حزب الله وفنون الحدود المفتوحة.. تهريب بشر ومخدرات وسلاح!
حسين عطايا
الجريمة المنظمة، لا تقتصر على مافيا أو بعض العصابات، بل تتعداها إلى أحزاب عقائدية، تتخذ من الله اسماً لها، وتستمد فكرها وأيدلوجيتها من عقيدة مذاهب دينية، فتتلطى تحت عباءتها، وتُمارس كل أنواع الجرائم المنظمة، وتشرع تشكيل المافيات المسلحة لاستخدامها وقت الحاجة، سواء لارتكاب جرائم واغتيالات، وكذلك للقيام بعمليات غير مشروعة أيضا، مثل تهريب سلع عبر معابر غير شرعية وشرعية في نقاطٍ حدودية تحت حمايتها، إضافة إلى عمليات خطف وقتل، وتزوير عملات وما إلى هناك…
هذه الأمور في لبنان باتت جزءا من أعمال حزب الله، فمنذ تأسيسه في أواسط ثمانينات القرن الماضي، اقترنت عملية تأسيسه مع العديد من هذه الممارسات، ولا ينسى أبناء جيلنا والذين سبقونا بالعمر، عمليات خطف الرهائن تحت مُسمى الجهاد الاسلامي، والمعروفة الهوية والتابعية في حينها، وتزوير وترويج الدولار الذي عُرف في حينها بـ”الدولار الإيراني”. ومن ثم بدأت عمليات اغتيال الوطنيين اللبنانيين، لا سيما كوادر الحزب الشيوعي اللبناني وغيرهم من المفكرين والصحافيين، الخارجين حينها عن قطيع المذهب، وقد أُطلقت عليهم تسمية “خوارج العصر”.
أما عن موضوع التهريب، فالشواهد كثيرةً ومثيرة، نتيجة الأساليب والطرق التي كان يتقنها بشكل جيد، عبر نقاط حدودية غير مراقبة جنوباً وشرقاً، ففي الجنوب أنشأ حزب الله شبكة تهريب بالتعاون مع عدد من البدو والرعاة من أبناء فلسطين المحتلة، ومن ثم بعض من جنود الاحتلال الذين يحتاجون للمخدرات، ومن لبنان كان حزب الله يستخدم رُعاة المنطقة الحدودية، لا سيما في منطقة العرقوب، أي مزارع شبعا وكفرشوبا، بإشراف عناصره الموكلين لهذه المهمة، وفي هذه المنطقة كانت الحجة التي يروج لها عناصر الحزب، لتهريب المخدرات والأسلحة، ثمنها معلومات عن جيش العدو الصهيوني عديداً وعُدة ومواقع ومطارات وغيرها من الامور، لكن عائداتها المالية لم تكن ضئيلة بل جيدة وتُساهم بمبالغ لا بأس بها .
أما شرقاً فقد تطورت هذه الأعمال كثيراً وأصبحت منظمة أكثر بعد ربيع العام 2011 إثر دخول حزب الله شريكاً لنظام الأسد في قمع انتفاضة وثورة الشعب السوري، حيث فتح العديد من المعابر، التي يقتصر الدخول والخروج عبرها لمن يحمل بطاقات عسكرية وأوامر مهمة موقعة من اللجنة الأمنية العليا في حزب الله، وعبر مندوبها في البقاع. وأبرز هذه المعابر: النبي شيت، القصر وجوسي. وقد اأدم حزب الله في السنتين الماضيتين على تعبيد عدد من المعابر الحدودية، لاسيما معبر القصر ومعبر النبي شيت، حيث تزايدت نسبة التهريب من لبنان إلى سوريا، والتي كانت تشمل المشتقات النفطية والمواد الغذائية المدعومة من قِبل الحكومة اللبنانية، والتي تم صرف مبلغ ما يزيد عن أربعة عشرة مليار دولار أميركي، حيث كانت تعبر الصهاريج والشاحنات الكبيرة يومياً وبالعشرات إذا لم تكن بالمئات.
ويُضاف إلى تهريب المشتقات النفطية والمواد الغذائية، عمليات تهريب المخدرات على أنواعها خصوصا حبوب الكبتاغون وحشيشة الكيف. فورش ومصانع حبوب الكبتاغون تنتشر في مناطق القصير والقلمون الغربي السورية، امتداداً إلى ريف حمص شمالا وريف دمشق جنوباً، وصولاً إلى منطقة القنيطرة والسيدة زينب وتوابعها، وفيها أيضاً تُزرع حشيشة الكيف، والتي تقع تحت إشراف الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد ولحزب الله في المنطقة.
