عن دور النشر والخبراء والنقاد…

عن دور النشر والخبراء والنقاد…

رضا الأعرجي

         في عام 2005، أرسل كاتب شاب لا يعرفه أحد الفصول الأولى من مخطوطتين له إلى ما لا يقل عن 41 ناشراً ووكيلاً أدبياً.

بعد انتظار طويل، تلقى عشرين رداً. جميعها كانت ترفض المخطوطتين، باستثناء رد واحد، حيث أبدى وكيل أدبي اهتمامه، ولكن بمخطوط واحد فقط. أما المخطوط الآخر، فرغم أنه رآه أصلياً، لكنه لم يبد له مثيراً للاهتمام بما يكفي.

الخلاصة..

نسبة الرفض 98٪، إما بالصمت أو، في أغلب الأحيان، برسالة عادية ذات دوافع مهذبة، وقد تكون مريبة أيضاً.

لكن رغم الرفض شبه الإجماعي، أبدى أحد الوكلاء استعداده للتعامل مع مخطوطة واحدة..

أما بالنسبة للخطوة التالية في العملية، فكان الأمر مستحيلاً

لأن

لأن الكاتب الشاب لا وجود له..

كان وراء هذه التجربة صحيفة “صنداي تايمز” اللندنية، وهي التي أرسلت الفصول الأولى من روايتين فازتا  بـ “جائزة بوكر”، إحدى أعرق الجوائز في العالم. إحداهما كانت “في دولة حرة”  لـ ف. س. نايبول، الحائز على جائزة نوبل في الأدب قبل أربع سنوات، والأخرى “عطلة”  لستانلي ميدلتون. غيّرت الصحيفة أسماء الشخصيات، وأدرجت اسم مؤلف مجهول. ولم يكتفِ الناشرون برفض المخطوطتين، بل اعتبروهما “غير ذات جودة كافية”.

بالمناسبة، كانت المخطوطة التي أثارت اهتمام الوكيل الأدبي هي رواية ميدلتون. أما رواية نايبول فقد رفضها رفضاً قاطعاً.

في الواقع، تكررت تجربة صنداي تايمز مراراً..

ظنت دوريس ليسينغ، الروائية البريطانية الحائزة على جائزة نوبل للآداب عام 2007، أن أعمالها تُنشر مهما بلغت جودة كتابتها، لأنها صنعت لنفسها اسماً، لذا حاولت تقديم أحد أعمالها باسم مستعار. وكانت النتيجة أن رفضت رفضاً تاماً.

حدث الشيء نفسه مع مواطنتها كاتبة الأطفال الشهيرة جيه كيه رولينغ، التي نشرت رواية تشويق مُدّعيةً أنها من تأليف كاتبة مجهولة. أشاد النقاد بالرواية لكنها لم تُبع منها شيئاً يُذكر. وعندما اكتشفت إحدى الصحف بالصدفة هوية كاتبتها، أصبحت في أقل من 24 ساعة، من أكثر الكتب مبيعاً. وأشاد بها الجميع.

وعندما جرّب كاتب روايات الرعب الأمريكي ستيفن كينغ الكتابة بالاسم المستعار “ريتشارد باكمان” لم يجد ناشراً يُقدّره أو يُروّج له.

وكانت الحالة الأكثر وضوحا لهذه التجارب قد حدثت في فرنسا..

كلار شازال كانت مذيعة أخبار فرنسية، وهي أيضاً شخصية مشهورة في بلدها ككاتبة. حققت روايتها “المربية” الصادرة عن دار بلون، نجاحاً باهراً، وكانت كتاب الموسم الذي قرأه الجميع. لكن مجلة “فواتشي” قررت اختبار ما حدث عندما غيّرت أسماء الشخصيات واسم المؤلفة، تاركةً القصة كما هي. ما حدث هو أن جميع دور النشر التي أرسلت إليها المخطوطة لم تتعرف عليها فحسب، بل رفضتها لأنها لم تكن تستحق العناء.

المفارقة الكبرى، أن “دار بلون” التي هي من نشر الرواية لم تتعرف عليها، بل رفضتها واعتبرتها بلا قيمة!!

ربما سارع كثير من الأصدقاء لاستنتاج المغزى من هذه التجارب. ومنهم سيقول أن الناشرين ومن يُسمّون بالخبراء في هذا المجال عاجزون عن تمييز العمل الجيد عندما يعرض عليهم.

ومع أن هناك بعض الحقيقة في ذلك، إلا المسألة ليست بهذه البساطة

فثمة من يفترض افتراضات خاطئة حول قضية النشر، كما هو الحال مع العديد من القضايا، مما يجعل الوصول إلى استنتاجات صحيحة أمراً غاية في الصعوبة. وقد يعتقد أن الناشر يسعى بالضرورة إلى الجودة، فيما سيرى آخرون أن الناشر تاجر قبل كل شئ، وبالتالي، ما يهمه هو البيع، والربح بالتالي. ولو استطاع الحصول على رواية عادية بل أقل من عادية لكنها ستحقق النجاح لن يتردد في شرائها، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.

لا أبحث عن مغزى، ولست متأكداً من المغزى من كل هذا، ولا أعرف حتى إن كان هناك مغزى. كل ما يبدو لي أن هذه التجارب تنطوي على قصص شيقة، ومنها ما يشكل فضيحة بجلاجل. سأكتفي بعرضها، وأترك لكل صديق استنتاجاته الخاصة.

شارك هذا الموضوع

رضا الأعرجي

صحفي وكاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!