تنفيذ التعهدات الدولية مطلب أساسي لمساعدة لبنان

تنفيذ التعهدات الدولية مطلب أساسي لمساعدة لبنان

أحمد مطر

          يركز الحراك الخارجي باتجاه بيروت على أمرين أساسيين، سلاح حزب الله وتنفيذ لبنان للبرنامج الإصلاحي الذي تعهد به. في الملف الأول، يبدو واضحاً أن هناك شرطاً دولياً بأن لبنان لن يتمكن من الحصول على المساعدات الدولية التي يطلبها، في حال لم تحصل معالجة حاسمة لموضوع السلاح بيد الحزب وبقية الفصائل المسلحة، اللبنانية وغير اللبنانية، في إشارة إلى السلاح الفلسطيني. أما ما يتصل بالملف الثاني، فإن المجتمع الدولي ليس مستعداً للوقوف إلى جانب لبنان، في تجاوز آثار أزمته الاقتصادية والمالية، ما لم تبادر حكومته إلى استكمال تنفيذ التعهدات الإصلاحية التي التزمت بها، وهو ما جدد التأكيد عليه المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين والقيادات السياسية والحزبية جولته الحالية. وإذ تنتظر بيروت زيارة المبعوث الأميركي إلى سورية توم باراك في الأيام المقبلة، فإنه علم أن ملفات البحث مع المسؤولين اللبنانيين، تشمل العديد من القضايا الدقيقة التي تفرض نفسها على الساحتين الداخلية والإقليمية، سيما ما يتصل بتطبيق القرار 1701، إلى جانب ملف سلاح «حزب الله»، في حين سيركز الجانب اللبناني على ضرورة الحصول على موقف أميركي داعم، لانسحاب إسرائيل من النقاط المحتلة، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، والتي طالت عمق الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.

هكذا تتجدد بين الحين والآخر هواجس لدى كثيرين من العودة إلى ما قبل تاريخ السابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2024 ، أي إلى ما قبل اتفاق وقف اطلاق النار وتحديداً إلى سيناريو الحرب الإسرائيلية ضد لبنان. تتكرر الاستفسارات عما اذا كان هذا السيناريو واقعاً لا محالة في فصل الصيف مع الموسم الواعد اثر عودة الاخوة العرب، أم ان المسألة لا تتعدى كونها توقعات. في الواقع،ليس في امكان احد جزم. ماهية المشهد المقبل لاسيما اذا بقي ملف نزع السلاح يراوح مكانه.

طرحت الاعتداءات الإسرائيلية الاخيرة التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت مؤخراً، ودمرت العديد من المباني والممتلكات، صعوبة الاستمرار في معادلة مباشرة الدولة عملية اعادة اعمار ما تسببت به حرب المشاغلة التي شنّها حزب الله لدعم فلسطينيِّي غزّة، استنادا لما ورد في بيانها الوزاري، كما طالب نواب حزب االله رئيس الحكومة نواف سلام في مواقفهم تجاهه، ما لم تتوقف هذه الاعتداءات وعمليات القصف الإسرائيلية على الاراضي اللبنانية، بحجة استهداف مواقع ومستودعات سلاح الحزب بشكل نهائي وكامل، وهذا يتطلب التزام إسرائيل بتنفيذ القرار1701 ، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من كافة المواقع الاستراتيجية في الجنوب، مقابل استمرار الدولة اللبنانية في عملية نزع سلاح الحزب من جنوب الليطاني وكافة المناطق الأخرى.

ثمة تخوف في الداخل، ولدى أشقاء وأصدقاء في الخارج، من أن يعود لبنان إلى مراحل هدر الفرص، وعدم التحرك بالديناميكية اللازمة، والتفاعل الكافي مع الدعم العربي والغربي غير المسبوق للدولة اللبنانية للخروج من دوامة الأزمات الراهنة.

وإرتفع منسوب هذا التخوف بعد التصعيد الإسرائيلي الأخير، والقصف الوحشي للضاحية الجنوبية لبيروت، عشية عيد الأضحى، وتدمير عدة أبنية وتخريب مئات المنازل، دون أن تحرك لجنة المراقبة الدولية ساكناً وفي وقت يكثر فيه الحديث عن صعوبات في تجديد مهمة قوات اليونيفيل في لبنان، بعد التشكيك الإسرائيلي والأميركي بجدوى وجودها على الحدود اللبنانية مع دولة الإحتلال.

الضربة الإسرائيلية تلك ضد الضاحية، قلبت الاولويات المطروحة، بمباشرة عملية اعادة الاعمار، في الضاحية او غيرها بمعزل عن اكتمال عملية نزع سلاح الحزب، ليست مسموحة، وفرضت مزيدا من الضغوط على الدولة لتسريع خطى نزع السلاح بالكامل، لكي يتم تسهيل اعادة الاعمار من بعدها.

وهكذا ومن دون الاعلان الصريح، تستمر إسرائيل بعرقلة أي محاولة لإعادة الإعمار جنوبا، ولو بجهود فردية، بالقصف وإطلاق النار وحرق المعدات، واعتداءات الضاحية تمثل العنوان الأبرز في عرقلة ومنع أي محاولة لإعادة الإعمار، كما لتوسيع رقعة الدمار الحاصل.

أهم ذريعة يوفرها حزب االله لإسرائيل لإبقاء سيف اعتداءاتها وخرقها لاتفاق وقف إطلاق النار، مسلطا على مواقعه ومراكزه المزعومة، رفضه التجاوب مع طلب الحكومة لنزع ما تبقى من سلاحه، بعد انعدام اي مبررات منطقية لاستمرار الاحتفاظ به بعد نتائج الحرب العدوانية الإسرائيلية خلال العام الماضي، على الحزب وبنيته العسكرية والسياسية وأضرارها التدميرية غير المحسوبة بكل المقاييس.

العدوان الإسرائيلي الأخير على الضاحية الجنوبية، كان بمثابة رسالة واضحة لكل المسؤولين، باستحالة إطلاق ورشة إعادة إعمار الابنية المهدمة، كما حصل بعد حرب تموز في العام 2006، وللحزب نفسه، بضرورة الموافقة على إجراءات الدولة اللبنانية، لتسليم سلاحه، وإغلاق هذا الملف نهائيا، وإلا لن يكتب لأي محاولة لإعادة الإعمار النجاح، والأخطر ستبقى الاعتداءات والقصف الإسرائيلي مستمرا حتى إشعار آخر.

ختامًا مسيرة الإنقاذ بحاجة لإتخاذ قرارات جريئة من كل الأطراف، وخاصة من القيادات الرسمية والسياسية من جهة، ومن جانب حزب الله من جهة ثانية.

شارك هذا الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!