أوجه التعاون بين الفاعل السياسي والمدني لترسيخ الديمقراطية التشاركية (ندوة فكرية)

سعيدة الحيحي
“أي سبل لتعزيز التعاون بين الفاعل السياسي والمدني لترسيخ الديمقراطية التشاركية؟ شكل موضوع اللقاء الفكري الذي نظمه فرع سلا للجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ الجمعة 20 يونيو 2025 بالقاعة الكبرى لجماعة سلا، وذلك بمشاركة عدد من رؤساء وممثلي منظمات وجمعيات تربوية وثقافية فعاليات سياسية وحقوقية.
وخلال هذا اللقاء الذي أطره الكاتب الصحافي جمال المحافظ الفاعل المدني يندرج في اطار مشروع مشاركة مواطنة، بين جمعية لاميج بسلا والوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والهادف إلى تعزيز آليات الديمقراطية التشاركية والتشاور العمومي لدى الجمعيات بالجهة، ألقيت مداخلات من طرف كل من عمر الزايدي وعبد الرزاق الحنوشي الفاعل الحقوقي والجمعوي، قاربوا فيها الموضوع المطروح من زوايا سياسية ومدنية وقانونية وحقوقية.
وفي مستهل اللقاء ذكر جمال المحافظ، بأن التحولات الديمقراطية بالرغم من تعثرها أحيانا، شكلت فرصة ثمينة للنخب السياسية والفكرية للاكتشاف أو إعادة إحياء المجتمع المدني، حيث تم ذلك من خلال الاطلاع على ملامحه الجديدة وغير المسبوقة والتعرف على فاعلين جدد وفدوا إليه من مسالك ومسارات مختلفة، أدّوا وظائف وأدوار غير مألوفة (منظمات، جمعيات، تنسيقيات، حركات..)، علاوة على أن هذه التحولات أبانت عن إنهاء حالة الاحتكار للحقل السياسي؛ الأمر الذي مكّن المجتمع المدني من لعب أدوار سياسية مهمة.
وفي هذا الصدد طرح جمال المحافظ جملة من الأسئلة منها الي أي مدى كانت مساهمة المجتمع المدني بجانب الفاعل السياسي لدعم العملية الانتقال الديمقراطي بالمغرب ، وكمحركين أساسيين للديمقراطية التشاركية؟ وكيف يُمكن إذن لمنظمات المجتمع المدني المستقلة، والتطوعية، والتعددية أن تساهم في بناء الديمقراطية والحفاظ عليها عبر استثمار آليات الديمقراطية التشاركية بتناغم مع الفاعل السياسي؟
كما تساءل الى أي حد استطاع الفاعل المدني والسياسي ، إرساء علاقة تكاملية بين الديمقراطية التمثيلية المبنية على الانتخابات، والديمقراطية التشاركية المستندة على المبادرة المواطِنة؟ خاصة وأنّ دستور المملكة نص بشكل صريح على انخراط المغرب في الديمقراطية التشاركية، وهل كان وراء تشجيع الدولة لظهور المجتمع المدني على الساحة كفاعل هو نتاج إرادة سياسية خالصة تدفعها الرغبة في تحول ديمقراطي حقيقي عبر بوابة الديمقراطية التشاركية وفق دستور 2011؟
وفي مداخلة اختار لها عنوان “حيوية التعاون بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني كرافعة للدولة الحديثة”، استحضر الفاعل الحقوقي والمدني عمر الزايدي أحد مؤسسي اليسار الجديد الاطار التاريخي للعلاقة بين الحقلين من خلال توقفه على ما اعتبره ثلاث محطات أثرت منذ الاستقلال على نوعية العلاقات القائمة ما بين الفاعل السياسي والفاعل المدني، موضحا بأن المجتمع المدني الذي يؤسس للدولة الحديثة، لن يكون إلا في دولة تسود فيها الديمقراطية، وأن التميز ما بين المجتمعين السياسي والمدني، مسألة ضرورية، مع ضمان استقلالية الجمعيات .
وقال الزايدي أحد قدماء الجمعية المغربية لتربية الشبيبة، إن الحديث عن الدولة الاجتماعية، وإن كان من الناحية النظرية مسألة إيجابية في المرحلة الراهنة، بيد أن ذلك لا يكتسب مشروعيته إلا في ظل إشراك المجتمع المدني في صياغة المشاريع والمساهمة في الإنجاز والمراقبة، معتبرا أن ما أسماه ب” المجتمع التعاضدي، هو في الأصل المجتمع المدني”.
أما عبد الرزاق الحنوشي: صاحب مؤلف” البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات “، فقدم ما عتبرها “عناصر للتأمل والاستشراف” ملاحظا أن تاريخ انعقاد هذا اللقاء يتزامن مع ذكرى 20 يونيو 1981 التي عرفت أحداثا أليمة، بعد خلال الاضراب العام المعلن من الكنفدرالية الديمقراطية للشغل احتجاجا على رفع أسعار المواد الأساسية معتبرا أن هذا التاريخ يكتسى دلالات رمزية ، وأن كل الإصلاحات التي عرفها المغرب ترتبط بأسباب وسياقات معينة.
