البناء المغاربي يحتاج أولا إلى ثقافة مدنية وليس عسكرية

اليزيد البركة
قرأت مقالا اليوم الأربعاء لنزار بولحية كاتب وصحافي من تونس في صحيفة القدس العربي عنوانه: “الصحراء أولا أو المغرب الكبير؟”*، حاول فيه الصحافي أن يقابل بين موضوعين من الناحية التاريخية ويتساءل عن الأسباب التي جعلت المغاربيين يدورون بين الهدفين في حلقة مفرغة. والحقيقة أنه بالرغم من كون أسئلة الصحافي وأجوبته على التساؤلات التي طرحها تحمل بعض الوجاهة، إلا أن وضع الموضوعين في كفة واحدة، وبالتالي المقابلة بينهما كأنها من جنس واحد، هو الذي سبب نوعا من الخلط والتشويش على السؤال الذي بقي تقريبا بدون جواب، والذي جعل الصحافي نفسه يتساهل مع نفسه في الأخير عندما لم يجد خيطا يشفي الغليل قائلا: “حقا ما أغرب المغاربيين!”.
التدخل الجزائري في قضية الصحراء الغربية للمغرب هو تدخل خارجي، وليس كمثل كل التدخلات السياسية الخارجية المناوئة للمغرب، حيث تبقى في حدود مقبولة إلى حد ما، بل أضافت له الجزائر الاحتضان العسكري والمالي والجغرافي والدعم اللوجيستيكي والاستخباراتي الأمني، وكذا الدبلوماسي الواسع وطنيا وإقليميا ودوليا، وعلى مستوى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، معنى هذا أن الجزائر في حرب مع المغرب دون أن تعلن ذلك .
تقول الجزائر إنها غير معنية بالصحراء الغربية، أي لا تعتبر أن لها فيها حق، على عكس الصحراء الشرقية للمغرب التي ضمها الاستعمار الفرنسي للجزائر، هذه الأخيرة، للجزائر فيها مصالح كبيرة، ولو كان النزاع عليها ولو أنها تاريخيا للمغرب لفهمنا موقف الجزائر إلى حد ما، لكن أن تحارب الجزائر المغرب في الصحراء الغربية فهذا تدخل خارجي مفضوح في شؤون المغرب الداخلية .
في حين أن بناء المغرب الكبير فيه أهداف مصلحية لكل بلد من البلدان المغاربية الخمسة، وكل شعوب المنطقة تساند وتتوق إلى تحقيق هدف بنائه، لكن ليس بالشكل الذي يطرحه النظام الجزائري ويسميه “مغرب الشعوب”، ويقصد بناء مغاربي بـ”شعوب” على رأسها نظام عسكري حاكم في الجزائر، أي كيان مبني على أنقاض فوضى مغاربية أشعلها العسكر في المنطقة، وهذا خيال ما يزال مستمرا من بقايا الأحلام السياسية للقذافية وأمثالها من ثقافات الانقلابات، من هنا فإن الكف ورفع اليد عن بناء المغرب الكبير فيه إخلال بالمسؤولية اتجاه الشعوب ، بينما الكف ورفع اليد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء المغاربيين فيه مصلحة للشعوب، ويدل على حسن النوايا وعلى حسن الجوار، وأكثر من هذا البناء المغاربي لا يحتاج إلى استثمار مالي ليبدأ، بينما ما ليس للنظام ولا مصلحة الشعب الجزائري فيه رصدت له أموال لا تحصى ولا تعد. والسؤال الذي يجب أن يطرح في هذه المقابلة بين طرفين مختلفين هو التالي
هل التدخل الخارجي الجزائري في الشؤون الداخلية لدول الجوار فيه مصلحة ما للنظام الجزائري ويحقق هدفا ما له؟
وهل رفع يده عن بناء المغرب الكبير بدون المغرب فيه أيضا مصلحة للنظام الجزائري ويحقق هدفا ما له؟
الإجابة عن هذا السؤال هي التي ستبين لماذا تتوتر العلاقات بين المغرب والجزائر منذ عقود طويلة.
____________________________________________________________________________
* “الصحراء أولا أم المغرب الكبير؟”، (نزار بولحية)، صحيفة “القدس العربي”، 30-04-2025