كلمة
نشر المعلومات كمنفعة عامة
بفرح غامر تلقينا الاحتضان الجميل والمحبة الصادقة التي تفاعل بها الأصدقاء مع خبر إطلاق مشروع “السؤال الآن”.
لذلك نتوجه لهم جميعا بفائق الشكر والتقدير، ممن عبروا عن أملهم في أن تكون “السؤال الآن” منبرا للكلمة الحرة والمسؤولة، وملتقى حقيقيا للآراء الموضوعية والأفكار المستقلة. من منطلق التعامل مع البحث عن المعلومات والحقائق وتقديمها للناس كعمل يقع ضمن مفاهيم “المنفعة العامة”.
وبقدر ما أسعدتنا عبارات التشجيع والثناء، بقدر ما أحْسَسْنا بثقل المسؤولية وبمهابتها. خصوصا وأن بعض التعليقات حملتنا مسؤولية رهانات وآمال واسعة، هي ولا شك، أكبر من مهمة منبر صحفي، وربما أبعد من حدود الكتابة وآفاق النشر.
لقد ذهب البعض، عن إدراك أو من دونه، صوب منحى يسعى إلى الخلط ما بين مهنة الصحفي ومهمة الفاعل السياسي. وهي إشكالية تكاد تكون عامة، بسبب أن الصحافة والسياسة تسيران بتوازٍ على نفس الطريق السيار ذهابا وإيابا. وأصبح يصعب على المتتبع التمييز بين الصحفي المهني والفاعل السياسي، وهما معا يتنافسان في الآن نفسه على تبادل المواقع والأدوار، في اندفاع وتزاحم صوب استغلال ذلك الخيط الرفيع والملتبس بين الإعلام والسياسة، من دون حرج أو تهيب، وبغير مراعاة لقواعد مهنية أو اعتبارات أخلاقية.
تكرس الأمر مع اندلاع “ثورات الربيع العربي”، فشاهدنا كيف تحول صحفيون إلى سياسيين انحشروا بسهولة بين الحشود، بل قام بعضهم بتزعم وقيادة مسيرات، والتصقوا بالميكروفونات وبأبواق “الميغافون” المكبرة للصوت مرددين شعارات وهتافات المتظاهرين الاحتجاجية.
وفي المقابل، رأينا كيف اعتلى نشطاء وفاعلون سياسيون المنابر الصحفية متقمصين أدوار الإعلاميين، وكيف اجتهدت شلة منهم في تطوير مهارات تواصلية، غايتهم التأثير في الرأي العام وتعبئته، عبر التوظيف السياسي للمعلومات والحقائق، وإعادة تدويرها لتضليل الناس، خدمة لتنفيذ أجندات مرتبطة بهذه الجهة أو تلك من الجهات المتحكمة.
***
ندرك أننا نعيش في عصر ثورة الإعلام الرقمي، وتعدد الشبكة العنكبوتية، وتناسل المواقع الإلكترونية التي تنتشر كالفطر. لكننا بدل أن نشهد اتساعا إيجابيا في المجال الإعلامي، يحفل بحرية الصحافة والتعبير وتعدّدية الرأي، المفضية حتما باتجاه صحافة مهنية مستقلة ومسؤولة، غاصت الساحة في أوحال من السلبية والفوضى والعشوائية والإثارة والتشهير والإساءة والتطبيل والتملق. وباتت بعض المواقع (منها من يتصدر المشهد)، مجرد “علبة بريد” لسياسات موجهة. لينفضح مفعول المال السياسي والنفوذ السلطوي على كثير من تلك المواقع، ما أفقد الجمهور الثقة ونأى به عن تصديق إمكانية وجود صحافة مستقلة بالفعل والحقيقة.
وبدل أن يكون الإعلام أداة لمكافحة الفساد تحول إلى سلاح في يد الفاسدين، مما ساعد في صنع وتهييء جمهور سلبي ومشوه، تم تلقينه أن الصحافة والإعلام هو ما يقدمونه إليه من سخافة وابتذال وتفاهات وتسابق على رفع عدد النقرات وأرقام المشاهدات.
إزاء هذا المشهد الفوضوي المستفيد مما يمنحه المجال الرقمي، وما يتيحه من إمكانيات قصوى، تدفع البعض أحيانا كثيرة إلى تجاوز القواعد المهنية وتخطى القوانين، فيجري تهريب الحقيقة وإماتة السياسة، إما بتمويل مواقع إلكترونية تحركها خيوط غير مرئية لأجهزة معروفة، أو عن طريق القمع والزجر والمحاكمات والسجون، بغاية تكميم الأفواه وترهيب “المتجاسرين”.
***
ستسعى “السؤال الآن” لتكون منبرا مغاربيا ــ مشرقيا مفتوحا أمام تعدد الآراء ووجهات النظر من الضفتين، منبر يتوخى الموضوعية والحقيقة أولا .
وسنحاول قدر الإمكان المساهمة في ردم تلك الهوة القائمة التي تجعل كثيرا من المشارقة محصورين في كليشيهات جاهزة حول أشقائهم المغاربة، لا يهتمون بمعرفة أكثر عن المغاربيين، عالقين بين قوسي عبارة إخوة النبي يوسف (هذه بضاعتنا ردت إلينا). هي الهوة ذاتها التي تترك المغاربيين أيضا على أرصفة مواقف متقادمة حول المشرق، ونظرات متكلسة مضى عليها الزمن وباد. وهو أمر غير مقبول اليوم، في زمن تراكم المعلومات وانتشارها المتسارع ووصولها السريع.
ولأن الأوضاع المتفاقمة تتطلب من المجتمع الإعلامي في هذه المرحلة الحاسمة، النهوض الكامل بما يلزم من التحلي باليقظة والوعي، والاتفاق على مفهوم يستند إلى الحقيقة كمعيار أساسي لأي نقاش عام، بهدف كسب رهانات التحرر والعدالة والتقدم والتنمية، ومن أجل الانتصار في معركة الديمقراطية والحرية، فإن “السؤال الآن” تتوجه بنداء إلى كل المهتمين والمتتبعين وعموم القراء، ممن ينشدون الموضوعية والمصداقية، أن لا يبخلوا بالدعم والمساندة للمشروع، كتابة ونشرا وترويجا، للمساهمة في مواجهة مهربي الحقيقة وإعلام التدجين والميوعة والتضليل .
***
لنتطلع جميعا إلى المستقبل الأفضل والمأمول، ولنسر بتؤدة وبثقة وبصدق، صوب تحقيق فضاء إعلامي موضوعي، مهني حر ومستقل، منحاز للقضايا الإنسانية والعادلة.
عبد الرحيم التوراني
assoualsite@gmail.com