قاسم أمين والطاهر حداد مسلمان دافعا عن “النسوية”

قاسم أمين والطاهر حداد مسلمان دافعا عن “النسوية”

 ريم ياسين

    لا ريب أن الكتابات النسائية المهمة في العالم الإسلامي كتبها رجال، فالنساء كن نادرا ما تتحدثن، وقد قام الرجال بذلك ليس للدفاع عن قضية المرأة ولكن من أجل تحديث المجتمع.

   إن “المرأة هي مستقبل الرجل”، قالها الشاعر الفرنسي أراغون. في العالم الإسلامي حاول رجال كثيرون إقناع إخوانهم بذلك، بدأ ذلك في القرن التاسع عشر. وقتها كان العالم الإسلامي يواجه الاستعمار، فوجد نفسه متخلفا وفقيرا. سافر بعض المتعلمون إلى أوروبا وعادوا بقناعة بأنهم إذا أرادوا متابعة الحياة، يجب عليهم أن يأخذوا الأفضل من الغرب دون أن ينكروا ذواتهم. هكذا بدأت حركة النهضة. وكان من هؤلاء الاختصاصي المصري في الحقوق قاسم أمين (1863 ــــ 1908). درس هذا الأرستقراطي المصري الحقوق في جامعة مونبيليه الفرنسية. حيث اكتشف نساءً غير محجبات وغير منزويات، أظهرن نفوذهن أمام الرجال، حتى لو لم تكن عندهن الحقوق نفسها. 

   بالنسبة لقاسم أمين، الحضارة الإسلامية هي في طور الاندثار، ووحدها المرأة التي تربي الأطفال، قادرة على قلب هذا التوجه. ولكن القانون الإسلامي يعتبر المرأة كائنا أدنى من الرجل، فهي تخضع من الناحية القانونية لوالدها أو لشقيقها أو لزوجها، لا تستطيع أن تُطلَّق بدون موافقة زوجها، وحصتها من الميراث هي 50% أقل من حصة شقيقها، مع أنه لا يحق لها أن تصبح قاضية أو مفتيا، بما يعني أنها تستطيع تفسير القانون. يجب العمل على إيجاد حل بهذه التناقضات. في سنة 1900، يؤكد قاسم أمين في كتابه “المرأة الجديدة” أن المرأة يجب أن تكون حرة ولديها نفس حقوق الرجل، لأن المرأة الحرة هي مواطن حر. ثم يستشهد بالكاتب جون ستورت ميل، فيتهم بإتباع الغرب. ولكن أفكاره تركت آثار كبيرة.

   ويعتبر أن “المرأة من وقت ولادتها إلى يوم مماتها هي رقيقة، لأنها لا تعيش بنفسها ولنفسها، وإنما تعيش بالرجل وللرجل، وهي في حاجة إليه في كل شأن من شؤونها، لا تخرج إلا مخفورة به. ولا تسافر إلا تحت حمايته ولا تفكر إلا بعقله”.

  في الإسلام، نجد النساء الأكثر انزواء عند الأغنياء وأصحاب النفوذ. أما النساء في الطبقة الفقيرة، فيجب عليهن الخروج للعمل.

   في القاهرة، كان كان هناك منتدى السيدة رشدي، واسمها أوجيني لوبران الفرنسية قد ترك تأثيرا كبيرا حيث كانت تدور فيه نقاشات حول تحرير المرأة، وقد توفيت سنة 1908، وإحدى تلميذاتها هدى شعراوي المولودة سنة 1879، وهي عالية النسب وتتكلم عدة لغات، وقد عرفت الحياة الانزوائية ومنعت من تعلم كتابة اللغة العربية، لأن ذلك كان حكرا على الرجال. سنة 1923، عند عودتها من أوروبا، نزعت حجابها على رصيف محطة القاهرة، وأثار ذلك صدمة كبيرة. وصفقت لها النساء اللواتي أتين لاستقبالها. وهي التي نظمت سنة 1919، المظاهرة النسائية الكبيرة من أجل استقلال مصر، ثم أصبحت سنة 1925 رئيسة المجلة المصرية. من حولها، أخذ الحجاب يسقط. وقد أحيت هدى شعراوي الحركة النسائية المصرية حتى وفاتها سنة 1947. ولكن في مصر كما في العالم الإسلامي، هددت الحركة الإسلامية هذه المكتسبات منذ مطلع الثمانينات.

