فرصة أمريكية جديدة لإنهاء ظاهرة السلاح

أحمد مطر
في زيارتها الثانية للبنان سمع الرؤساء الثلاثة من اورتاغوس، مطالب واضحة وصريحة حول ضرورة نزع سلاح حزب الله، وضرورة استعادة لبنان لسيادته على جميع أراضيه، من خلال نزع سلاح جميع المجموعات اللبنانية والفلسطينية.
هناك تكتم بالمعلومات دون شك، لكن هذا لا يعني بأن المعلوم من المواقف والمعلومات عن التطورات المتواصلة لا يكفي لتحليل الأوضاع الراهنة، والنظر إلى المسارات المستقبلية للأزمة الراهنة التي يواجهها لبنان، في ظل استمرار الخروقات الإسرائيلية المستمرة للقرار 1701، وبالتالي استمرار احتلال إسرائيل لخمس نقاط استراتيجية داخل لبنان، واستهداف عناصر من حزب الله في الجنوب والبقاع، ووصولاً إلى الضاحية الجنوبية.
وكان اللافت أن صراحتها بلغت مستوى دعوتهم للاختيار ما بين الإبقاء على السلاح وواشنطن، والكل يعلم بأن واشنطن تشكل الضامن الوحيد لخروج إسرائيل من لبنان.
اورتاغوس قالت بأن لبنان هو أمام فرصة هامة، ويجب عليه عدم إضاعتها. وتتمحور هذه الفرصة حول المساعي الأميركية الحثيثة لتأمين انسحاب إسرائيل من الجنوب، ووقف الخروقات الإسرائيلية المتكررة وتثبيت وقف إطلاق النار، مع إمكانية العودة لتطبيق هدنة 1949.
ويبدو أن الدولة لم تبادر إلى فتح ملف سلاح حزب الله، وتكتفي الآن باعتماد مجموعة من القرارات الإصلاحية الضاغطة والمطلوبة من صندوق النقد الدولي، كما يبدو بأن الموفدة الأميركية قد أبدت ارتياحها لاتخاذ الحكومة خطواتها الإصلاحية، وكأنها لم تنسَ أن تذكِّر الرؤساء بضرورة العمل بجد لإنهاء ثنائية السلاح، وبالتالي تسريع هذه المبادرة. لكن يبدو بأن كلام المسؤولين عن التريث وإعطاء المزيد من الوقت لتنفيذ خطوة حصرية السلاح، لم يكن مقنعاً لها. وبأن هذا التأخير سيؤدي حتماً إلى تأخير الانسحاب الإسرائيلي ووقف الاغتيالات المستمرة لعناصر حزب الله، وتأخير إطلاق الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل.
وذهبت الموفدة الاميركية وبصراحة مطلقة، إلى ربط وصول المساعدات للبنان والبدء بإعادة الإعمار بمسألة حل مشكلة سلاح حزب الله شمالي نهر الليطاني.
هكذا يبدو بأن المسؤولين اللبنانيين لا يأخذون بالحسبان انعكاسات التطورات التي تجري في المنطقة، سواءٌ في غزة أو في سوريا، أو في العراق. فالحرب في غزة تشهد تصعيداً كبيراً، ويترافق مع هذا التصعيد وجود نوايا إسرائيلية لاحتلال مناطق واسعة من القطاع، بالإضافة إلى عودة الرئيس ترامب بعد محادثاته مع نتنياهو لتجديد مطالبه بإخلاء القطاع من سكانه وتحويله إلى منطقة سياحية مميزة. أما في سوريا فإن التصعيد الإسرائيلي قد بلغ ذروته من خلال تكثيف الضربات الإسرائيلية، من جهة، وبدعوة تركيا إلى تقاسم سوريا وتحويلها إلى مناطق نفوذ تركية – إسرائيلية.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن إسرائيل تنظر إلى سوريا كميدان مركزي لتغيير موازين القوى الإقليمية، وخصوصاً بالنسبة إلى تركيا وإيران والعراق ولبنان. إذا أسقطت إسرائيل الحكم السوري الراهن فإن ذلك سينعكس سلباً على الاستقرار في لبنان، وعلى مخططات رئيس الجمهورية جوزاف عون وحكومة نواف سلام، للإصلاح والإنقاذ واستعادة الدولة لسيادتها على الحدود السورية اللبنانية.
إن على السلطة في لبنان أن تتعظ من الأخبار الواردة من العراق، حول العمل على نزع سلاح فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران، وتحويل بعضها لأحزاب سياسية، في ظل وجود تهديدات أميركية بضربها، على غرار ما يجري في اليمن ضد الحوثيين، وتؤشر الأمور في هذا السياق إلى وجود قرار أميركي صارم للعمل بالتوازي مع إسرائيل لتفكيك جميع الأذرع الإيرانية في المنطقة.
أما في ما يعود لإيران فقد أعطت مؤشرات عن تخليها عن عدد من أذرعها المسلحة في العراق واليمن وسوريا وغزة، وذلك في محاولة لحماية نفسها من العمليات الأميركية والإسرائيلية المحتملة. ولكن لا يبدو إطلاقاً بأن إيران مستعدة للتخلي عن حزب الله وسلاحه، حيث يشكل درة التاج الإيراني. أظهرت إيران حرصها على الحفاظ على حزب الله من خلال مساعيها المتكررة للاستمرار في تمويله بوسائل عديدة، لن تكتفي إيران بتمويل الحزب، بل تسعى جاهدة لتعويض خسائره بالسلاح، وبطرق جديدة بعد إقفال خط الدعم عبر سوريا، وتتحدث المعلومات الغربية بأن الاختيار الإيراني قد وقع على اعتماد خط تموين بحري، وعن طريق مرفأ بيروت، حيث يمتلك حزب الله شبكة من العملاء، وهذا ما اثبته انفجار النيترات في مرفأ بيروت.
وتؤكد المصادر الغربية وجود اختراقات كبيرة لحزب الله في مرفأ بيروت، سواءٌ على مستوى السلطات الإدارية للمرفأ أو جهاز الجمارك، وبلغت دقة المعلومات تسمية مسؤول للحزب يدير هذه العمليات، وإلى تسمية أجهزة الحزب المولجة بتنفيذ التهريب بحراً.
اللافت أن تسريب هذه المعلومات يأتي في اليوم التالي لمغادرة اورتاغوس لبيروت، والتي صرحت لقناة “العربية” الانكليزية بأن “على لبنان التخلي عن سرطان حزب الله”.
ختامًا، في ظل التطورات الجارية في المنطقة والمعلومات الجديدة عن بدء تهريب السلاح بحراً إلى مرفأ بيروت، لم يعد من الجائز للرئيس والحكومة المطالبة بمزيد من الوقت والمساحة، لمعالجة وجود سلاح الحزب شمالي الليطاني، ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار ردود الفعل الإسرائيلية والأميركية على الأخبار الواردة عبر تهريب السلاح بحراً إلى بيروت.
إن مخاطر المرحلة تتطلب من السلطات التنفيذية اتخاذ قرار حاسم لمعالجة السلاح، قبل فوات الأوان وتدمير مرفأ بيروت.