لبنان: الأزمة المالية تهدد الكيان
أحمد مطر
بعد “انتفاضة 17 تشرين” وانفجار الأزمة المالية والمصرفية والنقدية، طرح بعض الخبراء إقرار خطة للتعافي بطريقة علمية، وبهدف حماية القطاع المصرفي، وتجنب إخراجها من القطاع المصرفي، فيُصاب البلد بالكارثة التي وصلنا اليها اليوم. لكن الطبقة السياسية بمجملها شنت حملات مضادة، وروجت على سبيل المثال أن “الكابيتال كونترول” يقيدنا ويأخذنا إلى خارج النظام الاقتصادي الحر. ولذلك وصلنا إلى ما وصلنا إليه لغاية يومنا هذا.
وفي ظل ما وصلت إليه البلاد وفي الوقت الذي بدأ العد العكسي لإجراء الانتخابات النيابية إن حصلت.
يركز حزب الله على عبور استحقاق الانتخابات النيابية بنجاح، انطلاقاً من الحفاظ على الغالبية النيابية، الفوز بالمقاعد النيابية المخصّصة للشيعة كلّها ودعم حلفائه للحفاظ على وجود وازن في مجلس النواب. يعتقد الحزب أن حصيلة ميزان الحسابات والأرقام الانتخابية تميل لصالحه، لكنه على رغم ذلك لا يتعامل مع هذه العملية الدستورية باستخفاف، بل يركز كل ثقل ماكينته وخطابه وتصريحات مسؤوليه وتحركه شعبياً، لتأمين أكبر مشاركة واقتراع في الانتخابات تصب لمصلحته وتثبت شرعيته الشعبية والسياسية والدستورية.
في المقابل تركز القوى المعارضة للحزب على ضرورة أن تكون هذه الانتخابات المفصلية، وهي الفرصة الوحيدة المتاحة الآن، بوابة لخروج البلد من تحت سيطرته وحلفائه وهيمنتهم على الدولة، وتدميرهم البلد بكل مؤسساته وقطاعاته، وإلّا سيطول البقاء في جهنم التي يحترق اللبنانيون بنارها الآن في ظل حُكم هذه الطبقة السياسية.
ويرى هؤلاء أن حزب الله ليس مرتاحاً، بل إنه متوتر ويتهيب الانتخابات، لأنه الاستحقاق الأول الذي يشعر أنه سيخسرالأكثرية، وذلك نتيجة الوضع الذي وصل إليه البلد. فللمرة الأولى يعقد فيها الحزب اجتماعات ويركّز على الإطلالات مع الكوادر، وذلك لأنه يخاف من الوضع الذي يتجه إليه نتيجة الواقع المالي والاقتصادي، ويخشى من عدم الاقتراع والتصويت، وهذا هاجسه الأول الآن.
كذلك يسأل البعض ما الذي يُمكن للحزب أن يفعله بعد الانتخابات ولم يحققه قبلها، علماً أن الغالبية النيابية في يده منذ عام 2018، ويُعتبر المُمسك بالسلطة مع حلفائه منذ استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2019، إثر انتفاضة 17 تشرين، خصوصاً أن الحزب يخوض الانتخابات مع حلفائه من الطبقة السياسية نفسها وبالتالي، ما الذي سيستطيع إنجازه هذا الفريق في حال فاز بالأكثرية النيابية، في حين أن البلد يعيش أزمات غير مسبوقة منذ نحو ثلاث سنوات، ويشارف على السقوط، في ظل امتلاك هذا الفريق الأكثرية.
بالنسبة بالنسبة إلى حزب الله، يعتبر إن الكلام عن أنه يُمسك بالبلد مبالغ فيه، وقد يصح بالمعنى النفسي أن الحزب هو القوة الأقوى، لكن عملياً هو لا يمسك بالبلد وغير قادر على تحقيق كل ما يطمح إليه.
