أسس البحث ومكوناته وأبعاده في “دلالة الرمز في الزربية وفي الوشم عند الأمازيغ”

أسس البحث ومكوناته وأبعاده في “دلالة الرمز في الزربية وفي الوشم عند الأمازيغ”

عبد النبي بزاز

          بعد إصداره لكتابه القيم “الزربية ذاكرة موزونة والصوف” سنة 2012 يعود الفنان التشكيلي والنحات والباحث المغربي  يزيد ألعطو لمواصلة مغامرة البحث والتنقيب والدراسة والتحليل في تيمة الزربية الزمورية، وما يرتبط بها من مكونات وأدوات، وما ترسمه من آفاق وأبعاد فنية وجمالية وأنتروبولوجية في كشف لحقائق ذات حمولات تاريخية ورمزية، واكتشاف لما تزخر به من دلالات عديدة، وأبعاد غنية ومتشعبة.

ولا يمكن أن ننكر، أو نشكك في امتداد هذه الدراسة لسابقتها (الزربية ذاكرة موزونة والصوف) من خلال الاعتماد على نفس التيمات، والأدوات  والتي تحضر فيها المرأة الناسجة للزربية، والوسائل  المستعملة من صوف، ومنسج بأدوات (أفكاك: الهيكل، تيمنوين: الركائز، أسنلي: خيوط ملفوفة على قصبة تتحرك باستمرار مع تقدم العمل، القصب، القرشال، المغزل، تاسكا: قطعة حديدية كالمشط) إلا أنه امتداد موسوم بتطوير المقاربة لموضوع الزربية ، وما يتداخل فيه من عناصر على المستوى التاريخي الحضاري، وعلى مستوى الأعراف بمواضعاتها الاجتماعية، وثوابتها الشائعة المتداولة.

وقد نهج البحث مراحل متسلسلة بدءا من التعريف: ” الزربية هي تراث ثقافي ينتمي إلى صنف الأنتيكات. جمالها لافت وألوانها زاهية. زخارفها مصممة بشكل جيد ومشحونة بطاقة غالبا ما تنجذب إليها القلوب. ” ص 11، تعريف يزداد عمقا واتساعا بربطها استيحاء، وتفاعلا، وتماهيا مع محيط الإنسان الأمازيغي، وما يعج به من حيوانات تعايش معها داخل بيئة حياته؛ كالأفاعي، والطيور، والنبات: “فهي [ أي الزربية ]تحمل أسماء مستنسخة من بيئتها كذكر الأفعى والطير … والنبات ” ص17 ، وما يعتمده تشكيلها من حساب، وتشكيل هندسي: “بالإضافة إلى كونها [ أي الزربية ] عمل فني قديم مبني على الإدراك … كاستعمال عملية العد والحساب وتشكيل الخطوط الهندسية… ” ص 17 ، تأكيدا على ما يستدعيه نسجها من مجهود فكري ومهاري لا يقوم على ما  هو يدوي آلي فقط . انتقالا إلى استعمالاتها المختلف : ” تارة تستعمل للزينة وتغني الواجهات في الحفلات والأعراس … وتارة أخرى تغطى بها نعوش الأموات وترافقهم إلى المقابر … وفي أغلب الأحيان تقدم كأجمل هدية للأحباء والعرائس في حفلات الزفاف … ” ص 11، وما نجم عن ذلك من اتساع دائرة الاهتمام بها ، والإقبال على اقتنائها من جانب  السياح بالخصوص : ” لقد عرفت تجارة الزرابي في العقود الأخيرة تطورا ملحوظا ارتفعت معه القيمة السوقية للزربية ، والفضل الكبير يعود إلى السياح الذين انتشلوها من القعر وأعادوا تقييمها في الكثير من المزادات  التي تثمن  ثقافات المجتمعات القديمة … “ص 13 .

