قوة السلاح تضرب في الجنوب
حسين عطايا
مما لاشك فيه، أن الذي حصل اليوم على طريق الصرفند ــ صور في جنوب لبنان، خطير جدا على ما يمكن أن يقع من أحداث قد تطيح بالانتخابات، أو تجعل قوى الأمر الواقع تتحكم بنتائجها عبر التزوير بقوة السلاح، إذ قطعت عناصر حزبية الطريق المؤدي إلى مطعم “الوادي” في الصرفند، ومنعت المرشحين عن لائحة “معاً للتغيير” المدعومة من “الحزب الشيوعي” والمستقلين و”حراك صور” من الوصول إلى المطعم، حيث كان مقرراً إعلان البرنامج الانتخابي للائحة، وسط مناشدات للجيش اللبناني بالتدخل.
كما تم إطلاق النار باتجاه المشاركين في حفل إطلاق اللائحة، وسط توتر شهدته المنطقة.
وصدر عن لائحة “معاً للتغيير” بعد منعها بيانا: “فوجئنا بشباب منظّم هاجموا السيارات وأقفلوا الطريق في مكان إقامة الاحتفال، بحضور القوى الأمنية للأسف، حصل إشكال وتضارب وإطلاق نار باتجاهنا من مسدس حربي. أهكذا تتجلى حرية التعبير والمنافسة الشريفة؟
هذا الكمينَ من جماعة “الثنائي” من مسلحين في حركة أمل وحزب الله، للبنانيين جنوبيين سلميين، هو تهديد معلن، إذ تعرض المعتدون للمرشحين وللمشاركين بالضرب والإهانات، وأظهرت الصور والفيديوهات التي عرضتها شاشات التلفزة وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي تفاصيل ما حصل.
لكن الغريب العجيب أن حركة أمل أصدرت بياناً نفت علاقتها بالأمر. كذلك، أصدرت بلدية الصرفند بيانا قالت فيه إن الأمر مجرد “بعضٌ من توتر، واحتكاك بين الطرفين”، وكأنه حدث عابر وليس أمراً مدبرا ومُحضراً له مسبقا، وكأن الذين شاركوا بالاعتداء على المشاركين قد أتوا من كوكب آخر، والأغرب مضي ما يُقارب الساعة قبل أن تأتي قوة من الجيش والقوى الأمنية لفض الإشكال.
هنا يظهر ما قد حذرت منه مجموعات في الثورة وأحزاب مِرَاراً عن السلاح غير الشرعي والمتفلت، وما يخلفه من أحداث وأضرار بحق الوطن والمواطنين، نتيجة فائض القوة الذي يفرض على الشعب عادات وتقاليد لا تمت لعادات اللبنانيين وتقاليدهم بصلة، عبر استخدام السلاح لمجرد التباين في وجهات النظر، وهذا ما لم يعرفه الجنوب من قبل.
وهنا لا بد من وضع الأمر نصب أعين بعض المرشحين للانتخابات النيابية في الجنوب، الذين كانوا على الدوام يُدافعون عن هذا السلاح تحت مسمى “المقاومة”، التي تُعطي الوطن منعةً وقوة، وهو منطق كان مرفوضا من قِبل جنوبيين معارضين، لما يشكله من ترهيب الرأي الاخر.
فالسلاح المتفلت وغير الشرعي شكل على الدوام أزمة للمواطنين والوطن، كونه خارج سيطرة الجيش والقوى الأمنية، وسينتج عنه كثير من الأحداث المشابهة، من تهديد وأذية للبنانيين الذين يؤمنون بالتنوع الفكري واحترام الرأي المختلف وسلمية التحرك الديمقراطي، الذي يكفله الدستور اللبناني، بينما الآخرين الذين يمتلكون فائض قوة السلاح المتفلت يُعطيهم غلبةً تُرهِبُ المواطنين وتؤذي الوطن .
ما حصل رسالة واضحة لكل المعارضين الجنوبيين عموماً، والمرشحين الشيعة تحديداً، فهو أبعد من مجرد حادث واعتداء منفصل عن سلوكيات الثنائي الذي يملك السلطة والمال والسلاح، وستكثر سلوكيات القمع والاعتداءات حتى تاريخ الخامس عشر من أيار-ماي، تاريخ الانتخابات النيابية، لذلك يصبح من واجب المرشحين في دوائر الجنوب، لاسيما في الدائرتين الثانية والثالثة، تجديد خطابهم السياسي ليكون واضحاً وصريحاً، وتكون المطالبة باستراتيجية دفاعية يمتلك من خلالها الجيش والقوى والأجهزة الأمنية حصرية السلاح، وقراري الحرب والسلم، بدل الخطاب القديم والمراوغ بعبارات مموهة خجولة والمظلل دوماً بظلال مايُسمى “مقاومة”.
نعم منذ الخامس والعشرين من أيار- ماي 2000 يحتفل اللبنانيون بعيد التحرير، ذلك يعني أنه لم يعُد من لزوم ليبقى السلاح متفلتاً ويُستعمل في الداخل وليس على الحدود بوجه العدو الصهيوني.
فتعالوا لتوحيد الخطاب السياسي في قول الأمور على حقيقتها، بوجه كُل من تُسول له نفسه بالاستقواء بالسلاح بوجه خصومه السياسيين، أو بوجه كُل من يختلف معهم بالرأي.
لقد أصبح الجميع ملزم بقول الحقيقة كما هي، وبعيداً عن استعمال جمالية اللغة العربية للابتعاد عن المواجهة، لأن المواجهة صارت إلزامية ولا هروب او مناص منها.