في رحيل ماريو فارغاس يوسا

في رحيل ماريو فارغاس يوسا
Falleció el escritor peruano Mario Vargas Llosa

رضا الأعرجي

           رحل الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا، وقد ترك، في العاصمة الإسبانية مدريد، شقته الفارهة ممتلئة بالصور واللوحات والكتب.

لم يفكر في الشهرة قط. كان يفكر في أبنائه وأحفاده وكتبه..

(لديّ كتبٌ تستحقّ أن تبقى بعد وفاتي، نعم: “حديث في الكاتدرائية” و”حرب نهاية العالم”. لقد بذلتُ جهداً كبيراً في هذين الكتابين. لكنني لا أفكّر في الموت. وماذا سيحدث لأعمالي بعد وفاتي؟ لا أعرف، لا أفكّر في هذه الأمور.

فكرتُ في معنى أن تكون كاتباً في بلدٍ مثل بيرو، حيث لا ناشرين ولا مكتبات تقريباً. لهذا السبب حلمتُ بالذهاب إلى فرنسا. والطريف أنه عندما ذهبتُ أخيراً إلى فرنسا، بدأ الفرنسيون فجأةً بقراءة أدب أمريكا اللاتينية. كانوا يقرؤون بورخيس، وكورتاثار، وفوينتس، ثم غارسيا ماركيز.

في باريس، بدأتُ أشعر بأنني بيروفي، لاتيني أمريكي، واكتشفتُ أن الحدود مصطنعة: ما الذي يجعل بيرو مختلفة عن كولومبيا أو بوليفيا؟ لا شيء، لا شيء على الإطلاق. جميعها واجهت نفس المشاكل: الانقلابات العسكرية، على سبيل المثال.

في ليلة وصولي، ذهبتُ إلى مكتبة شهيرة جداً: “متعة القراءة”، كانت مفتوحة حتى منتصف الليل، واشتريتُ نسخة من رواية “مدام بوفاري”. قضيتُ نصف الليل أقرأها. ذهلتُ: كانت اللغة دقيقةً وأنيقةً، وفي الوقت نفسه عملية للغاية.

لطالما رغبتُ في أن أصبح كاتباً، لكن في بيرو، وقعتُ في هاويةِ أليمة، وكان سارتر هو من انتشلني منها. عندما التحقتُ بالرابطة الفرنسية، اشتركتُ فوراً في مجلتين فرنسيتين، في نفس العام الذي التحقتُ فيه بالجامعة.

كان سارتر قوة مؤثرة، يُقنعك ويُخبرك: قد تكون من بلدٍ صغيرٍ في أفريقيا حيث الجميع أميون، لكن لا يزال بإمكانكَ التنديد بذلك والكتابة عنه. كنتُ من أتباع سارتر المخلصين، إلى أن قرأتُ، في مرحلةٍ ما من ستينيات القرن الماضي، أنه قال لكاتبين أفريقيين: “عليكما أن تُحدثا ثورةً قبل أن تُبدعا أدباً”. شعرتُ أن ذلك خيانة، فبدأتُ أُنأى بنفسي عنه.

لا أدري هل أصف ذلك بالنضوج أو التطور، ولكن العديد من الذين بدأوا مع سارتر انتهى بهم الأمر أن أصبحوا أقرب إلى كامو.

نعم. لم يكن لدى كامو نفس التعليم الذي تلقاه سارتر. لم يكن قد قرأ ما قرأه سارتر، لكنه كان أكثر واقعية بكثير. التقيت به مرة. أخبروني أنه سيكون في مسرح في باريس، في أحد شوارع غراند بوليفار، وأنه يمكنني رؤيته عند الظهر. أحضرت مجلة صغيرة كنا ننشرها في بيرو تُدعى “ليتراتورا”، وهي مجلة صغيرة ذات صفحات قليلة جداً. كانت معي ماريا كاساريس [ممثلة إسبانية المولد حققت مسيرة مهنية ناجحة في فرنسا]. حاولت التحدث إليه بالفرنسية، فردّ عليّ بالإسبانية. تحدثنا لبعض الوقت، ثم توفي بعد بضعة أشهر في حادث سيارة. كان لطيفاً جداً، ومهذباً للغاية.

حلمتُ بباريس، وشاهدتُ أفلاماً فرنسية في ليما، وقرأتُ كثيراً، وكانت معظم قراءاتي بالفرنسية. لكن اكتشافي الأهم كان فلوبير. هذا ما أقنعني بضرورة تكريس نفسي للأدب، كما فعل فلوبير: أن أتأمل كل جملة وكل كلمة، وأن أقرأ بصوت عالٍ وأشعر بانسيابية النص، وأن أجعله مبهراً.

وهكذا كتبتُ البطل المتكتم” و”البيت الأخضر” و “حوار في الكاتدرائية”. أعتقد أن أول رواية مهمة كتبتها كانت “حديث في الكاتدرائية”. إنها رواية أكثر تماسكاً وتعقيداً، وتتجاوز مجرد وصف مشاكل بيرو الرئيسية.

كنتُ من أشدّ المعجبين برواية “مائة عام من العزلة”. كتبتُ عدداً من النصوص عنها، أحدهما كان مقالاً ضخماً عن الكاتب الكولومبي. ثم غدا كأطروحة دكتوراه في جامعة كومبلوتنسي بمدريد.

في الواقع، التقيتُ بغارسيا ماركيز عبر الرسائل. كنتُ أعيش في إنجلترا وكان هو في المكسيك. وكنا نتبادل الرسائل. حتى أننا حاولنا كتابة رواية مشتركة عن الحرب بين بيرو وكولومبيا، التي دارت رحاها في أدغال الأمازون.

من كان ليتصور أنني سأعيش كل هذا العمر، وبمثل هذا الشغف بالكتب، وأنظم حياتي كما لو كنت سأعيش إلى الأبد). 

Visited 12 times, 1 visit(s) today
شارك هذا الموضوع

رضا الأعرجي

صحفي وكاتب عراقي
error: المحتوى محمي !!