تسليم سلاح حزب الله بين الرفض والالتزام بوقف إطلاق النار

أحمد مطر
في الإطلالة الأخيرة لأمين عام حزب الله ، قدم خارطة طريق للدولة لتسير على أساسها، وتحديد الأولويات المطلوب تنفيذها، للخروج من تداعيات الحرب التي أشعلها تحت شعار مشاغلة قوات الاحتلال الاسرائيلي عن عدوانها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ملقياً باللوم على السلطة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي لبعض المناطق الجنوبية، لضعف حركتها بهذا الاتجاه، وتلكؤها بإطلاق ورشة إعادة إعمار المناطق المدمرة، انصياعا للضغوط الأميركية وغيرها، وبالطبع لم ينسَ التذكير بثلاثية الشعب والجيش والمقاومة وأفضال النظام الإيراني بمد يد العون لمساعدة المتضررين وإغاثتهم، ليخلص إلى رفض تقديم أي تنازلات بخصوص موضوع نزع سلاح الحزب، استنادا للقرار 1701، وللبيان الوزاري ولخطاب القسم، لحصر السلاح بيد السلطة اللبنانية دون غيرها.
تجاهل الشيخ نعيم قاسم مسؤولية الحزب بإشعال الحرب مع إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى، وتسببه بالاحتلال الإسرائيلي لبعض المناطق الجنوبية، من دون قدرته على ردع هذا الاحتلال وإجباره على الانسحاب منها، محاولا بأسلوب ضعيف، تحميل الدولة مسؤولية تداعيات الكارثة الرهيبة التي أصابت لبنان واللبنانيين، والتي تتجاوز في أضرارها وخسائرها المادية والمعنوية، العديد من الأزمات والحروب والاعتداءات التي تعرض لها لبنان في العقود الخمسة الماضية.
تناسى الأمين العام لحزب الله أن سطوة الحزب على الدولة اللبنانية، لفرض سياسات وأولويات خارج إطار مصلحة لبنان والشعب اللبناني، ولمصلحة النظام الإيراني، قد انتهت بعد تطورات وتداعيات الحرب العدوانية الإسرائيلية التي أشعلها أكثر من مرة، وتدخلاته في سوريا وبعض الدول العربية الشقيقة، ولم يعد باستطاعته تكرار مثل هذه الأساليب، بعد سقوط محظوراته في منع الاستحقاقات المهمة والأساسية، مثل انتخاب رئيس الجمهورية وتأليف الحكومة، واستئناف التحقيق بملفات مهمة وحساسة، كانفجار مرفأ بيروت وغيره.
من الواضح أن حزب الله حسم موقفه برفض تسليم ما تبقى من سلاحه للدولة، متذرعا بأنه التزم باتفاق وقف إطلاق النار.
هكذا ببساطة برَّر قاسم موقف الحزب الرافض لتسليم سلاحه للدولة اللبنانية، وكأنه بمثابة رد مباشر على موقف رئيس الجمهورية جوزيف عون، الذي قال فيه أكثر من مرة، بأن قرار حصر السلاح بيد الدولة قد اتخذ، إلا أن تنفيذه قد يتطلب التحاور مع الحزب لتنفيذه، وهو ما اعتبره البعض بانتهاج أسلوب مرن من الرئيس عون، للوصول إلى هدف نزع السلاح في النهاية، ولو تتطلب الأمر بعض الوقت، تجنبا لمضاعفات في حين ينظر البعض إلى هذا التريث، إنه بمثابة تردد تفاديا لإشكالات غير محمودة في هذا الظرف الحساس، وهو ما يمكن أن يستفيد منه الحزب، لكسب الوقت والتهرب من مسؤولية تسليم سلاحه في النهاية.
ومع أن البعض يضع موقف الحزب هذا في إطار المناورة، على هامش المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الأميركية بخصوص الملف النووي الإيراني، ومحاولة استعمال السلاح المتبقي لدى الحزب، من ضمن أوراق المساومة، للاستفادة منه قدر الإمكان من قبل النظام الإيراني، لأنه لا يمكن أن يستمر الالتزام بعدم تسليم سلاحه حتى النهاية، تفاديا لمساءلته داخليا والضغط عليه من قبل أكثرية الشعب اللبناني، وثانيا تجنبا لمزيد من الاستهدافات الإسرائيلية التي يتعرض لها الحزب في أكثر من منطقة بالدخل اللبناني.
ولكن بالرغم من هذا التوصيف، لا يُسقط البعض من حساباته أن الحزب يستغل ملف المفاوضات، للتهرب من استحقاق تسليم سلاحه، متذرعا بالخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف النار واستمرار تمركز قوات الاحتلال الإسرائيلي في مواقع محددة جنوبا، أملاً أن يتحول هذا التفلُّت إلى واقع دائم، يوظفه الحزب للاحتفاظ بسلاحه، على غرار ما حصل بعد حرب تموز عام 2006 ، ويستقوي به من أي مساءلة، وصولا إلى تهديد وابتزاز كل من يطالب بنزع سلاحه بالداخل، سواءٌ الدولة أو أي طرف سياسي.
يظهر بوضوح أن تصعيد لهجة الحزب برفض تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، يعطي إشارات سلبية، ليس بإعاقة انطلاقة الدولة فقط، وتهديد الأمن الداخلي، بل يتجاوزه إلى توسع حلقة الاستهدافات الإسرائيلية ضد مواقع ومخازن السلاح وغيرها، وتشدد الدول التي تنوي مساعدة لبنان في ربط مساعداتها وتقديماتها بنزع السلاح أولا، تفاديا لتكرار تجارب المساعدات التي قدمتها بعد الاعتداءات الإسرائيلية السابقة، والتي استغلها الحزب غطاء، للتملص من كل تعهداته بالامتناع عن القيام بأي عمليات بالداخل الإسرائيلي.
أما الادعاء بأن مبرر تمسك الحزب بالسلاح، لأجل تحرير المواقع التي ماتزال تحتلها القوات الإسرائيلية جنوبا، تناقضه الوقائع الميدانية، بعد أن تسبب الحزب بحرب المشاغلة التي أشعلها، إلى معاودة جر القوات الاسرائيلية لاحتلال مناطق لبنانية واسعة جنوبا، وقيامها بتدميرها بشكل شبه كامل وتهجير أهلها، من دون أن يتمكن من منعها بالسلاح الذي يتمسك فيه حاليًا.
ختامًا، النتيجة الوحيدة من كل همروجة المناداة بتسليم سلاح الحزب، الدوران في الحلقة المفرغة حتى الآن، لرفض الحزب التجاوب مع كل المطالبات بتسليم سلاحه، بالرغم من سقوط العناوين والذرائع التي يتذرع بها للاحتفاظ بسلاحه شمال الليطاني، مع استمرار حجب المساعدات العربية والدولية للنهوض بلبنان وإعادة اعماره، والمشروطة بنزع السلاح وحصره بالسلطة الشرعية، وإعطاء الذرائع لإسرائيل للاعتداء على لبنان، كما يحصل يوميا، بينما تبقى الخشية من محاولة تكرار استعمال هذا السلاح بالداخل لمعاودة الهيمنة على الدولة اللبنانية من جديد ومصادرة قرار ها ومقدراتها، وإن كان ذلك مستحيلا في الوقت الحاضر.