اليوتيوبر بين التنوير والتضليل
أحمد لعيوني
أحدثت شبكات التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية تحولا عميقا في أنماط التواصل ونشر المعرفة. ومن بين الفاعلين الجدد في هذا الفضاء الإعلامي، يبرز اليوتيوبر اليوم كأحد أهم المؤثرين في الساحة العمومية المغربية، من خلال إنتاجاته السمعية البصرية. أصبح يؤثر ليس فقط في الممارسات الثقافية والتمثلات الاجتماعية، بل كذلك في الطريقة التي يدرك بها المواطن المغربي واقعه السياسي والاقتصادي والأخلاقي. ويطرح هذا التحول إشكالية مركزية مفادها؛ إلى أي حد يساهم اليوتيوبر في توضيح الرؤية لدى المواطنين بنشر خطاب نقدي، تنويري وتوعوي، أو على العكس بالعمل على تعتيمها عبر نشر التفاهة والمعلومات المضللة؟
وللإجابة على هذا السؤال، يتعين تحليل دور اليوتيوبر، بين وصفه وسيطا في نقل المعرفة وإبداء الرأي من جهة، أو توجهه نحو الانزلاقات والمخاطر المحتملة لاستخدام تأثيره دون مسؤولية من جهة أخرى.
اليوتيوبر المغربي كفاعل جديد في التواصل الاجتماعي والمواطنة الرقمية
أتاحت الفضاءات الرقمية بروز خطاب بديل عن الإعلامي التقليدي الذي ينظر إليه أحيانا بوصفه مقيدا أو خاضعا لمنطق رسمي. وقد أصبح اليوتيوبر يمثل وسيطا بين المعرفة والجمهور، بفضل قدرته على إنتاج محتوى مبسط وموجه بلغة قريبة من المتلقي المغربي. ومن خلال توظيفه للدارجة المغربية، ولمواضيع قريبة من الحياة اليومية، وبتمكنه من طرح القضايا الراهنة التي تشغل بال جمهور عريض من المتابعين، مثل العدالة الاجتماعية، والفساد والحكامة، والفوارق الاقتصادية والمجالية. هذا التقارب اللغوي والثقافي يجعل من اليوتيوبر فاعلا في نشر الوعي والمشاركة المواطنة، كما يخلق فضاء جديدا للنقاش العمومي، خصوصا بين فئة الشباب. وبذلك يساهم بعض اليوتيوبر في ترسيخ ثقافة رقمية مسؤولة حين يتعاملون مع قضايا مجتمعية بنفس نقدي وتوعوي.
مخاطر التضليل وثقافة الترفيه السطحي
من جانب آخر، لا يمكن تجاهل الجانب السلبي للتأثير الذي قد يحدثه فعل اليوتيوبر داخل المجتمع. فالكثير من المحتوى الذي يتم نشره على المنصات الرقمية يخضع لمنطق الشهرة وجني الأموال بطريقة سريعة أكثر مما يخضع لمنطق التثقيف أو الصدق الإعلامي. وهذا ما يؤدي إلى انتشار المعلومات الزائفة، والخطابات الشعبوية، والأحكام السطحية، مما يضعف جودة النقاش العمومي ويشوه الوعي الجماعي. كما تتحول المنصات أحيانا إلى فضاءات لنشر التضليل والانقسام، حيث تبنى المواقف على العاطفة بدلا من التحليل الموضوعي. وتفاقم هذه الظاهرة ضعف التربية الإعلامية لدى الجمهور المغربي، وغياب آليات فعالة للتحقق من صحة المعلومات. مما يجعل المتلقي عرضة للتلاعب والتأثير السلبي على رؤية العالم.
