إساءة بعض المغالطات الإعلامية لمدينة ابن أحمد

إساءة بعض المغالطات الإعلامية لمدينة ابن أحمد
Criminalité dans la ville d'Ibn Ahmed

أحمد لعيوني

          في الآونة الأخيرة، عرفت مدينة ابن أحمد حدثا إجراميا معزولا، لكن سرعان ما تحوّل إلى موضوع تداول واسع على منصات التواصل الاجتماعي، متجاوزة حدود نقل الخبر اليقين بموضوعية وأمانة صادقة. ومما يثير الانتباه، ليس فقط وقوع هذه الواقعة المؤسفة، بل الطريقة التي استُغلت بها لتصوير المدينة وكأنها تعيش حالة من الانفلات الأمني، وهو أمر بعيد عن الحقيقة ولا يعكس الواقع اليومي الذي يعيشه أغلب سكانها. بل المدينة هادئة، وتنعم في أمن وطمأنينة.

ويجدر بنا أن نقدم للقارئ والمتتبع بعض التفاصيل حول المدينة. لقد عرفت منذ نشأتها كحاضرة امزاب، بداية مع دخول الاحتلال الفرنسي سنة 1908، التوافد البشري المكثف من جهات مختلفة من المغرب، وحتى من خارجه، والاستقبال الذي حظي به كل الوافدين، والتعايش الذي حصل بينهم وبين السكان الأصليين. بالإضافة إلى الجالية الأوربية، كان هناك القادمون من فاس، ومن الشمال، ومن الدار البيضاء (عائلة بنجلون ومن بينهم الحاج محمد بنجلون مؤسس فريق الوداد البيضاوي)، والعديد من السوسيين (بن يدير، أمهال، ناصور) ومن مراكش، من دكالة أمثال عائلة عواد، والزموري جد الجنرال عبد الفتاح الوراق، وبعض العائلات من الجزائر وتونس. أما الطائفة اليهودية (يعقوب بينيستي، أوحيون، والد الدكتور أوحيون) فلها جذور قديمة بمنطقة امزاب وبها يوجد ضريح الحاخام رابي يحيا لخضر بالحجرات، الذي يزورونه كل سنة ويأتون إليه من جميع بقع العالم ومنهم بعض المشاهير أمثال: كوهين بينحاس، ومارسيل بوطبول، وألبير سويسا، والإخوان صامويل وديفيد ويزمان من لوس أنجلس. وكان لأعضاء الطائفة دور كبير في بناء المستشفى الرئوي للرجال وآخر للنساء (مقالي بعنوان: شذرات من الوجود اليهودي بامزاب الشاوية).

 وكل هؤلاء الوافدين أضافوا إلى المدينة الشيء الكثير من حيث تنميتها اقتصاديا وثقافيا. وقد لقى هؤلاء الوافدين ترحيبا رائعا من السكان، رغم اختلاف العرقيات والمناطق والثقافات. وكان احتكاكا مثمرا ومفيدا بينهم.

أما عن الفاجعة التي عرفتها المدينة مؤخرا، فهي حالة طارئة، حالة استثنائية، ومنبوذة، تتعلق بشخص منفرد، حسب تصريحات أهله وأطبائه. فالشخص كان يعالج، وهذه مسألة طبية تعود لحالته المرضية، وهي لا تمثل مجتمع امزاب. ونحن ننتظر ما سيؤول إليه البحث سواء من الجانب القضائي، أومن حيث اختصاص الطب العقلي والنفسي. ولا يسعنا إلا أن نتأسف للحادث ونترحم على الضحايا.

أما وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من دورها الإيجابي في كشف الحقائق ونشر الوعي، فإنها أصبحت في بعض الأحيان أداة لتضخيم الأحداث وتعميم الأحكام، في غياب التحقق من المصادر أو إدراك لتأثير المعلومة على صورة المدينة وسكانها. وبدل أن تُستثمر هذه المنصات في نشر الحقائق ومساندة الجهود الأمنية والمجتمعية، فإنها تُستغل أحيانًا لبث الذعر وتأجيج الرأي العام، في سياق تغيب فيه الدقة والموضوعية.

نحن لا ننكر حق المواطنين في التعبير عن آرائهم ومخاوفهم، بل نعتبره من ركائز المجتمعات الحرة. غير أن هذا الحق يجب أن يُمارس في إطار من المسؤولية، واحترام الحقيقة، وتجنب التعميم الجائر. فحرية الرأي لا تعني حرية التزييف أو التجني، ولا يُعقل أن تُدان مدينة بأكملها على أساس حدث فردي ومعزول.

من هذا المنطلق، ندعو إلى توخي الحذر في التعامل مع المعلومة، وعدم الانجرار وراء العناوين المثيرة أو التدوينات غير الموثوقة. كما نحث ساكنة المدينة والمجتمع المدني على تكثيف الجهود لتعزيز الأمن المجتمعي، والدفاع عن صورة المدينة بما يليق بتاريخها وسكانها، وتفادي بعض التوترات التي تضخمها منصات التواصل الاجتماعي أحيانًا. هذا التضخيم عادة ما يؤدي إلى تشويه صورة المدينة، حيث يتم تداول أخبار مبالغ فيها أو غير دقيقة، مما يخلق رأيًا عامًا مبنيًا على المغالطات.

من المهم احترام حرية الرأي والتعبير التي خطى فيها المغرب مسارا لا بأس به، لكن من الضروري أيضًا أن يكون هذا الرأي مستندًا إلى وقائع حقيقية، لا إلى شائعات أو مبالغات. فعوض أن تُستغل حوادث معزولة لتعميم صورة سلبية، ينبغي أن يكون النقاش حولها مسؤولًا، يهدف إلى المعالجة لا التشويه.

Visited 6 times, 6 visit(s) today
شارك هذا الموضوع

أحمد لعيوني

باحث في تاريخ امزاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!