أيُّها المَارُّون بَيْنَ الْكَلِمَات الْعَابِرَة
محمود القيسي
أيها المارون بين الكلمات العابرة
“أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، و انصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة
و خذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا
انكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء”..
كنا وما زلنا في عالمنا العربي نتابع لون وشكل وائتلاف وانتماء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تاريخيًا ان كانت تلك الحكومات المتعاقبة من الصقور او الحمائم من اليمين او اليسار.. من اليمين الوسط او اليسار الوسط.. من اليمين الاصولي او من اليسار المتطرف… وإلى أخر المعزوفات الراديكالية في تشكيل الحكومات الإسرائيلية التقليدية والغير تقليدية.. كي نجد نحن العرب بكل أسف طريقة للتعاطي مع تلك الحكومات دون ان نعلم أو بالاحرى مع علمنا التجريبي والتقليدي تاريخيًا ان الحكومات الإسرائيلية تاريخيًا تقوم دائمًا على ثوابت مشتركة بالعداء المُقنّع والغير مُقنّع حين يعود الأمر الى حقوق الشعب الفلسطيني واقامة دولته المستقلة وعودة الأراضي العربية المحتلة عمومًا والفلسطينية خصوصًا أو بالأخص رغم كل القرارات الدولية والاتفاقيات الاسرائيلية – الفلسطينية من ناحية والاتفاقيات العربية – الإسرائيلية من ناحية اخرى.. والتي تحولت معها قضية الشعب الفلسطيني والأراضي العربية المحتلة ومخيمات الشتات واللجوء والحروب المستمرة إلى أقدم قضية أحتلال وصراع بين الحق في إقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف واسترجاع الأراضي المحتلة.. وبين الباطل الإسرائيلي في مواصلة الاحتلال ومنع إقامة الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة!
وها نحن في هذه الأيام المفصلية في مناطق النزاع والاستبداد والعنصرية الإسرائيلية الرافضة في حقيقة الأمر لكل أنواع الحلول السلمية منذ عام ما يسمى النكبة 1948 حتى هذه الأيام.. نشهد ونشاهد العنجهية والتعنت الإسرائيلي المدعوم والمدعم من العالم الغربي عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا والتي اصبحت معها قصة إبريق الزيت كمن يدور حول نفسه كلما كسرت القرارات الإسرائيلية التعسفية إبريق الزيت والعودة إلى النقطة – صفر في موضع الحل السلمي للقضية الوطنية الفلسطينية أو البحث عن إبريق زيت جديد أخر كي تكسره العبثية الإسرائيلية مرة آخرى للمرة “الاف”…! مجرد نظرة سريعة على تركيبة وسياسة وطريقة عمل الحكومة الإسرائيلية الجديدة من الاعتداءات والعدوان والقصف واللهب والاغتيالات منذ الأسابيع الأولى لها تعطيني أكثر من جواب واستنتاج عن كمية الجرار والاباريق الفخار التي يحتاجها هذا العالم خلال عمل تلك الحكومة!؟.. دائمًا ما كنت أردد في عقلي الباطني ان “تتعدد الحكومات والأحزاب والتيارات والجمعيات السياسية والعسكرية والمدنية الإسرائيلية في المعنى والشكل واللون والمضمون يبقى واحد لا ثاني ولا ثالث ولا عاشر له.. العنصرية والاحتلال وتقويض اي حل سلمي في اعتقاد الأصولية الصهيونية التي تؤمن ان دولة إسرائيل تعيش وتستمر على الحروب والصراعات الابدية المستمرة!
