السياسي والدبلوماسي محمد سعد العلمي يعود إلى ضفة الأدب

نورالدين الزويني
عن “دار الأمان” بالرباط صدرت مجموعة قصصية بعنوان “الحلم في بطن الحوت” لمحمد سعد العلمي القيادي الاستقلالي البارز، والوزير والدبلوماسي سابقا، تضمنت مجموعة من النصوص تتنوع بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا والومضات.
المجموعة القصصية “الحلم في بطن الحوت” تعد أول إصدار لمحمد سعد العلمي بعد انتهاء المهام الرسمية السياسية والدبلوماسية التي أنيطت به، ليستأنف مساره في الكتابة الذي بدأه في أواخر الستينيات من القرن الماضي ككاتب مبدع وإعلامي بجريدة “العلم” ورئيس تحرير لمجلة ” الهدف”، وجمعت نصوصا سطرها الكاتب خلال الفترة بين 1969 و2021 لكن أغلبها يعود إلى فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
وعن الهموم والأسئلة التي تتثيرها نصوص هذه المجموة القصصية، يقول الأستاذ نجيب العوفي،الكاتب والناقد المغربي في معرض تقديم كتبه للمجموعة ، إنها “هموم وأسئلة المرحلة الساخنة – الملغومة التي عاشها وعاينها الكاتب في شرخ اليفاع والوهج ، مرحلة السبعينيات والثمانينيات فصعدا مع الأيام . حيث تراخى المد الحلمي وخبا وهج المرحلة، وغدت الأيام غير الأيام وغار (الحلم في بطن الحوت)” كأنه يسترجع ويستعيد عبر تراجيعه القصصية شحنة من وهجه القديم . من هنا كان (الحلم) بوصلة دلالية وحكائية لهذه التراجيع” .
و(الحلم في بطن الحوت) الذي وضعه الكاتب عنوانا لهذه المجموعة القصصية هو أيضا عنوان نص قصصي ضمن المجموعة على قدر كبير من الجمالية يحكي فيه السارد كيف أن حنينا اكتنفه لمعانقة البحر وكيف خطرت بذهنه فكرة أن يكتب حلما لكنه لم يجد لا قلما ولا ورقا في كل جيوبه المثقوبة .
“تقدمت من البحر – يقول السارد – ومددت يدي (…..) على سطح البحر بدأت أكتب الحلم ..كتبت السطر الأول..فتحركت موجة وبعثرت ما كتبته ..أعطيت الأمواج ظهري وأعدت الكتابة.. السطر الأول..الثاني..سمكة صغيرة تتسرب من بين رجلي لتقضم كلمتين من السطر الأول وكلمة من السطر الثاني ..قرأت، وجدت الكلام المكتوب قد تغير تماما حيث فقدت الكلمات معانيها وانقلبت عكسها .. سارعت إلى إعادة الكتابة من جديد.. السطر الأول.. الثالث .. الرابع.. كتبت ربع الحلم، وفجأة.. سمعت هديرا مرعبا.. لم يكن رعدا..نظرت إلى البحر، فرأيت حوتا ضخما يقبل من بعيد فاغرا فاه.. كان علي أن أكمل كتابة الحلم ..أدرت وجهى ولم أتلفت إليه ..لكن البحر كان يتقاذف أمامه أمواجا عاتية سرعان ما بعثرت أسطري ..هممت بجمع الأسطر والكلمات ، لكن الحوت قدف الماء في وجهي، فشهقت وامتلأ فمي ماء.. ثم قفز على يدي فقضم أصابعي.. وبعدها رمى بي بعيدا (…) .
من فوق الرمال رأيت الحوت يلتهم الكلمات بشراهة .شعرت بكثير من الحنق والضيق وددت لو كان في مقدوري أن أقف في وجهه لأصارعه.. التفت يمبنا ويسارا، ألفيت نفسي وحيدا فحزنت. في طريق عودتي إلى البيت.. كنت لا أزال أفكر في الحلم”.
