النشيد الوطني اللبناني والأمير عبد الكريم الخطابي

 النشيد الوطني اللبناني والأمير عبد الكريم الخطابي

جورج الرّاسي

كلما حل عيد الاستقلال في لبنان يعود إلى الواجهة سؤال حول الأصل الحقيقي للنشيد الوطني.

من المتعارف عليه أن فكرة تبني نشيد وطني طرحت فور قيام الجمهورية اللبنانية وإقرار الدستور اللبناني في  23 أيار- مايو من عام 1926 وانتقال البلد إلى نوع من الحكم الذاتي مع إعلان الجنرال غورو عن ولادة “دولة لبنان الكبير”.

وبعد شهرين على انتخاب شارل دباس  كأول رئيس للجمهورية اللبنانية في نفس شهر أيار – مايو 1926 بادر  هذا الأخير إلى إصدار المرسوم رقم 193 بتاريخ 19 تموز- يوليو الذي ينص على إجراء مسابقة لاختيار كلمات هذا النشيد على أن ينال  الشاعر الفائر مكافاة  نقدية مقدارها مئتي ليرة، وعلى أن يُدفع مبلغ مماثل لمن يضع لحنا لتلك القصيدة في مدة لا تتجاوز ستة أشهر.. وهكذا كان، مع العلم أننا نتحدث عن  ليرات عثمانية أي ليرات ذهبية …

فقد أعلن في شهر تشرين الأول – أكتوبر من العام ذاته 1926 عن فوز الشاعر رشيد نخله بجائزة القصيدة، وأعلن بعد بضعة أشهر وبالتحديد في 12  تموز –  يوليو 1927 عن فوز اللحن الذي وضعه وديع صبرا مدير المدرسة الموسيقية الوطنية في بيروت آنذاك. وصدر بعد ذلك كتيب يحمل توقيع رشيد نخله ووديع صبرا يضم اللحن والكلمات وجرى بيعه بخمسة قروش (حين كان القرش يحكي)..!

إلى هنا تنتهي الرواية الرسمية ..

أما الرواية غير الرسمية فتزعم أن اللحن مستوحى من موسيقى مغربية!  ليس المقصود بالطبع النشيد الوطني المغربي، ذلك أن المغرب لم يحصل على استقلاله إلا في عام  1956، كما تونس (كانت فرنسا تريد التخلص  من عبء هذين البلدين لكي تتفرغ لاستعمارها الاستيطاني الوحشي للجزائر بعد اندلاع ثورة التحرير قبل ذلك بعامين عام 1954، ولكي تقطع الطريق على قيام جبهة ثورية موحدة على امتداد المغرب العربي الكبير)…

المقصود هو نشيد “جمهورية الريف” التي أسسها الأمير الأمازيغي -العروبي البطل عبد الكريم الخطابي،  نسبة إلى قبائل آيت خطاب، وإلى ثاني الخلفاء عمر بن الخطاب، من صحابة الرسول. عبد الكريم الخطابي موحد القبائل ومنظم الدولة…

“جمهورية الريف” في شمال المغرب أسسها الأمير عبد الكريم في شهر أيلول – سبتمبر من عام 1921، حين جمع جيشا مكونا من 75 ألف مقاتل  منذ العام 1920 من أبناء القبائل البربرية وشن أول حرب تحرير من نوعها في القرن العشرين استوحى منها كل ثوار ذلك القرن، من ماو تسي تونغ إلى هوشي منه.. وقد استطاع إلحاق هزائم مدوية بقوات الاستعمارين المتحالفين الأسباني والفرنسي، قبل أن يتكالبا عليه ويضطرانه إلى وقف القتال… (سوف أعود إلى سيرة هذا البطل الفذ في سياق آخر)…

“جمهورية الريف” استمرت من شهر أيلول -سبتمبر 1921  إلى تاريخ 27  أيار – مايو  1926 نهاية الكفاح المسلح شمال المغرب. أما النشيد الوطني اللبناني فقد جرى وضعه بعد ذلك بنحو عام في 1927…  والشبه أكيد بين النشيدين…

هناك احتمالان: إما حصل توارد أفكار وألحان مدهش في فترة زمنية متقاربة بين فنانين مشارقة ومغاربة، و إما أن أحدًا ما أوحى بإمكانية  الاستفادة من نشيد الثوار المغاربة بدل أن يضيع على قاعدة  seconde main   بخاصة وأن البلدين كانا يخضعان للاستعمار الفرنسي ذاته، فربما أوحى أحد أعوان الإدارة الفرنسية بإمكانية الاستفادة من نشيد سيضيع … كسبا للوقت…

على كل حال سواء حصل توارد ألحان… فهذا جميل.. أو تم نقل مباشر.. فهذا رائع.. لأنه يساعد  في تخليد ذكرى ثورة عربية رائدة ويشد روابط الأخوة بين مشرق الوطن ومغربه.. في زمن عزت فيه الروابط…

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

جورج الراسي

صحفي وكاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *