السيناريو… باعتباره شكلًا أدبيًا جديدًا (4)
د. برهان شاوي
غيراسيموف.. والرواية السينمائية
لكن إذا كان (دوفجنكو) قد أكد سابقا بأن (السيناريو) هو شكل أدبي يقع بين المسرحية والرواية. و(ميخائيل روم) أكد على اقترابه من النص المسرحي، فإن (سيرجي غيراسيموف) أكد على اقتراب (السيناريو الأدبي) من (الرواية). ففي كتابه (تربية المخرج السينمائي)، وفي الباب الخامس المتعلق بالرؤية الفنية، وتحت عنوان فرعي حول (الأدب والسينما) تحدث هو عن تجربته الأدبية والفنية في كتابة (السيناريو) قائلا: (من المفهوم أنني لا أستطيع أن اسمي السيناريوهات التي كتبتها بأنها قصصا أو روايات كاملة من الناحية الفنية..؛ لكنني شخصيا، وفي أعماقي، كنت منجذبا لهذا الجنس من الكتابة الأدبية بالتحديد، منجذبا إلى الرواية،. وهكذا كنتُ ولفترة طويلة، ولحد الان، وبدرجة واضحة وكبيرة، مقتنعا بأن السيناريو هو أدب جديد)
– (غيراسيموف- المؤلفات- مجلد2 – بالروسية – 1983).
ومن المعروف أن المؤلفات الكاملة لغيراسيموف، والتي تتألف من ثلاثة اجزاء، قد خصصت مجلدا للسيناريوهات الأدبية التي كتبها..!! فيتالي جـــدان.. وعلم جمال السينما لكن كل هذه النقاشات العميقة والطويلة عن خصوصية (السيناريو) باعتباره (أدبا) دعمها وبشكل حاسم، المنظر السينمائي، (فيتالي .ن. جـدان) في كتابه (عـلم جمـال السينما)، فقد كتب في الباب الخامس حول (السيناريو باعتباره الشكل الداخلي للفيلم) ما يلي:
(قراءة السيناريو ومشاهدة الفيلم..من الطبيعي أنهما يقعان ضمن شروط تقبل مختلفة، فالقاريء والمشاهد يتعرضان إلى تأثير وسائل تعبيرية مختلفة..؛ فأمام القاريء (لوحة من الكلمات)، أي وصف كتابي، أما المشاهد فأمامه الشاشة، الصورة التعبيرية، الأحداث، والكلمات الحية. فالحبكة، الأحداث، الجو العام، والطبائع الشخصية، تبنى في (السيناريو)، برغم أنه جنس أدبي، على أساس إمكانيات (السينما) وليس على أساس إمكانيات (الأدب).
وفي هذا التناقض تبدو (خصوصية) السيناريو كشكل أدبي جديد. فنمط الشخصيات الفنية الذي تقدمه الأشكال الأدبية الأخرى، من دون اعتبار للعناصر الدرامية (البصرية)، لا يمكن أن تكون أنماطا للسيناريو وبالتالي لا يمكن أن تكون أنماطا سينمائية).
(جدان – علم جمال السينما-بالروسية- 1980).
إن احدى الخصوصيات المميزة لـ(نمط الشخصية في السيناريو) عما هو عليه في الأدب تنحصر قبل كل شيء في أنه (لا يعبر عنه بشكل كامل)، علما أن رسم هذا النمط يوجد في(هيئة أدبية كتابية).
إن (السيناريو) في اختلافه عن الرواية والمسرحية يجب أن يتضمن، بل ويترجم هذا الاختلاف، ومن هنا اتخذ ملامحه، إنه (السينما) في (الأدب)، أو (الأدب) في طريقه الى الشاشة..؛ مثلما (النص المسرحي) هو المسرح في الأدب، أو الأدب في طريقه إلى خشبة المسرح، ناهيك أن كاتب السيناريو يفكر بطريقة صوتية، تعبيرية، صورية، أي أنه يعبر عن أفكاره بمساعدة الصوت والصورة.
وفي رده على سجال نظري بينه وبين المنظر السينمائي (ج. فيلدمان) الذي أكد في كتابه(ديناميكية الفيلم) بأن (السيناريو) ليس عملا فنيا متكاملا، لأنه لا يمتلك شكلا محددا، كتب (ف. جدان): (صحيح أن قيمة السيناريو تتضح من خلال تجسيده على الشاشة، كما كان(غوغول) في زمانه لا يعتبر (النص المسرحي) عملا متكاملا قبل تجسيده على خشبة المسرح حيث يأخذ النص شكله النهائي، لكن وكما هو معروف فإن (العرض المسرحي) ليس هو (النص المسرحي)، وهكذا الأمر مع السيناريو.
إن (إزدواجية) النص المسرحي و(السيناريو) أبدا لا يلغي أهمية اعتبارهما أعمالا أدبية قائمة بذاتها). (جدان- م.السابق). السجال التاريخي الذي بدأ في العشرينيات من القرن الماضي حسم تقريبا في النصف الثاني من الخمسينيات لصالح اعتبار (السيناريو) شكلا أدبيا جديدا. وعلى هذا الأساس صار التعامل معه، حيث صارت دور النشر الفنية، سواء في روسيا أو في البلدان الأوربية، تنشر السيناريوهات في كتب، أو مجلات دورية متخصصة، كما خصصت الجوائز السينمائية الكبرى للسيناريو، كما صارت المؤلفات النظرية للمخرجين الكبار تضم السيناريوهات التي كتبوها، فمن ثلاث مجلدات تضم مؤلفات (غيراسيموف) نجد مجلدا يضم سيناريوهات بعض أفلامه. وكذا الأمر مع (دوفجنكو) و(الأخوة فاسيلفا)، و(كايلريفج)، وغيرهم، كما خصصت الكليات في معاهد السينما لتدريس فن كتابة(السيناريو). وصار اعتبار (السيناريو) شكلًا جديد من الكتابة الأدبية من المتعارف عليه في مجال السينما، بل ولم يعد هناك من يخلط بينه وبين الرواية، أو من ينظر اليه باستخفاف.