خَلِّي معاكْ هادْ الكَاشَّة

خَلِّي معاكْ هادْ الكَاشَّة

 المعطي قبال

           لا أدري سبب كراهيتي للكاشة. صحيح أنها تقي من البرد وتبث السخونة في الجسم، لكن منظرها وهيئتها يبعثان على الكآبة بل الأرق. ويرتبط هذا الغطاء وبشكل حميمي بالمرض، بالموت، بالحوادث والإقامة بالمستشفى. على صفحات الفايس بوك، يكتفي المرضى بأخذ صور تلفهم كاشات خشنة وتطوقهم أنابيب للتنفس. لم يفكر أحد في أن يطلب من عائلته الإتيان بغطاء أنيق ونظيف لإلقائه على جسده العليل. الكاشة هنا دليل على أن التدفئة بالمستشفى غير شغالة، وأن المريض عليه قبول وضعية المستشفى ورموزها، ومن بينها الكاشة حتى وإن استعملت هذه الأخيرة لعدة مرات وغطت أجسادا عديدة بمن فيها أجساد الموتى. قد لا تفكر المؤسسة الصحية في تعقيم أو إتلاف الكاشات أو في حرقها كما هو معمول به في الدول التي تعنى بصحة المرضى.

في أحد مستشفيات الدار البيضاء، لما أدخلت خديجة إلى قسم المستعجلات على إثر نزيف مهبلي، وضعوها على سرير منخفض، وتدخل الطاقم لإثبات الأنابيب في ذراعها، أخذ درجة الحرارة، مراقبة الجزء السفلي من عينيها بواسطة لمبة خاصة. بعد أن رفع الطاقم التقرير الأولي للطبيبة الرئيسية، طلبت من الرجال مغادرة القاعة حتى يتسنى لها فحص مهبلها المدمى. أنزلت سروال الضحية وفتحت رجليها لمعاينة الوضع : رأت مهبلا يكاد يكون ممزقا بجراح واضحة في الأطراف. يبدو أن المعتدي قد استعمل آلة حادة بهدف إلحاق خسائر جسيمة بعضو الفتاة والانتقام منها. ناولتها مسكنا للحد من الألم الذي تمكن منها منذ استقبالها : «أناري ميمتي، العافية شاعلة من التحت… تعدى علي ولد الكلبة، غادي نقتلو…».

بعد تناولها للقرص المهديء، غطت في النوم الشيء الذي مكن الطبيبة من التدخل لإتمام الفحص، معالجة المنطقة المتضررة وإعداد تقرير يشير، تبعا لبطاقة التعريف التي عثروا عليها في جيب الجينز، أن الضحية تدعى خديجة البودالي، من مواليد 2014، والدها بوعبيد البودالي وأمها الغالية الحمومية، تعرضت لاغتصاب من طرف شخص تعرفه جيدا وستكشف عن هويته أمام المحققين. بعد أن غادرت الطبيبة الحجرة، دخلت المساعدة لترمي كاشة صفراء بلون باهت على المريضة.

عند الصبح، أفاقت خديجة من البنج لتفتح عينيها على مكان لم تميز موقعه إلى أن تذكرت ما وقع لها وتدخل سيارة إسعاف لنقلها إلى المستشفى وهي تصيح وتولول. أكيد أن عائلتها تعيش على الجمر. وبما أن الزيارات ممنوعة سواء خلال الليل أو في الصباح، فعليها الانتظار إلى ما بعد الغداء لزيارتها إن هي علمت بتواجدها بالمستشفى. المهم أن لا تكون قد فرت إلى مدينة أخرى مع أحد المزاليط الذين يرابطون عند زاوية الزنقة. بعد زيارة الطبيبة وفحصها لمهبل الضحية، مررت على شفتي المهبل كريم له مزايا علاجية سريعة. فجأة تذكرت خديجة هاتفها النقال: «دكتورة، ما صابوش التليفون ديالي ؟». «لا علم لي بذلك، أسأل الطاقم»… «ناري ميمتي فيه التصاور والفيديوهات و…» «ياك ما فيه مشاهد الجنس ولي على بالك؟ «كاين شويا جنس، شويا ديال البورنو…إلى سمعاها بويا يقتلني…”.

«كولي الفطور أولا، غادي يجي عندك واحد الكوميسير والمساعد ديالو باش يفتحو تحقيق في المسألة…».  غادرت الطبيبة الغرفة بعد أن زرعت الوسواس في ذهن خديجة. في حدود التاسعة والنصف سمعت طرقات على الباب ومن دون أن تجيب أو تأذن، دخل شخصان الأول مفتول العضلات والثاني شبه نحيف. تعرفت خديجة فيهما على المحققين. استوت في جلستها والتفت في الكاشة.

كيف بقيتي؟ أنا الكوميسير الغزواني وهذا مساعدي حميدة. غادي نسولوك وغادي تجاوبي نيشان. اشنو سميت الدري لي اغتاصبك؟

سليمان الداودي.

كنتي تاتخرجي معاه؟

تعرفت عليه في الفايس بوك. قال لي خدام قوطابلي وغادي

يمشي لطليان بعد حصوله على عقد مع شركة فياط. وقال لي غادي يحصل لي أنا أيضا على عقد.

إيوا من بعد الطليان آشنو لي وقع؟

داني لكلوب نيميرو 5 الواقع خارج المدينة. نتصحاب راسي تنشرب شويبس فإذا به تايخلطها بالماحية والفودكا واعطاني كينة سرطتها ومعقلتش على راسي حتى صبتني نصف عريانة في الخلا والقفار… وانا تانسيل بالدم.

بعد إلقاء القبض على الجاني، عثرنا على هاتفك النقال. آخويتي راكي ماسهلاش: هانتي مقلوبة مشقلبة عريانة، هانتي مبلطة، هانتي تاترقصي وتحيري… إذا أنت قديمة في الحرفة! بعد مغادرتك للمستشفى، غادي دوزي أمام القاضي لمواجهة المتهم. خليني نقول ليك ان القاضي نحس. ما تايعرف لا رحمة ولا شفقة في حق السفهاء المنحرفين والمنصرفات. إذا وجدي راسك باش تمشي «سجن مول البركي» الواقع بمدينة آسفي ! خلي معاك هاد الكاشة لأن البرد في هاد السجن تايدخل ما بين اللحم والعظام!

_________________________________________________________________________

* قصة قصيرة مستقاة من المجموعة القصصية «عقايب الدنيا»، الصادرة منذ أسبوعين عن منشورات «ملتقى الطرق»، بشراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج.

شارك هذا الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!