   في تونس أيضا وفي مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، حاول رجل تحسين وضع المرأة، وهو الطاهر حداد المولود سنة 1899. وقد نشر الصحفي المناضل النقابي سنة 1930 كتابا بعنوان “امرأتنا في الشريعة والمجتمع”، وهو مجموعة تحقيقات ومقالات حول وضع المرأة وتحديث البلاد، يستند على القرآن وآراء علماء الدين ليبرهن أنه لا يوجد شيء في الكتاب المقدس يمنع المرأة من التحرر. ويأخذ موقفا ضد تعدد الزوجات وانزواء المرأة والحجاب وطريقة التعليم..

أدرك المحافظون خطورة طروحات حداد التي ستغير البلد بعمق  وبشكل حتمي لا رجوع فيه. فكانت ردة فعلهم عنيفة جدا. فطرد من قاعة الامتحانات حيث كان يستعد لنيل شهادة المحاماة، ووجد نفسه منبوذا، فعاش بالنفي بائسا ومتروكا لمصيره.

  ولكن ما إن أعلن استقلال تونس، واستلم الرئيس الحبيب بورقيبة السلطة حتى أعطي حداد حقه. ففي 13 أغسطس 1956، أعلن قانون الأحوال الشخصية الذي وضع الشريعة جانبا. وهو عمل لا مثيل له في العالم العربي. منذ ذلك التاريخ، أصبح الرجل والمرأة متساويان كمواطنين. أصبح الزواج مرتبطا بموافقة الطرفين. والطلاق يكون أمام محكمة، ومن حق المرأة أن تحصل على تعويض. وأصبح تعدد الزوجات ممنوعا. ويضيف الرئيس مازحا أن على المدافعين عن تعدد الزوجات القبول بنفس الفعل بالنسبة للزوجة إذا كان الزوج عقيما، وذلك على أساس المساواة بين الاثنين. فقد طبق هذا القانون ابتداء من1 يناير 1957. وقد اندرج في برنامج واسع يهدف إلى تحديث المجتمع ومن ضمنه منع ارتداء الحجاب في المدارس، ومنح المرأة حق التصويت والحق في الإجهاض بشكل حر، وتناول حبوب منع الحمل المجانية. وكذلك إلغاء المحاكم الدينية وتفكيك جامعة الزيتونة صرح المحافظين.

   ولتمرير هذه القرارات، أكد الحبيب بورقيبة لرجال الدين أنها عودة إلى الفكر الحقيقي الإسلام، والذين يعترضون كان يتم الإطاحة بهم أو وضعهم في التقاعد أو في السجن، وكان يقول لهم أنا مسلم مثلكم ولكنني بفعل مسؤولياتي كرئيس جمهورية، مناط بي أن أفسر التشريع الإسلامي.

   بالنسبة للحبيب بورقيبة، حتى تصبح المرأة التونسية مستقبل الرجل، يجب على السلطة أن تسيطر على الديني، وهذا ما حصل.

   ولكن في سنة 1973،  لم يستطع الديكتاتور العجوز أن يفرض المساواة في الإرث بين الأخ والأخت. وفي تونس أيضا، تغيرت الظروف، إذ أن جزءاً من المجتمع المدني أصبح ينظر إلى الإسلاميين الذين يعدوهم بالجنة بطريقة جديدة، وهنا يكمن التناقض. فالنساء المتعلمات هن اللواتي قررن إعادة وضع الحجاب. ليس فقط المنديل ولكن الحجاب الإسلامي الرمادي الذي له رمز سياسي.

وفق قاسم أمين، الحجاب هو مسألة تقاليد وليس مسألة دينية. ولكن في العالم الإسلامي، المسألتان مرتبطتان بشكل وثيق.

ولا أحد يعرف من هو محق أكثر.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة