أولمبيك آسفي.. موسم استثنائي وفرحة عارمة

أولمبيك آسفي.. موسم استثنائي وفرحة عارمة

عبد الله النملي

           في أمسية كروية ستظل خالدة في ذاكرة كل آسَفِيّ وعاشق للرياضة، تحقق الحلم الذي طالما راود مدينة آسفي لسنوات، في موسم استثنائي دون فيه فريق “أولمبيك آسفي” اسمه أخيرا في سجل الأندية المتوجة بالكأس الفضية للمرة الثانية، بعد أن حسم الفريق العريق مباراة نهائي كأس العرش (2023-2024)، ضد نهضة بركان، على أرضية الملعب الكبير بفاس، بعد الاحتكام لضربات الترجيح الحاسمة (6-5)، عقب انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل الإيجابي 1-1، حارما إياه من تحقيق الثلاثية، عقب فوز الأخير بالبطولة الوطنية وكأس الكاف، في مباراة جرت أمام جماهير تعدت 20 ألف متفرج، أغلبهم من مشجعي “أولمبيك آسفي”، مليئة بالإثارة والمشاعر المتناقضة، اجتمع فيها الحلم بالتحدي. والتقى فيها جمهور “أولمبيك آسفي” «الشارك» الفصيل المساند للقرش الآسفي و«أرونج بويز» الفصيل المساند للنهضة البركانية، أبرزوا فيها مهارات متميزة في التشجيع، وقدموا أروع صورة عن نهائي الأحلام في أغلى مسابقة لها رمزيتها وقيمتها في الكرة الوطنية.

كان الفريق الآسفي يبحث عن لقبه الثاني، ومن جهة أخرى، سعى فرسان الشرق نحو لقب رابع وثلاثية تاريخية. وأوفى النهائي بكل وعوده، في مباراة اتسمت بالندية وفصول مثيرة، استطاع فريق “أولمبيك آسفي” أن يفرض بصمته الواضحة على مجريات النهائي من خلال حسن التعامل مع ظروف المباراة بقيادة المدرب الشاب أمين الكريمة.

وكان حارس وعميد “الأولمبيك” خالد كبيري علوي، بطل تلك المباراة، بعد أن تصدى بنجاح لركلة جزاء عبد الحق عسال التي نفدها على طريقة “بانينكا”، ما مهد الطريق لتتويج مستحق للفريق الآسفي. وبهذه النتيجة ضمن فريق “أولمبيك آسفي” لكرة القدم جائزة مالية قدرها 250 مليون سنتيم.

وبذلك نجح أمين الكرمة مدرب “أولمبيك آسفي”، في التتويج مع فريقه بلقب كأس العرش. وتحقق له الثأر من نهضة بركان، بعد الكيفية التي غادر بها تدريب ذات الفريق قبل عام ونصف، حيث تمت إقالته وهو متصدر لترتيب الدوري، مع صدارة مجموعته بكأس الكونفيدرالية ليترك مكانه للتونسي معين الشعباني. ويصبح خامس مدرب في تاريخ كأس العرش يتوج باللقب مع ناديين مختلفين.

انتصار تاريخي لم يكن محض صدفة، بل نتيجة عمل وتخطيط ودعم امتد منذ سنوات، حيث كان الحضور السياسي والرياضي والإنساني واضحًا. فقد تابع اللقاء من المدرجات عدد من الشخصيات البارزة، الذين لم يدخروا جهدًا في توفير كل الظروف الممكنة لتحقيق هذا الإنجاز. خاصة أن الجمهور الآسفي يتذكر كيف فرط فريقه في اللقب عام 2016، في المباراة التي جمعته بالمغرب الفاسي، وانتهت لصالح الأخير بهدفين لهدف، عندما وصلت المباراة للشوطين الإضافيين.

