الحروب الأهلية المسلحة: هل كان ممكنا تجنبها؟؟
وفيق الهواري
يصادف الخميس 13 نيسان- أبريل 2023، ذكرى مرور 48 عاما على بدء الحروب الأهلية المسلحة التي تؤرخ بحادثة بوسطة عين الرمانة، التي يمكن وصفها بالشعرة التي قصمت ظهر البعير.
ومنذ عام 1975 والنقاش يدور حول الأسباب التي رجحت نشوب الحرب المسلحة، وهل كان من الممكن تجنبها، ومعالجة أسباب النزاع بطرق أخرى؟
إن الاتفاق على العامل الحاسم الذي دفع “الشعوب” اللبنانية للجوء إلى السلاح، يلعب دورا في منع تكرارها. وهذا لم يحصل حتى تاريخه، ومنع كتابة التاريخ الحديث للكيان اللبناني، وما زالت وجهات النظر تتوالى من جميع الجهات.
في قراءة لما حدث لا بد من قراءة العامل الداخلي ودوره في تجييش الشعوب اللبنانية، والعامل الخارجي ورؤيته للدور الذي يمكن ان تلعبه هذه الشعوب وفق الخطة التي ينفذها الخارج.
لم يكن تأسيس الكيان اللبناني نتيجة حركة شعبية ناشطة تريد الاستقلال عن سلطنة عثمانية تناثرت أراضيها، بل كانت عملية التأسيس نتيجة تقاسم الميراث العثماني في المنطقة بين بريطانيا وفرنسا، وإلحاق أربعة أقضية بمركز جبل لبنان الذي يتمتع بخصوصية تكوينه بين الدروز والموارنة، وقد أضيفت اليهما مجموعات ومكونات مختلفة، وتحول الكيان الجديد الى مساحة تضم مجموعات لكل منها تاريخها وعاداتها وتقاليدها واساطيرها ونظرتها إلى الآخرين.
ولكل مجموعة مرجعيتها السياسية وهي تتصرف بصفتها رعايا لزعيم مناطقي أو طائفي وليس كمواطنين لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات.
وخلال السنوات التي سبقت الحرب الاهلية عام 1975 جرت محاولات لبناء حركة شعبية تسعى إلى التغيير، لكن قيادة هذه الحركة نظرت الى الشعوب اللبنانية وكأنها تعبر عن مجتمع متكامل الإنجاز وان الانقسامات في داخله هي افقية تعبر عن مصالح طبقية واضحة، وأن الطائفية مرض يمكن معالجته وصولا الى التغيير المنشود. من الواضح أن قيادة الحركة الشعبية الواعدة استطاعت بناء مفهوم مصالح مشتركة بين مجموعات مختلفة لكنها لم تستطع إخراجها من الموقع الطائفي والالتحاق بالزعماء، فكان العمال يتظاهرون ويتحركون من اجل مصالحهم الاقتصادية ويعودون الى انتخاب زعماء طوائفهم في الانتخابات النيابية.
وفي هذه الفترة جرت محاولة بناء الدولة من خلال مؤسسات عامة، ومن خلال ربط المواطن مباشرة بالدولة، وهي المحاولة الشهابية التي فشلت لان اصحابها اعتقدوا بامكانية بناء دولة مواطنين من خلال النظام الطائفي المعتمد منذ عام ١٨٤٣، وفق ترتيبات شكيب أفندي.
هذه الحركة الشعبية رأت ان المشكلة بالمارونية السياسية ولم تول أهمية لمسؤولية النظام الطائفي الذي تتزعمه المارونية السياسية. وفي الوقت ذاته لم تكن تهدف الى اللجوء للعنف من اجل التغيير، وهذا كان واضحا بردود فعلها بعد اقدام السلطة على قتل عمال غندور في بيروت ومزارعي التبغ في النبطية، من خلال الاصرار على التغيير ديمقراطيا.
إذن، وعلى الرغم من حدة الانقسام الداخلي فان ذلك لم يدفع الاطراف المتنازعة للجوء الى العنف المسلح.
اما العامل الخارجي فلا يمكن النظر اليه الا من خلال نتائج حرب حزيران 1967 والتي أظهرت عجز الانظمة العربية عن مواجهة العدو الإسرائيلي، والتي ادت الى احتلال كامل الاراضي الفلسطينية بالإضافة الى اراض مصرية وسورية.