“لا يوجد مسار موصوف يهدي الإنسان إلى خلاصه، بل يجب عليه اختراع مساره دائماً. وأن يخترع مساره معناه أنه حر ومسؤول ولا أعذار له في هذا، فكل أمل يكمن بداخله”. يواجه الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة تحديات وأيام صعبة قادمة في مواجهة الحكومة الإسرائيلية الجديدة وسياساتها.. نعم، أيام صعبة قادمة في مواجهة تلك الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو التي تعد الأكثر يمينية في تاريخ الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. حكومة نتنياهو وحلفاؤه من أحزاب اليمين المتشدد التي فازت في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في الأول من نوفمبر 2022 بأغلبية 64 مقعدا في البرلمان (الكنيست) المكون من 120 مقعدا. التحديات التي تتمثل بالاستيطان واجتياح المدن والمناطق الفلسطينية في الضفة الغربية وعمليات القتل وهدم المنازل ومصادرة الأراضي واقتحامات المسجد الأقصى والمناطق المقدسة المتكررة.. والالتفاف ومحاولة نسف معظم الاتفاقيات من اوسلو، الاتفاق الذي تدحرج الى اللاشيء.. تدحرج من آخر الممكن كما اسماه البعض، او من آخر المتاح كما أسماه البعض الآخر.. وتدحرج إلى اللاشيء حتى وصل الى اتفاق غزة – أريحا، ثم اتفاق باريس الاقتصادي، ثم اتفاق طابا – أوسلو الثاني، ثم واي ريفر الأول والثاني، ثم خريطة الطريق، ثم أنابوليس.. وهكذا دواليك اتفاقية تلو الآخرى وصولاً الى اللاشيء الذي نعيشه في هذه الايام العصيبة والمصيرية على فوهة بركان من بارود سريع الاشتعال..!
“أيها المارون بين الكلمات العابرة.. منكم السيف – ومنا دمنا.. منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا.. منكم دبابة أخرى- ومنا حجر.. منكم قنبلة الغاز – ومنا المطر”.. لقد “اجتر” أسلو، او ذلك الشيء او اللاشيء الكيانية الفلسطينية وحلم العودة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وسنين النضال الطويل والتضحيات الجسام حتى تلاشت ممثلية الشعب الفلسطيني الوحيدة “منظمة التحرير الفلسطينية” لحساب سلطة الحكم الذاتي، او لمجرد اعتراف مقابل اعتراف.. لقد مضى أكثر من ربع قرن على اتفاق أوسلو بكل ما “له” وما “عليه” ولم نقم حتى اللحظة بإجراء عملية تقييم ومراجعة وحساب على صعيد الفكر والممارسة ونتائج أسلو او تداعيات أوسلو من الصراعات الداخلية والانقسامات .. إلى التحرير والعودة.. إلى الاستقلال والدولة.. إلى السيادة والحدود واللاجئون.. والوحدة الوطنية وسيادة الدولة الوطنية. لقد غاب في “انفاق” و “نفاق” أوسلو معالم منظمة التحرير الفلسطينية التي تحولت إلى سلطة حكم ذاتي بات التنسيق بين هذا وذاك فقط أحد أهم مقوماتها ووظائفها.. هكذا غرقت الثورة الفلسطينية في تفاصيل الإجراءات والتعليمات والبروتوكولات.. هكذا توقفت الثورة وتوقف الحلم، كما توقف إنتاج الفكر العربي القادر على وضع معالم خارطة التحرير والعودة واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.. لقد تجرأ علينا الغرب والشرق لاننا فشلنا نحن امة الضاد في تقديم نظام سياسي قادر على النهوض بالحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ومواكبة العلوم العصرية وتطورها.. ولم يكن بإمكاننا من محاسبة دولة الكيان الصهيوني المحتل إسرائيل على تنكرها لكل القرارات الدولية وإلزامها بتنفيذها وفق الشروط والجداول المتفق عليها تحت المظلة الاممية وهيئتها الدولية.