النتيجة جاءت كترجمة حقيقية للروح القتالية والانضباط التكتيكي الذي أبان عنه الفريق طيلة دقائق اللقاء. مما أدخل الفرح في قلوب جماهير المدينة، الذين سافروا بأعداد كبيرة رغم بُعد المسافة ومشقة الطريق، ليؤكدوا من جديد أن الفريق لا يلعب وحده، بل وراءه جماهير بأكملها تؤمن به وتسانده.

هناك مقولة تذكر أن “وراء كل بطل جمهوراً عظيماً”، وملح كرة القدم هو الجمهور، ومن دونه لن تجد للكرة لا طعم ولا لون ولا قيمة، ولهذا السبب أرى أن جمهور “أولمبيك آسفي” كان الرقم 1 في مباراة النهائي، حيث استحق جائزة أفضل “لاعب”، لأنه أعطى للاعبين قوة غير محسوسة ولا مرئية، وكان صانع الأجواء الحماسية، بهتافاته وتشجيعاته وأهازيجه التي دفعت اللاعبين إلى تقديم أفضل ما لديهم، ومارس ضغطا نفسيًا كبير على فريق الخصم. مما زاد من ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على تحقيق الفوز.

ولم تتوقف أفراح “القرش الآسفي” عند الفوز بلقب كأس العرش، بل تضاعفت بعد ضمانه أول مشاركة قارية في تاريخه، حيث سيخوض منافسات كأس الكونفدرالية الإفريقية الموسم المقبل، مستفيداً من وصوله إلى النهائي ونتيجة نصف النهائي الثاني التي أبعدت المغرب التطواني عن السباق.

بآسفي تبدو الكرة المستديرة مملوءة بأكثر من الهواء، حيث انفجرت الاحتفالات في كل شوارع وأحياء آسفي حتى وقت متأخر من الليل. خرج المواطنون واستقبلوا الفريق في مواكب وحشود غفيرة، يعبرون فيها عن فرحتهم التي مزجت بين الفخر والإنجاز الكبير. كانت الأجواء مشحونة بالعواطف، ذلك أن هذا الانتصار لم يكن مجرد فوز رياضي، بل كان رمزًا للأمل والإصرار. هذا الانتصار لا يخص فقط اللاعبين أو الطاقم التقني والطبي أو المكتب المسير، بل هو انتصار لمشروع جماعي لمدينة اختارت أن تحلم وأن تعمل حتى يتحقق الحلم.

“أولمبيك آسفي” فرع كرة القدم.. لمحة تاريخية

يعتبر “أولمبيك آسفي” أحد أقدم الأندية المغربية في الدوري المغربي لكرة القدم، حيث تأسس تحت اسم الاتحاد الرياضي لآسفي (USS)، وحصل على ترخيص الممارسة يوم 2 مارس 1918 كجمعية رياضية قانونية. ولم يدخل فعليا إلى الممارسة إلا سنة 1923 في إطار العصبة المغربية لكرة القدم المحدثة بتاريخ 26 نونبر 1922. وخلال بداية العشرينات من القرن الماضي قرر مجموعة من الفرنسيين والأوربيين القاطنين بمدينة آسفي إنشاء نادي متعدد الرياضات. كان الفريق في الأول يحمل اسم (الاتحاد الرياضي لآسفي) اليوساس U.S.S، أي Union Sportive de Safi والذي تأسس من طرف سلطات الاحتلال الفرنسي بالمدينة. ولم يكن يلعب ضمن صفوف هذا الفريق إلا مغربي واحد، وهو عبد السلام الصديكي. وبداية من سنة 1930 اندمج ضمن صفوف «اليوساس» عدد من المغاربة الذين أصبحوا يشكلون العمود الفقري للفريق.

 ومع حلول سنة 1935، تمكن من الصعود إلى القسم الأول، وحافظ على مكانته به إلى حدود 1937. وكان رئيس الفريق آنذاك فرنسي يسمى “جوزيف أيار”، كان يعمل ممرضا رئيسيا بالمستشفى. وفي سنة 1945 تمكن فريق “اليوساس” من الصعود ثانية إلى قسم الكبار، ولم يحافظ على مكانته ضمن فرق الصفوة إلا لسنوات قليلة، ليغادره إلى القسم الثاني أواخر سنة 1952.