ويمر نسج الزربية وتشكيلها عبر مراحل لخصها الباحث في قوله: ” ابتداء من تهييىئ الصوف حتى اللحظة التي يتم فصل الزربية عن المنسج . ” ص13، وما يعرفه ذلك ، ويحيط به من  طقوس وتقاليد : ” إن صناعة الزرابي عند الأمازيغ تقليد قديم ترافقه طقوس رمزية متوارثة … ” ص 13، وما تتميز بها أشكالها من دقة وجمال : ” وتتكون من أشكال هندسية في منتهى الدقة والجمال . ” ص 14 ، وارتباطا بمراحل هذا التشكل يتطرق البحث إلى الأدوات المعتمدة في ذلك من صوف وما يمر به من محطات: “قبل أن تأخذ الصوف مكانها النهائي في الزربية عبر مراحل متسلسلة بعد عملية الجز تضع النساء أولى اللمسات بتنظيفها وغسلها أكثر من مرة مع إضافة بعض الوصفات التقليدية حتى تتخلص من الروائح ، ثم تنتقل إلى عملية التنعيم ثم الغزل ، وفي ما بعد تنتقل إلى عالم الصباغة باستعمال بعض المواد والأعشاب الطبيعية . وفي النهاية تأخذ الصوف مكانها النهائي في المنسج . ” ص 43. ومصادر الألوان ونوعها : ” حيث كانت النساء تحضر الألوان من مواد طبيعية كالحناء والسواك والزعفران وقشرة الرمان وقشرة  البرتقال ومادة الكحل ثم من بعض الأعشاب الطبيعية . والألوان المفضلة والأكثر استعمالا … هي الأحمر والأسود  والأبيض والأصفر … ” ص45 ، ورموز الزربية التي يبدو أنها أقرب للتعقيد منها للبساطة كما يؤكد ذلك الكاتب : ” وهذا يدل على أن تلك الرموز البسيطة لم تأت من فراغ ، بل تخضع لمجموعة من النظم والأنماط الثقافية من لغة وعادات وطقوس عرفها الإنسان القديم. ” ص 56، وتقاطعها وتماهيها ، أي الرموز مع الوشم : ” ولفهم رموز الزربية لابد من الحديث عن الوشم لأنه يتقاسم معها بعض الرموز ولكونه عريق ومرتبط بالعادات والتقاليد والخرافات والطقوس الدينية … ” ص57، الوشم الذي يعتبر مكونا من مكونات الحضارة الأمازيغية وتراثها الأصيل كما يقر بذلك الباحث : ” لهذا يمكن القول أن الأمازيغ عرفوا الوشم منذ زمن بعيد كباقي الشعوب التي عمرت الأرض . وتناقلته أجسامهم جيلا بعد جيل كطابع أصيل للتعريف بهويتهم . ” ص 59 . كما يُمَوْقِع الدارس الثقافة الأمازيغية في سياقها الأرحب والأوسع الزاخر بوفرة المكونات ، والمنفتح على العديد من الآفاق : ” انطلاقا من هذا التعريف لا يمكن اختصار الثقافة الأمازيغية في موضوع واحد … فهي الإنسان بكل مكوناته ، من لغة وفكر وموسيقى ورقص وحكايات شعبية وفن الزخرفة والصناعات الحرفية وفن الطبخ وكل الطقوس الاجتماعية … ” ص  35، فضلا عن إثارته للجانب الأسطوري الخرافي كقصة بغلة القبور ، وما يرتبط بها من حكايات ذات طابع أسطوري تسهم في نسج خيوطه قوى غيبية : ” ثم يبدأ الكلام عن تجربة امرأة اخترقت العادة أو العرف ، ومارست الجنس خارجا عن نطاق الزواج وعاقبتها قوى غيبية وتحولت إلى بغلة بيضاء تجر سلسلة وترعى العشب في المقابر . ” ص 38.

ولتعميق بحثه في مجال الزربية اجترح الباحث أسئلة استشكالية عن أصلها، ونظرة التقديس إزاء ماهيتها  كما في قوله: “ما السر الكامن وراء أصل الزربية؟ ـ هل تحتوي فعلا على صفة القداسة…؟ أم أنها ظهرت إلى الوجود كمنتوج لهدف الاستهلاك فحسب؟ ” ص21، أسئلة ترسم آفاقا رحبة للبحث والاستشراف في موضوع يفتقر لتعدد المصادر والمراجع وهو إشكال واجه الباحث خلال انخراطه في سرادب البحث ومسلكياته: “لكن هذا التاريخ [ أي الأمازيغي ] يتسم بالغموض بسبب قلة المصادر المكتوبة … مع العلم أن الشعب الأمازيغي بدوره لم يدون تسلسل أحداثه أو يحتفظ بشيء منها بنفس طرق القدامى كما فعل السوماريون والفراعنة والإغريق والرومان … ” ص 22. فأمام شح المراجع التاريخية يتجدد السؤال الإشكالي عن تدوين تاريخ وحضارة الأمازيغ في شتى أنواعها وأشكالها : ” لماذا لم يدون الأمازيغي ماضيه العسكري والسياسي والاجتماعي والثقافي مقارنة بالشعوب الأخرى ، واكتفى بالذاكرة الشفوية رغم أنه يملك لغة مكتوبة ؟ ” ص 22، سؤال يظل معلقا على أفق محفوف باحتمالات عدة : ” لا أحد يعلم تفاصيل الرواية ، ربما بسبب نقص في الكفاءة الفكرية أو ضعف القوى السياسية والعسكرية الأمازيغية آنذاك … وربما  … يعود إلى الهزائم والحروب وما نتج عنها كأعمال الثأر والتخريب . ” ص 22، مما يصعب معه تحديد الأسباب الحقيقية والجوهرية لذلك .

لنخلص في الأخير إلى القيمة التاريخية والحضارية والأنتروبولوجية للدلالات الرمزية التي تزخر بها الزربية والوشم لدى الأمازيغ، وما يجمعهما من تقاطع وتداخل قد يصل إلى مرتبة التماهي في تجسيد مظاهر وتجليات تراث غني بمكوناته الفنية والجمالية وهو ما حاول الباحث يزيد ألعطو تقديمه من خلال ُمؤَلَّفه  الثاني عن الزربية والوشم لدى الأمازيغ ، والإحاطة بجوانبه التاريخية والثقافية والرمزية ، وإثارة ما يعترض المنخرط في صلب هذا البحث، والمتجشم الخوض  في غمار مكنوناته وخباياه من إكراهات وإشكالات ُمكَلِّفة وعويصة .

______________________________________________________________________________________________________

ـ دلالة الرمز في الزربية وفي الوشم عند الأمازيغ ليزيد ألعطو.ــ مطبعة سجلماسة ـ مكناس 2025

Visited 2 times, 2 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد النبي البزاز