نشر موقع الحدث نت الخميس 16 فبراير 2023: “الحكومة الإسرائيلية تتحدى الجميع وتشرعن 9 بؤر استيطانية في فلسطين”.. لم يكن تجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقضية الفلسطينية وإمكانية تسويتها وفق حل الدولتين المتفق عليه دولياً في خطاب تنصيبه، الخميس 29 ديسمبر (كانون الأول)، عفوياً. فنتنياهو يعود مجدداً إلى سدة الحكم في ظل موجة عنف هي الأشد منذ عام 2005 وبائتلاف حكومي من اليمين الإسرائيلي المتطرف منحه صلاحيات غير مسبوقة في إدارة شؤون الفلسطينيين بعيداً من مؤسسة الجيش، كما جرت العادة منذ سيطرة تل أبيب على الأراضي الفلسطينية عام 1967. ونص برنامج ائتلاف نتنياهو الحكومي على أن “للشعب اليهودي حقاً خالصاً على أرض إسرائيل وأن الحكومة ستعمل على تطوير الاستيطان وتعزيز هجرة اليهود إلى إسرائيل”. وشدد البرنامج على أن الخطوط العريضة للحكومة الجديدة “تعمل لتعزيز مكانة القدس عاصمة لإسرائيل والمحافظة على الوضع القائم بكل ما يتعلق بالمقدسات”. كما رفض نتنياهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967 وقال إن السلام الذي يسعى إليه مع الفلسطينيين في ائتلاف حكومته الجديدة سيكون على أساس “منحهم صلاحيات لحكم أنفسهم، لكن من دون سيادة ومع وجود الأمن بيد إسرائيل”، مضيفاً أن “السلام الوحيد الذي سيصمد هو السلام الذي يمكننا الدفاع عنه”. وصرح نائب رئيس حركة “فتح” محمود العالول إلى “اندبندنت عربية” بأن حكومة نتنياهو الجديدة “تفرض على الفلسطينيين تحديات كبيرة وجديدة بسبب فاشيتها وتطرفها وعنصريتها المعلنة”. ومع أن العالول شدد على أن “التطرف والعنف ورفض الحق الفلسطيني تميز الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كلها”، لكنه أشار إلى أن حكومة نتنياهو “تتحدث عن الجرائم وتمارسها، في حين كانت الحكومة السابقة تتحدث عن السلام وتمارس الجرائم”. واستبعد رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي أن تطرأ تغييرات جوهرية على الوضع الميداني في أراضي دولة فلسطين بوجود حكومة نتنياهو الجديدة. وقال إن لغة الأرقام تشير إلى “أن حكومة بينيت- لبيد السابقة ارتكبت عمليات قتل وجرائم ضد الفلسطينيين وزادت من عدد المستوطنات أكثر من حكومة نتنياهو السابقة”. إلا أنه شرح أن خطاب حكومة نتنياهو سيكون “أكثر وضوحاً في رفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة بسبب طبيعة تركيبتها من الصهيونية الدينية القومية”. وحول شكل العلاقة بين حكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية، يرى الشوبكي أن إسرائيل “مصرة على أن تنحصر تلك العلاقة في المسارين الأمني والاقتصادي من دون وجود أي إمكانية للتعامل السياسي”. وأضاف أن الرئيس الفلسطيني “لا يملك أي أوراق أخرى لقلب تلك المعادلة، بحيث ستبقى السلطة الفلسطينية تتعامل مع إسرائيل ومواجهتها في المؤسسات الدولية”.وتابع الشوبكي أن تل أبيب بدأت تعمل مع شخصيات فلسطينية تطرح نفساً بديلاً للرئيس عباس، وذلك لملء الفراغ السياسي المقبل، مشيراً إلى أنه في عام 2004 والرئيس ياسر عرفات يصارع السموم لم يكن أحد يتوقع أن يكون عباس خليفته في الحكم لعدم تمتعه بقاعدة شعبية”.
