قاسم يطلب من سوريا ما يرفضه في لبنان.. وسوريا الأسد “ممر” ليس أكثر!
سمير سكاف
يطلب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم السلطة الجديدة في سوريا ألا تسمح لأي كان من خارجها التدخل في شؤونها، وأن تطبق مبدأ المواطنة وأن تطبق الشراكة مع الطوائف الأخرى! أي كل ما رفض الحزب القيام به في لبنان منذ العام 1982 وحتى اليوم! وهو يوجز ما يطلبه اللبنانيون من حزب الله!
في الشأن اللبناني، لا يبدو أن مرحلة إعادة البناء قد حانت بعد! وخطاب قاسم يحمل مؤشرات عودة الحرب!
فإذا كانت مقاومة لبنان لاسرائيل مستمرة طالما أي شبر من لبنان تحتله اسرائيل، فإن ما اعتبرها حزب الله “مقاومته”، قد انتهت بتوقيعه اتفاق وقف إطلاق النار، الذي هو إتفاق إذعان، لمن لا يحب كلمة استسلام! وعدم الالتزام بالاتفاق يسمح به قاسم لاسرائيل بجولات حرب جديدة!
في خطابه منذ قليل، يكشف الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن حزب الله سيعيد تسليح نفسه عبر ممرات أخرى، وهذا أمر يسمح لاسرائيل بموافقة قاسم وبتوقيعه شخصياً، يسمح لاسرائيل بالدخول لضرب حزب الله وبيئته عسكرياً، ولضرب كل لبنان ايضاً. وهذا موجود في نص اتفاق وقف النار!
وما هو خطير في قراءة قاسم أنه يدخل حزب الله في بحر من المخاطر الجديدة تنذر بتعرض حزب الله من جديد. فقاسم يبدو وكأنه وقّع الاتفاق (وافق عليه) من دون قراءته!
ويبدو قاسم، بالتالي، غير مطلع بالكامل على الاتفاق الذي وقّع عليه! فالاتفاق لم يتحدث عن جنوب الليطاني فقط من جهة، ولم يتوقف عند تنفيذ القرار الأممي 1701 فقط!
بل إن نص الاتفاق يوضح صراحة بمنع حزب الله، بأي طريقة، ليس فقط بتسليح نفسه في أي منطقة من لبنان، بل حتى بمنع إمكانية استعماله للسلاح، الذي يعدد فيه الاتفاق، الذي وافق عليه قاسم، يعدد حصراً القوى التي يجيز لها استعمال السلاح. وحزب الله ليس واحداً منها!
وافق الشيخ نعيم قاسم في توقيعه على الاتفاق على كل ما كان يرفضه قائد حزب الله الشهيد حسن نصرالله. وهو يحاول تغيير أو تعويض مرحلة ما بعد الاتفاق للحاق بما كان قبله! وهذا أمر لم يعد ممكناً! ولكن يصعب الاعتراف به!
ففي جنوب الليطاني، يحق للجيش ما لا يحق لحزب الله من تواجد مسلح. واستمرار سلاح حزب الله في شمال الليطاني لمواجهة اسرائيل هو منافٍ لمنطق “المقاومة“!
خسائر هائلة “ثمن التضحيات”؟ ثمن ماذا؟
يعترف قاسم بالخسائر الكبرى التي تعرض لها حزب الله من شهادة أمينه العام السابق السيد حسن نصرالله الى “ثمن التضحيات” الهائل. ولكن قاسم غير مقنع، لا في جدوى دفع الأثمان، ولا في إمكانية وقوف وتعافي الحزب السريع، وكأن كل الشهداء كان يسهل الاستغناء عنهم، وكأن كل الأثمان البشرية والمالية بسيطة جداً!
مد يد للسلطة السورية الجديدة!
فتح الشيخ نعيم قاسم الباب لمد اليد للسلطة السورية ب “تمنيات” حزب الله، مدركاً الخلاف معها، عقائدياً وتحالفياً، وحتى مذهبياً! ومدركاً أنه ليس في موقع يستطيع به فرض لا شروطه ولا حتى تمنياته عليها!
فالسلطة السورية الجديدة ضربت “أقربهم إليه”! وهي في عمقها التركي والعربي تختلف مع بعده الإيراني. وهي تتهم إيران بكل الشرور!