وسنة 1949 سيصعد الفريق للقسم الأول، وخلال هذا الموسم لعب الفريق ربع نهائي كآس شمال إفريقيا. وخلال موسم 50-51، خاض الفريق سدس عشر نهائي كأس شمال إفريقيا أمام اتحاد بلعباس الجزائري باعتباره فائزا بكأس المغرب موسم 49-50 على حساب الاتحاد القاسمي (2-1). وفي سنة 1955، احتل النادي المرتبة الأولى ضمن القسم الثاني، وكان مقررا أن يصعد إلى القسم الأول، إلا أن السياسة التي عرفها المغرب آنذاك، أرغمت عصبة المغرب لكرة القدم على تطبيق بطولة جهوية مصغرة، الشيء الذي حرم الفريق من الصعود.

وتم تجاهل النادي بعد الاستقلال، شأنه شأن جميع الأندية التي أنشأها المعمرون الأوربيون، مما أدى إلى اندثار معظمها. وبذلك انتهى كذلك اسم «اليوساس» الذي اندمج مع فريق آخر وبقي يحمل اسم “الاتحاد الرياضي لآسفي” إلى حدود موسم 1977 – 1978، حيث غُيّر وأصبح يحمل اسم «وداد آسفي» برئاسة عبد المالك العلوي. بعد ذلك تمكن فريق “نادي دفاع آسفي” من الصعود إلى القسم الثاني، وأصبح ندا عتيدا ل “وداد آسفي”، بل واقتسم معه الجمهور والإعانات والمنح على اختلافها. وضاقت السلطات ذرعا بالفريقين نظرا لطلباتهما المتكررة، فما كان منها وقتها إلا إدماجهما وأصبح يحمل اسم “نادي أولمبيك آسفي” خلال موسم 1986–1987.

ملعب الفريق

ملعب الفريق هو ملعب المسيرة الذي بني في الأربعينيات من القرن الماضي، خضع في الآونة الأخيرة لبعض الإصلاحات، تم تسميته بهذا الاسم تخليدا لذكرى المسيرة الخضراء. يتسع الملعب   الذي شيّده المعمرون الفرنسيون لحوالي 15 ألف متفرج. وكانوا يستعملونه كذلك لممارسة رياضة الريكبي (الكرة المستطيلة). الملعب يعد صغيرا بالنسبة لفريق من حجم “أولمبيك آسفي” الذي يملك قاعدة جماهيرية عريضة في المدينة. ويشار إلى أن فريق “أولمبيك آسفي قام بتهيئة ملاعب جديدة مخصصة لتداريب الفريق الأول وكذا الفئات الصغرى، لتخفيف الضغط على الملعب الرئيسي.

بعد تغلبه على المشاكل العديدة، المادية منها على وجه الخصوص وذلك بدخوله تحت وصاية المكتب الشريف للفوسفاط. جاء الدور على الصعود، ففي الموسم الكروي 2003- 2004 تمكن “أولمبيك آسفي” من معانقة قسم الأضواء بعد غياب دام 57 سنة بالتمام والكمال. ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل تمكن النادي في أول موسم له بقسم الأضواء من خلق المفاجأة واحتلال المركز الرابع مما خوّل له المشاركة في دوري أبطال العرب في أول مشاركة خارجية من نوعها للفريق.

تحية فخر واعتزاز لكل عناصر وطاقم الفريق، ولكل من آمن بأن الرياضة رافعة للتنمية وروح الجماعة. وإلى الأمام دائمًا، فالقادم أجمل إن شاء الله.

شارك هذا الموضوع

عبد الله النملي

كاتب وباحث (المغرب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!