بعدها انطلق الكفاح الفلسطيني المسلح ليحدد أهدافه بتحرير فلسطين، وبدأت العمليات العسكرية ضد الاحتلال الاسرائيلي انطلاقا من الاردن وسورية.
وفي 21 آذار – مارس 1968، وقعت معركة الكرامة والتي تكبدت فيها إسرائيل خسائر فادحة، ما دفعها وحليفها الاميركي الى وضع خطة بديلة تقوم على استخدام الانقسامات العامودية في كل كيان محيط بالاراضي الفلسطينية المحتلة كي تنهي الوجود الفلسطيني المسلح، فحدثت حوادث أيلول 1970، بين العشائر الاردنية والنظام الملكي من جهة وبين المسلحين الفلسطينيين من جهة اخرى، وانتهت في عجلون عام 1971، وانتهى بها الوجود الفلسطيني المسلح الذي شكل خطرا فعليا على إسرائيل.
وفي سورية استخدم الأميركي حالة النزاع بين اطراف السلطة، ودعم أحدها شرط إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح، وانتهى الانقلاب في نهاية عام 1970 بالامساك بالبندقية الفلسطينية في سورية لاستخدامها وفق سياسة النظام الذي كان يسعى للعب دور إقليمي.
أما في لبنان وهنا بيت القصيد، فقد جرى تجييش العصب المسيحي بحجة ان الوجود الفلسطيني المسلح يسعى لإقامة وطن بديل له في لبنان، وأن هناك خطرا داهما على الوجود المسيحي، وبالتالي على القوى المسيحية العمل من اجل استقلال لبنان وسيادته وساعد على هذا الاتجاه التجاوزات التي ارتكبتها الفصائل الفلسطينية، والفوضى التي عمت البلاد، وقد حاولت هذه الاطراف اللبنانية بتوجيه من الخارج استخدام كل الخطب السياسية لإظهار ان الخطر الرئيس على لبنان ياتي من الوجود الفلسطيني المسلح، وقد جرت محاولات للوقوف بوجه الوجود الفلسطيني المسلح من قبل القوى العسكرية الرسمية عام ١٩٧٣، لكن المحاولات باءت بالفشل، فلم يعد امام العامل الخارجي سوى تعميق الانقسام العامودي، وخصوصا ان اليسار اللبناني كان يرى من واجبه الدفاع عن الفلسطينيين بكل الوسائل من دون أن يأخذ بعين الاعتبار بنية المجتمع اللبناني وانقساماته الطائفية، كما افترض ان القوة الفلسطينية ستكون شريكة له في عملية التغيير المرجوة.
لذلك وقع الداخل اللبناني بين شاقوفين، الاول يرى ان المحافظة على لبنان يعني إنهاء الوجود الفلسطيني، والثاني نظر الى لبنان كمساحة جغرافية يستخدمها الفلسطيني في نضاله المسلح، وأن الحروب الاهلية يمكن ان تكون المعبر لعملية التغيير.
لذلك بدأت الحرب الاهلية المسلحة عام 1975، والهدف الأساس منها إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح على أيدي لبنانيين، ويدافع عن هذا الوجود ايدي لبنانية أيضا.
أي أن العامل الخارجي، ما كان سينجح في خطته لولا اتكاله على الانقسام الطائفي الداخلي، وانغماس اليسار في الحرب الاهلية، ووقوفه الى جانب الإسلام السياسي الساعي لاستبدال المارونية السياسية بالاسلام السياسي.
لكن الصراع المسلح الداخلي وعلى الرغم من التدخل السوري الساعي للامساك بالبندقية الفلسطينية، لم ينه الوجود المسلح، فكان الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، والذي تركز نجاحه في إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح، وبالتالي ازال الخطر الفلسطيني الخارجي عن دولة الاحتلال الاسرائيلي.
إن هذه القراءة السريعة لأسباب بدء الحروب الاهلية المسلحة تؤشر دوما الى اتجاه قراءة ما تلا الاجتياح الاسرائيلي للبنان، واستبدال نظام المارونية السياسية بنظام المحاصصة، الذي ابقى على جوهر النظام الطائفي كناظم للحياة ومولد للنزاعات والحروب الدورية.
Visited 28 times, 1 visit(s) today