ومع ذلك، فإن قاسم يلخص دور سوريا بالنسبة لحزب الله بالممر، فقط! إن دور نظام الأسد لم يكن بالتأكيد تفصيلاً صغيراً بخسارة ممر لوجيستي يسهل تعويضه! فإما أن الشيخ نعيم قاسم يغش نفسه وإما فهو يغش جمهوره وبيئته!
خسر حزب الله بهروب الأسد “الضهر” و”السند” في السياسة الإقليمية، وفي الداخل اللبناني! فلولا نظام الأسد لكان حزب الله قد سلّم سلاحه، كما فعل الباقون في مرحلة الطائف! إن انهيار وخسارة نظام الأسد هو حلقة جديدة في سلسلة الخسائر الهائلة التي تعرض وما يزال الحزب يتعرض لها.
وحتى بتوصيف قاسم سوريا الأسد بممر، فغير صحيح أن خسارة الخط السوري تفصيل بسيط. أو أنه يستطيع بعكس ما وقع عليه في الاتفاق إعادة الاستحصال على أسلحة أخرى من ممرات أخرى! ومن أين؟ من المطار أم من البحر؟! وطبعاً مع منعه من التصنيع في الداخل!
قاسم يضيع تفسير “المقاومة“!
يصعب أن يجد الشيخ نعيم قاسم حتى في داخل جمهور حزب الله من يتفق معه في توصيف المقاومة: إيمان وإعداد! إن ربط المقاومة بالدين غير موفق! إذ لا تستوجب كل قضية ايمانية مقاومة مسلحة! كما أن “المقاومة” في لبنان ليست “إيماناً إسلامياً” كما يقول، ولا هي في خدمة أجندات غير لبنانية وفي حروب خارج لبنان… بل هي إيمان وطني للدفاع عن الوطن فقط، لا غير!
الشيطان الأكبر يرأس لجنة الرقابة؟!
لا يوفر الشيخ نعيم قاسم الولايات المتحدة، التي تدعم فعلاً اسرائيل في كل شيء! ولكن، كيف يمكن لحزب الله أن يقبل برئاسة لجنة مراقبة اتفاق وقف النار من… “الشيطان الأكبر” … غير المحايد؟!
التعاون في الداخل!
مع صعوبة إعادة الإعمار، ومع طلب الشيخ نعيم قاسم فعلياً من مل اللبنانيين المساهمة مالياً لإعادة الإعمار، يترك الشيخ نعيم قاسم في النقاط الأخرى لدور حزب الله السياسي باب التعاون في الداخل مفتوحاً. وهو على إيجابياته، وبمعزل عن تفاصيل الحوار المقترح، لا يسمح ببناء الدولة في ظل وجود سلاح خارج سلاح الدولة.
“إسناد ما سندش حد“!
إذا كان مقاتلو الحزب في قرى الحافة صمدوا بشجاعة كبيرة، فإن حرب الإسناد لم تسند غزة التي اعترف الشيخ نعيم قاسم بتدميرها بالكامل بشيء! وهي أعطت الفرصة للاسرائيلي لتدمير مناطق ومدن وقرى كثيرة من لبنان، لم تتمكن حرب الإسناد، ولا حزب الله من حمايتها!
وفي هذه الحرب، خسر لبنان الكثير بسبب فرض حزب الله الحرب عليه. والشعب اللبناني يؤكد له أنه يريد فقط “جيشاً مقاوماً”… فقط! وذلك، بعيداً عن كل الأوهام الضائعة والوعود غير الصادقة!
إن إدخال اسرائيل الحرب في 8 أكتوبر هو الذي أعطاها احتمال دخولها لبيروت كما يقول قاسم! وهو الذي يبرر في كل مرة أي مبادرة للحزب أن ضرباته استباقية لأنه “كان يعلم” أن إسرائيل ستضرب لبنان لاحقاً لو لم يسبقها!!!
في النهاية، إن كلام قاسم، لا يبشر بالخير! فإما أن ينفذ حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار ويتخلى عن السلاح، وإما أن يعود للحرب! وكل كلام آخر هو وعد أكيد بحرب تدميرية جديدة للبنان ولجمهور حزب الله، وهو مضيعة للوقت وتضليل لبيئة حزب الله ولكل اللبنانيين من خلفه!