“أيها المارون بين الكلمات العابرة كالغبار المر.. مروا أينما شئتم ولكن لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة.. فخذوا الماضي، إذا شئتم إلى سوق التحف.. وأعيدوا الهيكل العظمي للهدهد، إن شئتم على صحن خزف.. لنا ما ليس يرضيكم، لنا المستقبل.. ولنا في أرضنا ما نعمل”.. وهنا لا بد من التذكير أيضاً وأيضًا بأن التطورات في الإقليم الشرق أوسطي؛ وخصوصاً الصراعات الحادة والحروب الساخنة والمختلفة، وتلك التي تجري بالوكالة، قد ساهمت أيضاً في إسقاط القضية الفلسطينية من جدول الأولويات الإقليمية. ولن تكفي بعد اليوم سياسة المناشدات الروتينية والمتكررة، أياً كان مصدرها، بضرورة تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، من منطلق أخلاقي ومبدئي وقانوني دولي (قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وتحديداً قرارات مجلس الأمن وأفكار ومبادرات السلام، وأهمها -دون شك- مبادرة السلام العربية التي أقرت في القمة العربية في بيروت عام 2002) لولوج باب التسوية السلمية المطلوبة، والمعروفة أسسها وقواعدها. لا تكفي سياسات دولية وإقليمية، تبلورت منذ سنين عندما توقفت فعلياً مفاوضات السلام، قامت على محاولات احتواء التوتر لمنع التصعيد، والتركيز على إدارة النزاع، واللجوء إلى ما تعرف بـ”سياسة المراهم”، لتنفيس الاحتقان بشكل مسبق أو لاحق. فالتطورات الحاصلة على الأرض لم يعد من الممكن احتواؤها أو وقفها أو تنفيسها عبر هذه السياسات والمبادرات، وتكرار الإعلان بالتمسك بحل الدولتين. هدف تتراجع إمكانية تحقيقه كل يوم مع السياسات الإسرائيلية الناشطة والناجحة في نسف الأسس التي يفترض أن يقوم عليها هذا الحل. وإذا لم يكن من الممكن اليوم إحياء دور الرباعي الدولي، بسبب المواجهة الأميركية الروسية حول أوكرانيا، دون أن يعني ذلك أن إحياء هذا الدور بحد ذاته سيقود إلى التسوية المنشودة، فإن من الضروري البحث عن صيغة أخرى. صيغة تضم دولاً عربية معنية بشكل أساسي أكثر من غيرها، لأسباب تتعلق بأمنها القومي والأمن الإقليمي، إلى جانب قوى دولية، أوروبية وغيرها، معنية أيضاً بأمن واستقرار الإقليم الشرق أوسطي، لإطلاق مبادرة لإحياء عملية السلام على أساس المرجعيات المعروفة بشكل تدرجي. وعلى الرغم من الصعوبات والعراقيل أمام مبادرة من هذا النوع، بينما العالم منشغل بالحريق الأوكراني الملتهب والممتد؛ فإنها تبقى ضرورية وفي سباق مع الوقت، حتى لا نشاهد حريقاً آخر في شرق أوسط تنتشر فيه حرائق تتغذى ويغذي بعضها البعض الآخر.
“أيها المارون بين الكلمات العابرة كدسوا أوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا.. وأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعية العجل المقدس.. أو إلى توقيت موسيقى مسدس.. فلنا ما ليس يرضيكم هنا، فانصرفوا.. ولنا ما ليس فيكم: وطن ينزف شعبا وطن يصلح للنسيان أو للذاكرة.. أيها المارون بين الكلمات العابرة آن أن تنصرفوا وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا.. آن أن تنصرفوا ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا.. فلنا في أرضنا ما نعمل ولنا الماضي هنا ولنا صوت الحياة الأول.. ولنا الحاضر ، والحاضر، والمستقبل ولنا الدنيا هنا.. والآخرة ْ فاخرجوا من أرضنا من برنا.. من بحرنا من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا من كل شيء، واخرجوا من ذكريات الذاكرة ْ أيها المارون بين الكلمات العابرة ْ!