على رغم ذلك، هناك من يقول إنه لا يبدو أن سعي حزب الله إلى الحفاظ على الأكثرية النيابية هدفه السيطرة، ويعتبرون أن البلد محكوم بالتوافق، في لبنان، أما الغالبية فيستخدمها حين يُضطر في قوانين أو مراسيم أو موقف سياسي ما، وليس فقط للحكم، بل بالسياسة حسب المصلحة، وبالتالي سيسعى الحزب إلى حكومات ائتلافية يشارك فيها الجميع، وستعود حكومات الوحدة الوطنية، إذا رغب الفريق الآخر في ذلك.
وعن طريقة الحكم بعد الانتخابات مع الأفرقاء أنفسهم، يقول القريبون منه حين يكون شعارنا الإصلاح ومكافحة الفساد فمن يدخل معنا سيتحمل مسؤوليته. أما عن مرحلة ما بعد الانتخابات، وكيف سيختلف ما بعد 15 أيار- ماي المقبل عما قبله، إذا بقيت نفس الطبقة هي الحاكمة، فيعتبر القريبون منه أن المرحلة المقبلة يجب أن تتصدرها ثلاثة عناوين على مستوى البلد كله وليس حزب الله فقط، ويجب أن تكون أساس عمل الحكومة المنبثقة من مجلس النواب الجديد، وهي البدء فعلياً العمل على بناء دولة حقيقية، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وعندما يُسأل حزب الله عن آليات وخطط الخروج من الأزمات المتناسلة، حيث مع حلفائه متهمين بالفساد من قبل البعض، يقول: “ليظهروا أي دليل على ضلوعنا بالفساد”، أما محاربته فيجب أن تُترجم عملياً بأن يكون القضاء كما يجب أن يكون أي أعمى، فحتى إذا كان الفاسد من الحزب يجب أن يحاسب، أما عن التفاوض مع صندوق النقد، في ظل الحديث عن أن المجتمع الدولي سيتخلّى عن لبنان في حال نجح حزب الله بالغالبية النيابية، فضلاً عن اعتبار البعض أن الحزب يرفض شروط الصندوق، وبالتالي يعرقل الاتفاق معه، يوضح المقربون أن صندوق النقد يطلب إصلاحات ونحن مع الإصلاحات، لكن ليس إخضاع البلد لشروط تعجيزية، ويؤكدون أن الحزب ليس ضد المجتمع الدولي وصندوق النقد، وهو جزء من النسيج الاجتماعي للبلد. ويرى الحزب أن معارضيه الذين يتهمونه بأنه لا يريد الانتخابات ويعتبرون أن الحزب مسؤول عما وصل إليه البلد، فهم من باتوا متخوفين من نتيجتها. ويشير إلى أن حملتهم وتعويلهم على نتيجة الانتخابات تراجع سقفهما، وهم أساساً يحملوننا مسؤولية الأزمة منذ أن شارَكنا معاً في حكومات الوحدة الوطنية، كذلك بسبب العقوبات الأميركية وموضوع الكهرباء، ويريدون الاستمرار في ذلك. ويعتبر الحزب أن الوضع استثنائي، ومهما كانت نتيجة الانتخابات أحد لا يمكنه أن يحكم بمفرده.
ختاماً، نستنتج وسواء عن قصد أو عن غير قصد، الجميع يخدمون مصالح خارجية ويحققون الفرضية القديمة التي تقول إن انهيار لبنان وتلاشي قوته هما السبيلان الوحيدان لإخضاعه للخيارات الإقليمية الخطرة، وهي كثيرة وداهمة./// وهذه القوى تراهن على استثمار الاستحقاقات التي يقترب منها لبنان، أي الانتخابات النيابية والحكومة التي ستفرزها، ثم الانتخابات الرئاسية، لفرض خياراتها عليه وإملاء الشروط. والعديد منها يوعِز إلى القوى السياسية الوكيلة محلياً بالتصعيد أو بالتسهيل، وفقاً لمقتضيات المصلحة.