مستشار رئيس الاتحاد الروسي كوبياموف: الاتحاد السوفياتي لا يزال موجودا من الناحية القانونية!

د. زياد منصور
فيما يشبه الصاعقة القانونية، إذا صحّ التعبير، أعلن أنطون كوبياكوف، مستشار رئيس الاتحاد الروسي، في مؤتمر صحفي عقب المنتدى القانوني الدولي في سانت بطرسبرغ، قائلاً:” لقد تم انتهاك إجراءات حل الاتحاد السوفياتي في عام 1991، لذلك لا يزال الاتحاد السوفياتي موجودا من الناحية القانونية”.
وأضاف: “الاتحاد السوفياتي موجود قانونيا، كما يقول خبراء القانون الدستوري. أضاف:” على مدى فترة طويلة لا زال هناك من يعلن عن ذلك، بما فيهم البعض في الدول الغربية والولايات المتحدة وفرنسا”.
يقول هؤلاء أنه تم انتهاك إجراء ما يسمى الاجراءات القانونية والدستورية عند حل الاتحاد السوفياتي.
فمجلس نواب الشعب (مجلس السوفييت الأعلى)، الذي أنشأ الاتحاد السوفياتي في عام 1922، وهو الوحيد المخوّل بالإعلان عن حله وبقرار من مجلس هؤلاء النواب أنفسهم.
على هذا، فإنه تم انتهاك الإجراءات القانونية، وبذا يتضح أن الاتحاد السوفياتي لا يزال موجود قانونا، كما يقول خبراء في القانون الدستوري”.
ووفقا لكوبياموف فإن إبرام اتفاقية بيلوفيجسكويه بوشه، التي بموجبها تم حل الاتحاد السوفيتي، يبدو غريبا تماما من وجهة نظر قانونية.
“لقد تم التصديق على هذا القانون لاحقا من قبل السوفييت الأعلى في جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية بيلاروسيا الاشتراكية السوفياتية ، ولم يكن هذا من اختصاصهم على الإطلاق.
بهذا المعنى فإن حل الاتحاد لم يتم بطرق شرعية، وليس وفقًا للدستور. من هنا فإنه من المنطقي، من وجهة نظر قانونية، يتضح أن الأزمة الأوكرانية هي عملية داخلية في داخل الاتحاد الذي لا يزال موجودا”.
وختم المستشار الرئاسي أنه “يجب إعطاء انهيار الاتحاد السوفياتي تقييما قانونيا مناسبا لفهم الأحداث الحديثة”.
ما المقصود في هذا الكلام ببساطة؟
ببساطة ووضوح: ألا يزال الاتحاد السوفيتي قائمًا من الناحية القانونية؟
بالتزامن مع التصريح الذي أدلى به مستشار بوتين يوم أمس، والذي قال فيه إن الاتحاد السوفياتي لا يزال قائمًا de jure (من الناحية القانونية)، وأن النزاع في أوكرانيا يُعد في هذه الحالة شأنًا داخليًا يخص الاتحاد السوفياتي، الذي لا يزال موجودا، (إن لم يكن البعض يعلم)، مذكورًا في ميثاق الأمم المتحدة بدلاً من روسيا.
إن تحليل دستور الاتحاد السوفياتي لعام 1977، ومعاهدة الاتحاد لعام 1922، وغيرها من النصوص القانونية، بالإضافة إلى آراء الخبراء، يشير إلى أن الاتحاد السوفياتي لا يزال يحتفظ بأساس قانوني لوجوده، رغم تفككه الفعلي.
ولو أردنا تبسيط الأمر، فإن دستور عام 1977 كان يكرّس الاتحاد كدولة اتحادية موحّدة. ووفقًا للمادة 75، كانت أراضي الاتحاد تُعتبر واحدة موحدة، ويشمل السيادة على جميع الجمهوريات الاتحادية.
أما المادة 72، فقد كانت تضمن لتلك الجمهوريات حق الانفصال بحرية، إلا أن الدستور لم يتضمن أي آلية قانونية لحل الاتحاد ككل. وكانت معاهدة الاتحاد الموقعة عام 1922 من قبل جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية أوكرانيا، وبيلاروسيا، وما كان يُعرف باتحاد ما وراء القوقاز، تنص على أن تعديل المعاهدة أو إلغاؤها لا يمكن أن يتم إلا بقرار صادر عن مؤتمر مجالس نواب الاتحاد السوفياتي. وبالتالي، فإن إنهاء الاتحاد بشكل قانوني كان يستلزم قرارًا جماعيًا صادرًا عن هذه الهيئة.
في عام 1990، صدر قانون بعنوان “بشأن إجراءات معالجة قضايا خروج الجمهورية الاتحادية من الاتحاد السوفياتي”، وقد فصّل هذا القانون آلية الانفصال، مشترطًا إجراء استفتاء شعبي بمشاركة لا تقل عن ثلثي الناخبين، وفترة انتقالية تتراوح بين ستة إلى تسعة أشهر. غير أن هذا القانون كان ينظّم خروج جمهورية واحدة، لا حل الاتحاد ككيان سياسي. كما لم تُسن قوانين بديلة تنص صراحة على حل الاتحاد السوفياتي.
وهكذا، فإننا أمام واقع قانوني يتمثّل في غياب قرار رسمي صادر عن جهة مخوّلة بحل الاتحاد. إذ لم يصدر عن آخر مؤتمر لنواب الشعب في الاتحاد السوفياتي (الذي عقد في أيلول/سبتمبر1919) أي قرار بشأن الحل، بل قام المؤتمر بحل نفسه فعليًا، ونقل صلاحياته إلى هيئات انتقالية. أما إعلان إنهاء وجود الاتحاد السوفياتي الذي صدر عن مجلس الجمهوريات في المجلس الأعلى للاتحاد بتاريخ السادس والعشرين من كانون الأول/ديسمبر عام 1991، فلم يكن ذا قوة قانونية، لأن هذا المجلس لم يكن يمتلك صلاحية اتخاذ مثل هذا القرار.
أما اتفاقيات بيلويفيجا، التي وُقعت بين الثامن والحادي والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 1991 من قِبل قادة روسيا، وأوكرانيا، وبيلاروسيا، فلم تتوافق بدورها مع الإجراءات الدستورية، ما يجعل من حل الاتحاد إجراءً تم خارج الإطار الدستوري المعتمد.
وتؤكد سوابق دولية عديدة إمكانية استمرار وجود دولة من الناحية القانونية رغم تفككها الواقعي — كما في حالة جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية أو الجمهورية العربية المتحدة. لكن الأهم من كل ذلك، أن ميثاق الأمم المتحدة لا يزال حتى اليوم يذكر “الاتحاد السوفيتي” كعضو دائم في مجلس الأمن (المادة23). وبعد عام 1991، أبلغت روسيا الأمم المتحدة بأنها تتابع عضوية الاتحاد السوفياتي، وهو ما قبله المجتمع الدولي ضمناً، دون اعتراضات صريحة. وهذا يؤكد أن إنهاء الاتحاد السوفياتي من الناحية القانونية لم يُستكمل، وأن روسيا تُعتبر بموجب ذلك الوريث الشرعي الذي ورث التزامات وامتيازات الاتحاد.
الاستنتاج: من وجهة نظر قانونية بحتة، لا يزال الاتحاد السوفياتي قائمًا. لكن عمليًا، لا طائل كبير من ذلك —لا تزال هناك وثيقة بيع قانونية (!) لمدينة كييف، ولكن يبدو أن موسكو لم تستردها بعد.