نحو أخلاقيات المسؤولية الرقمية
أمام هذه التحديات تبرز ضرورة الحديث عن أخلاقيات المسؤولية في الفضاء الرقمي. فاليوتيوبر، باعتباره فاعلا مؤثرا، مطالب بالوعي بالمكانة الرمزية التي يمتلكها في تشكيل الرأي العام وتمثلات الأفراد. ويفترض ذلك الالتزام بمبادئ الصدق، والشفافية، واحترام المتلقي، إضافة إلى الحرص على التحقق من المصادر قبل نشر إي معلومة. وفي المقابل، على المجتمع المغربي أن يعزز برامج التربية على الإعلام والتفكير النقدي، حتى يتمكن من تحليل المحتوى الذي يستهلكه، وتقييمه بموضوعية. إن بناء الوعي الرقمي مسؤولية مشتركة بين صانع المحتوى والمتلقي على حد سواء. فوضوح أو غموض الرؤية في النهاية هي نتاج لتفاعل هذين الطرفين داخل الفضاء العام.
إن اليوتيوبر المغربي أصبح يقوم بدور ذو أهمية بالغة باعتباره فاعلا اجتماعيا وثقافيا لا يمكن تجاهله. فهو يؤثر في العلاقة بين الإعلام والمواطنة والمعرفة. ويمكن أن يشكل هذا التأثير رافعة للديمقراطية والوعي النقدي إذا ما ارتكز على القيم الأخلاقية والمعرفية. لكن حين يغلب منطق الشهرة والمردودية المادية على المسؤولية الفكرية، يتحول هذا الدور إلى أداة لتشويش الوعي الجماعي. ومن ثم، فإن التحدي المطروح أمام المجتمع المغربي المعاصر هو بناء منظومة رقمية أخلاقية ومستنيرة، يكون فيها اليوتيوبر حاملا لرسالة تربوية وثقافية، ويكون المواطن شريكا فاعلا في إنتاج الوعي ومساءلة الخطاب.
في المغرب، كما في باقي أنحاء العالم، غيرت وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات مشاركة الفيديو، مثل يوتوب، المشهد الإعلامي بشكل جدري. أصبح اليوتيوبر شخصية محورية في الساحة العامة، قادرة على التأثير في السلوكيات والآراء وحتى القرارات السياسية، غير أن هذا التأثير يبقى سيفا ذا حدين: فقد يكون وسيلة للتنوير والإرشاد، كما يمكن أن يتحول إلى مصدر للسطحية والتضليل. فمن جهة يلعب اليوتيوبر المغاربة دورا تنويريا حقيقيا. فمن خلال إبداعهم، وحرية تعبيرهم، وقربهم من الجمهور، يعالجون قضايا غالبا ما تهمل في الإعلام التقليدي، مثل التربية المدنية، وحقوق المواطن، ومحاربة الفساد، والحفاظ على البيئة، ووضعية الشباب. وبأسلوب مبسط وسهل الفهم، يسهمون في دمقرطة المعرفة وتمكين فئات واسعة، خصوصا الشباب، من فهم القضايا الاجتماعية والسياسية بشكل نقدي. وبذلك يصبح هؤلاء المبدعون فاعلين في المجتمع المدني يشاركون في بناء وعي جماعي جديد.
لكن من جهة أخرى، نجد أن عددا من اليوتيوبر، ينحرفون نحو السطحية والإثارة، فيسعون وراء الشهرة من خلال عدد المشاهدات واللايكات على حساب المصداقية والمضمون. فتنتشر بذلك الشائعات، وتختلق الفضائح، ويتم الترويج للخطابات الشعبية، ما يؤدي إلى تشويش الرأي العام، ونشر ثقافة الاستهلاك السريع للمعلومة. وهكذا يصبح بعض اليوتيوبر أدوات للتضليل بدل أن يكونوا مصادر للتنوير والمعرفة.
إن اليوتيوبر المغربي اليوم يتحمل مسؤولية أخلاقية واجتماعية كبيرة. فمدى تأثيره الإيجابي أو السلبي يرتبط بدرجة وعيه، وثقافته، والتزامه بالمبادئ المهنية. يمكنه أن يكون منارة للتنوير أو أداة للتضليل وحجب الحقيقة وتحريفها، ومن تم تقع المسؤولية على المتلقي في تنمية الحس النقدي، حتى يبقى الفضاء الرقمي مجالا للحوار البناء والمعرفة والتطور الجماعي.