يظل الحلم يتردد بشكل أو بآخر عبر نصوص هذه المجموعة القصصية بدءا من الإهداء إلذي خص به الكاتب جيل الشباب “المتطلع بعزم وثبات إلى غد مشرق وضاء تتحقق فيه جميع الأمنبات”، ومرورا بقصة بعنوان “لوحة” التي يحلم فيها السارد بأن يترك له الرسام حيزا بقلب لوحة يرسمها لامرأة فاتنة، وأقصوصة “فلامينكو” التي يمتزج فيها الحلم بالحزن والألم عندما تعلو أصوات عزف الغيتارا وتصفيقات الأيدي وضربات الأرجل على الأرض وتتحرك أصابع الراقصة بافتتان (…) وتتصاعد آهات مغنية الفلامينكو الغجرية…”، ثم في قصة “المغص في القلب” حين يقول السارد “منذ سنوات، حلمت أنني ملكت القمر ووزعته على الأطفال قطعا متساوية، وبينما الأطفال فرحين يلعبون، جاء شخص مفقأ العينين وسرق القمر، أفقت في انزعاج، خرجت من فراشي أجري باحثا في السماء عن القمر، وجدته يبكي فبكيت”.
وفي قصة “العصفور الحزين” يقول السارد “في حلمي كنت أصغي إلى أنات طائري البئيس وأتتبع صداها فيما انتابني من شجن عميق، وحينما حدقت في عينيه الغائرتين رأيت فيهما وجهي وأنا أجهد بإباء في كظم غيظي وأتكتم على غضبي. فجأة فتحت راحة يدي لأحرر العصفور من قيده ليحلق طليقا في الفضاء الفسيح، فلم يتحرك الطائر اليائس وظل ساكنا حبيس سجن يدي.. وأحسست وأنا بين الحلم واليقظة بنوع من الرهبة والذهول، وبكثير من الضيق والاختناق ، وأدركت وعيناي شخاصتان تحملقان فيه بحسرة واستغراب، أنني وعصفوري الحزين قد فقدنا معا القدرة على الطيران”.
وكتعبير عن نهاية للأحلام وعن الرغبة في التصالح مع الواقع كما هو، تطالعنا في ختام هذه المجموعة التي تضم نصوصا أخرى من قاع المجتمع، قصة قصيرة جدا بعنوان “يقظة” يقول فيها السارد “وكان كلما أحس بحلم يراوده ثم لا يلبث أن يضيع من بين يديه، عاد فأقنع نفسه، في كل مرة، بأنه سيلاقي أحلاما أجمل وأبهى.
الآن بات كل همه أن يقطع مع أضغات الأحلام ليعيش ما تبقى من أيامه في يقظة دائمة متواصلة”.
إنها نصوص قصصية ممتعة اتحفنا بها الكاتب محمد سعد العلمي بعد غياب طويل عن عالم الكتابة والأدب بفعل التزامات وإكراهات السياسة التي قال نجيب العوفي في معرض تقديمه للمجموعة القصصية إنها “تربصت به على ضفة الإبداع والإعلام واختطفته من الأدب فانغمر بكليته في معمعانها”.
وتجدر الإشارة إلى أن محمد سعد العلمي تولى مناصب قيادية في حزب الاستقلال ومارس الكتابة والصحافة منذ أواخر الستينات عبر صفحات جريدة “العلم” لسان حال الحزب، وأسس وترأس تحرير مجلة “الهدف” سنة 1970. وهو عضو في اتحاد كتاب المغرب. وانتخب عضوا في مجلس النواب وبمجلس المستشارين وشغل منصب نائب لرئيس مجلس النواب لولايتين تشريعيتين. وتم تعيينه وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان في حكومة إدريس جطو في 2002، وكذا في حكومة عباس الفاسي في 2007. وفي 2010 عين وزيرا منتدبا لدى الوزير الأول مكلفا بتحديث القطاعات العامة.وفي 9 مارس 2013 تم تعينه سفيرا للمملكة المغربيةلدى جمهورية مصر.