في تهريب المخدرات أتقنت جماعة حزب الله في السنتين الماضيتين أساليب تهريب جديدة ومبتكرة، حيث بدأت تُهرب بداخل المواد الغذائية والمنتجات الزراعية، وقد تم الكشف عن العديد من هذه الشحنات في الرمان والبرتقال، كما في العديد من المنتجات الصناعية، مثل المعدات والآلات وألواح الحديد وغيرها من المواد المعدة للتصدير، وكانت الوجهة الأساس بلدان الخليج العربي عموماً، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص .
وهذا ما أثر على العلاقات اللبنانية ــــ الخليجية، وكانت ردات الفعل قاسية، حيث أقدمت السعودية ودول الخليج على وقف الواردات اللبنانية، والتي دفع ثمنها المواطنين اللبنانيين لا سيما العاملين في قطاع الزراعة، والتي تُقدر قيمة الصادرات ما يوازي المليار دولار سنوياً، والمواد الصناعية والتي أيضاً انعكست سلباً على قطاع الصناعة، خصوصاً أن هذه الصادرات هي الباب الذي تدخل منه العملات الاجنبية والتي يحتاجها الاقتصاد اللبناني.
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية استعمل حزب الله الحدود المشرعة الأبواب لإرسال رسائل أمنية في شتى الاتجاهات، ولا سيما الحدود الجنوبية، فكل مرة تتعكر الأجواء السياسية، والتي تسبب إحراجاً لحزب الله وسياساته، يُعطى الأمر لإحدى المجموعات والتي تأتمر بأوامر حزب الله، أو تتلطى تحت جناحه، فيجري إطلاق بعض الصواريخ اليتيمة والمجهولة معلومة المصدر، والتهمة جاهزة لتُرمى على المخيمات الفلسطينية القريبة في منطقة صور، وتُوجه الاتهامات إلى المجموعات الفلسطينية. وقد أصبحت منطقة سهل القليلة جنوب مدينة صور، هي الساحة التي توجه منها هذه الرسائل والتي تسقط في اماكن مفتوحة غير مأهولة، وبالمقابل ترد اسرائيل وفق قواعد الاشتباك المتفق عليها مع حزب الله، على قصف مناطق اودية وزراعية مفتوحة غير مأهولة، وكان اخرها ليل الأحد – الاثنين في 24 / 25 من هذا الأسبوع، وكالعادة وضعت هذه العملية في خانة الصواريخ اللقيطة، التي لا أهل ولا أصحاب لها، بل توجه الاتهامات همساً إلى مجموعات فلسطينية تسللت من مخيمات المنطقة، على الرغم من أن هذه المخيمات تشهد طوقاً أمنياً من قبل الجيش اللبناني الذي يقيم حواجز ثابتة على مداخلها، وبالإضافة إلى معرفة أجهزة أمن حزب الله بالشاردة والواردة في هذه المخيمات، كما أجهزة الاستخبارات اللبنانية، والتي تملك شبكة مخبرين من مختلف بيئة تلك المخيمات.
لم تأتِ هذه العملية وليدة الصدفة، بل أتت بالتزامن مع غرق مركب الموت، الذي غادر من منطقة القلمون غربي مدينة طرابلس وغرق مقابل ميناء طرابلس على مسافة ليست ببعيدة عن المدينة، بعد أن اصطدم بخافرة السواحل التابعة للبحرية اللبنانية، والتي على إثرها تم توجيه أصابع الاتهام إلى بحرية الجيش اللبناني، وسرت شائعات أن الجيش مسؤل عن غرق مركب الموت، وعلى الإثر تحركت أعمال الشغب في المدينة، وتمت عمليات اعتداء على عدد من مراكز وحواجز الجيش اللبناني، وعمليات إطلاق نار باتجاه مواقعه ومراكزه، وإذا أضفنا ماحدث في ذات الليلة من اشتباكات مذهبية في منطقة عائشة بكار في العاصمة بيروت، نجد أن الأمر ليس مُصادفة، لا بل تقف خلفه أيادٍ خفية تُخطط ببرودة أعصاب، وفي غُرف سوداء تُدير تلك العمليات، وفق أجندة أعد لها بعناية ومرسومة الأهداف، وقد يكون التسبب بها لمثل هذه البلبلة لتكون مُقدمة لتأجيل الانتخابات النيابية المقررة في 15 أيار- ماي، والتي لا يفصلنا عنها حوالي الأسبوعين. كما تُدير أعمال تهريب البشر عبر الحدود جنوباً وشرقاً وتجارتها شمالاً.