللبناني، هذا أيضاً ما يُعطي جُرعة أمل للقوى السيادية التي تقف بوجه تمدد حزب الله، والحؤل دون تحقيق مآربه في الوصول إلى أهدافه في حصوله على الأكثرية النيابية، والتي تعطيه أرجحية تغيير دستور الطائف والجنوح نحو مؤتمر تأسيسي له فيه أرجحية، نتيجة ما يملكه من سلاح ومقومات تتفوق على ما تمتلكه القوى المعارضة له.
إذاً، بيان الخارجية السعودي وما صرح به أبو فاعور، شكلا بارقة أملٍ جديدة في استعادة لبنان إلى الحضن العربي، وعودة العرب إلى لبنان للمساعدة في إفشال خطط محور إيران الفارسية وأدواتها في لبنان وسوريا واليمن.