وأوضح أن المقاربة التشاركيةالتي جاءت في أعقاب حركة 20 فبراير الشبابية، تعد صيغة مغربية خالصة في التعامل ما سمي بـ” الربيع العربي”، وما عرفته الديمقراطية التمثيلية من أعطاب، وهو ما توج بإقرار دستور 2011 الذي نص على الديمقراطية التشاركية التي جاءت بـ” عملية قيصرية” متسائلا هل هناك نموذج مغربي في هذا المجال؟ ليجيب بأن ذلك يرتبط بالمنحى ” التجريبي، أو سياسة التدرج خطوة خطوة”.
وأعرب الحنوشي عن اعتقاده، بأنه في ظل محدودية الإطار التشريعي، وضعف في آليات المشاركة رغم تزايد الطلب عليها، فإنه يتم التجريب، كما أن اتساع دائرة الاحتجاجات، وحتى مقاطعة الانتخابات من المؤشرات على طلب المشاركة، لكن ليس من خلال العرض السياسي المقدم مشيرا من جهة أخرى الى سيادة التوجس من توسيع استقلالية المجتمع المدني الذي لايحظى بثقة المؤسسات المنتخبة، خوفا من المنافسة، إذ غالبا يتم رفض العرائض شكلا، مما يؤدى الى تنازع مابين الشرعيات وذلك في غياب الاطار التشريعي لآليات الاستشارات العمومية.
ولاحظ الحنوشي بأنه في الوقت الذي هناك تنصيصا على الحق في تأسيس الجمعيات، والتضييق عليها من جهة ثانية، وهو ما يفسر وجود ارتباك وعدم الحسم في الخيار السياسي وحجم وطبيعة الحق في المشاركة مشيرا إلى أن امتحان الميزانية يعد من بين الممارسات في ظل ضيق ” ذات اليد” وثقل الوصاية. متسائلا في هذا الصدد متى وكيف تنتعش الديمقراطية التشاركية؟ وهل هناك هوامش للتأثير في إعداد وتنفيذ وتقييم الميزانية، الذي يعد امتحانها حجر الزاوية في الديمقراطية التشاركية، وهو ما يقتضى ضمان التوازن ما بين سلطتي المركز والمحيط مع وجود مجتمع مدني حي وفاعل ومستقل.
أما المحامي محمد شماعو الحقوقي والفاعل المدني، فاستحضر في مداخلته الجوانب القانونية والدستورية والحقوقية المرتبطة بالمجتمع المدني الذي يعتبره محترف السياسة” وعاء انتخابيا “ملاحظا أنه الرغم من تنصيص دستور 2011 على الديمقراطية التشاركية، فإن الممارسة تحولها الى مجرد استشارات، منتقدا تعامل بعض أعضاء الحكومة مع المجتمع خاصة وزير العدل والداخلية في مناسبات متعددة، عن توجها ضد المجتمع المدني الذي يعد آلية رقابية على تدبير الشأن العام، علاوة على أن الفاعل السياسي، لم يعد حاليا كما كان في السابق يدافع عن المجتمع المدنى.
وعبر شماعو المتخصص في الوساطة كذلك عن استغرابه الشديد لعدم وجود قانون خاص بالتطوع، وبرامج واضحة لدعم برامج المجتمع المدني، وعدم المساواة في التعامل مع منظمات وهيئات المجتمع المدني إذ في الوقت الذي ترصد فيه ميزانيات ضخمة، لفائدة جمعيات وهيئات حديثة التأسيس، من أجل تنظيم تكلف أموالا طائلة في الوقت الذي تحرم فيه جمعيات من الدعم العمومي، وتمنع من الاستفادة من الدعم الخارجي، داعيا إلى إحداث جبهة حقيقية، تتولى الدفاع والترافع على حقوق جمعيات وهيئات المجتمع المدني.
وفي اطار تفاعلهم مع العروض الثلاث، أكد متدخلون على أن جمعيات ومنظمات المجتمع المدني، كانت على الدوام بمثابة البنية التحتية التي تغدي أي انتقال ديمقراطي وتدعم مساره وفاعليه، للارتباطها المباشر بالشرائح المجتمعية، مؤكدين أن المجتمع المدني الذي طالما كان فاعلا وحرا، ومستقلا عن كل الفاعلين المؤسساتيين والعمومي، يعد ضرورة وظيفية للدولة في مسار تأسيس وتوطيد الديمقراطية، لكونه صمام أمان للأزمات في مراحل التحول.
وشددوا على ضرورة الارتقاء بمستوى الفعل المدني والتطوعي، والوعي بوظيفته ومستوى مساهمته في تحقيق الانتقال الديمقراطي، خصوصاً بعد المقتضيات التي جاء بها دستور 2011 والمبادئ التي نص عليها في مجال الديمقراطية التشاركيةً، وما تلى ذلك من زخم تشريعي مؤطر لهذه المقتضيات الدستورية الجديدة. وبعدما توقفوا عند بعض القضايا التي يعاني منها المجتمع المدني.