“الإخوان المسلمون” بفرنسا في عين الإعصار

باريس – المعطي قبال
التقرير الذي يحمل عنوان (إلغام “الإخوان المسلمين” لأركان الجمهورية الفرنسية)، أصبح منذ تسريبه، أحد مشاغل الساعة للسياسة الفرنسية. في الأصل، يقف وزير الداخلية الأسبق جيرالد دارمانان الذي يشغل اليوم منصب وزير العدل، وراء طلب إعداده.. بحسب هذا التقرير هناك «تغلغل» للأيديولوجية الإخوانية في العديد من المؤسسات والبنيات الفرنسية: الجمعيات، المدارس، المرافق الاقتصادية الخ…
ويعود الاعتكاف على إنجازه إلى ربيع 2024. تبنى برينو روتايوه، خلف دارمانان في وزارة الداخلية، والرئيس الجديد لحزب الجمهوريين، هذا التقرير ليعزز به أيديولوجيته التي تتماس مع اليمين المتطرف. وقبل أن يعقد مجلس الدفاع والأمن الوطني برئاسة ماكرون، تم تسريب بعض المقتطفات من التقرير أولا على صفحات جريدة “لوفيغارو” قبل أن تروج له على نطاق واسع شبكات التواصل الاجتماعي مستلهمة ما ورد في محتواه من كون «فرنسا تتآكلها من الداخل الأيديولوجيا الإخوانية». وكأن ماكرون فطن إلى حيلة وزيره في الداخلية، طلب منه أن يعيد صياغة التقرير مع إرفاقه بتعديلات. حسب التقرير يلجا الإخوان المسلمون إلى «التستر، إلى شعور الضحية، والبحث عن الشرعية» لتطوير أيديولوجيتهم.
الهدف في الأخير هو «أسلمة المجتمع الفرنسي» مع الانتقاص من مكانة المراة وعدم القدرة على تصور الاختلاف وما تعنيه معاداة السامية. وتنشط الحركة على المدى البعيد بتنظيمها لأنشطة تربوية، اجتماعية وثقافية.
لا يستثني التقرير الإشارة إلى دور المؤثرين الذين يمررون خطابا يعادي القيم المشتركة. يعتبر العديد من المتخصصين والخبراء في الشأن الإسلامي أن ما ورد في هذا التقرير لا يعدو كونه إسقاطات وتخمينات في شأن حركة اصبحت ظلا لنفسها ولم يعد لها أي تأثير يذكر كما كان الشأن في السابق. المطلوب اليوم للتصدي إلى ما أطلق عليه بـ «الإلغام». والمفهوم المستعمل بالفرنسية l’entrisme مستوحى من اللينينية والتروتسكية مع استراتيجية سياسية ثورية تقوم على إدخال أو إدراج أعضاء من منظمة ثورية داخل منظمة أخرى معادية أو داخل جهاز الدولة البورجوازية لإلغامها من الداخل, آفة هذا التقرير هو أنه يحشر المسلمين، وهم بعدد 7,5 مليون مسلم، في نفس السلة من دون أن يميز تنوعهم واختلافهم.
إن دققنا النظر نجد مثلا أن 20% منهم فقط يترددون على المساجد وبأن الإسلام ديانة فرنسية وأن العلمانية تضمن ممارسة جميع الديانات وتعايشها.
الإيجابي في هذا التقرير هو أنه يرسم بعض خطط التفكير الهامة مثل ضرورة ابتكار خطاب إسلامي جديد عن الجمهورية لا ينحصر فقط في العلمانية، تطوير تدريس اللغة العربية وإعادة صياغة بنيات الإسلام الفرنسي. يبقى السؤال ألان هو هل سيوقع ماكرون بالموافقة على هذا التقرير في شهر يونيو القادم أم سيتخلى عنه ليطالب مجموعة من الأخصائيين بإعداد تقرير جديد يأخذ بعين الاعتبار الواقع المركب لوضعية مسلمي فرنسا؟ على أي سيكون شهر يونيو ساخنا بحيث ينضاف إلى الموافقة أو عدم الموافقة على هذا التقرير، خطوة اعتراف ماكرون بدولة فلسطين. هل سيقوم بهذه الخطوة ويتصالح مع المسلمين والفلسطينيين أم سيتراجع ويخلف وعده ويعمق القطيعة معهم؟ على أي فإن فرنسا مقبلة على صيف ساخن من بل حارق من الصعب التكهن بضحاياه.