من يخسر أكثر: إيران أم إسرائيل؟

سمير سكاف
النار تحرق فرص التفاوض والتسوية والاتفاق النووي! والشرق الأوسط الجديد بدأ بزمن “الأمن الإسرائيلي“!
لا وقف قريب لإطلاق النار أو للعمليات العسكرية بين اسرائيل وإيران! و”الأسد الصاعد” يتابع صعوده!
ومع ذلك، يبدو الرد الإيراني هذه المرة أكثر إقناعاً من المرات السابقة، ومن الردود على اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني، وعلى تفجير القنصلية الإيرانية في دمشق، وعلى اغتيال القادة في حماس وحزب الله اسماعيل هنية والسيد حسن نصر الله.
فهذا الرد اليوم، وللمرة الأولى يخترق القبة الحديدية ويصيب مبانٍ ويسقط قتلى وجرحى في تل أبيب، وإن بأعداد محدودة. ولكنه نجح بجعل سكان تل أبيب يشعرون أنهم ليسوا بأمان. وهو تطور نوعي لإيران.
ومع ذلك، فإنه ليس هناك توازن، لا في الضربات ولا في نتائجها. فالضربات الاسرائيلية تحقق أهدافها الاساسية، وبخاصة النووية منها!
وبحسب معلومات الوكالة الذرية الدولية فقد دمرت الغارات الإسرائيلية بعض مراكز تخصيب المنشآت النووية الإيرانية، وخاصة في نتنز وأصفهان، مع إصابات في فوردو ومع تدمير كامل لقاعدة تبريز…
وان كانت لم تستهدف الغارات الإسرائيلية بعد، أو على الأقل لم يُعرف بعد ما إذا أغارت اسرائيل على مفاعل بو شهر غير العسكري، وعلى أراك وغيرهم.
وتقوم اسرائيل بضرب القدرات الإيرانية على تخصيب اليورانيوم. وهو ما يمكنه أن يؤخر كثيراً (ولا يمنعها حتى الآن) من الحصول على القنبلة النووية!
لا حل إلا بالنار، وإلا باستسلام إيران نووياً!
إن التدمير النووي مرشح للاستمرار لوقت طويل وحتى زوال مخاطره المستقبلية عن اسرائيل. هذا هو الهدف الاساسي من عمليك “الأسد الصاعد“!
وكل الأحاديث عن تسويات ومحادثات ومفاوضات مع الولايات المتحدة هي غير جدية! حتى ولو جاءت على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب!
وكان الرئيس دونالد ترامب قد وضع سقفاً واضحاً لما يُسمى بالتفاوض، حين وضع “المسدس” برأس المرشد الإيراني علي الخامينيئي، في الرسالة التي كان وجهها إليه في شهر آذار/مارس الماضي، داعياً إياه إما الى تفكيك طوعي للبرنامج النووي الإيراني وإما الى مواجهة واقع “رهيب“!
فاسرائيل لا تثق بإيران! ولا يمكنها، من وجهة نظرها، أن توافق على ترك إيران تصل الى معدلات تخصيب تسمح لها بامتلاك قنبلة نووية، بمعزل عن نوايا إيران المعلنة!
إن دخول الولايات المتحدة الحرب مباشرة الى جانب اسرائيل هو أمر ممكن في كل لحظة! وخاصة إذا كان هناك حاجة لتدمير بعض الأماكن التي يصعب الوصول إليها مثل الموقع النووي في فوردو في داخل الجبال.
وقد تكون إيران هي المبادرة لضرب القواعد الأميركية في الخليج، في قطر والامارات والسعوديةوالكويت وسلطنة عمان والبحرين… وهي بالتأكيد ستتعرض عندها لرد أميركي عنيف.
الضربة الاسرائيلية لإيران كانت ثلاثية الأبعاد بأسلوب مماثل لضرب حزب الله في لبنان؛ أي ضرب الأهداف الأساسية، وهي المنشآت النووية في إيران، وضرب الدفاعات الجوية ومنصات إطلاق الصواريخ واغتيال القادة الكبار!
لوجيستياً، لا تملك إيران إمكانية استبدال الصواريخ التي تطلقها. فتصنيعها يحتاج الى وقت طويل.
في حين يمكن لاسرائيل التزود من الولايات المتحدة بصواريخ جديدة، كما فعلت منذ حوالى الشهر حين استقدمت 1.500 صاروخ من نوع MK -84. وهي بزنة حوالى الطن الواحد. وكانت قد استُعملت بفعالية في اغتيال السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين في الضاحية الجنوبية لبيروت.
على المدى البعيد، وبعد الضربات العسكرية القوية والمستمرة لا تبدو إيران قادرة على الاستمرار لوقت طويل في الحرب! خاصةً وأن نوعية الأهداف الاسرائيلية قد تتوسع لتشمل مراكز مختلفة في البنية التحتية الإيرانية كاستهداف مطارات مدنية أو مراكز حكومية وغيرها. فقدرة إيران ستضعف عندها شيئاً فشيئاً…
ولا يبدو أن إيران قد قرأت جيداً التوازنات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط!
ولا يبدو أنها قد فهمت أن الشرق الأوسط الجديد قد بات واقعاً. وأن روسيا قد خرجت من المنطقة وأن الولايات المتحدة هي دولة الانتداب أو الاستعمار الوحيد في المنطقة!
ومع ذلك، فإن نقطة انطلاق ضرب إيران جاء نتيجة المكالمة الهاتفية بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. حيث جرى التوافق على عنوان أوكرانيا مقابل إيران! وحيث حصل الرئيس ترامب على غطاء من الرئيس بوتين لجهة رفض حصول إيران على القنبلة النووية.
لم تدرك إيران، أو أنها تقاوم بشراسة فكرة أن الشرق الاوسط الجديد يدور في فلك “الأمن الاسرائيلي”! هذا الأمن الذي سينتج عنه توسع لاحق في اتفاقات أبراهام.
بعد القضاء على قدرات أذرع إيران بشكل كبير من حماس الى حزب الله الى الحوثيين سيستمر استهداف قلب طهران، حتى تغيير النظام! .
ويعني تغيير النظام هنا إضعاف دوره تماماً. من دون محاولة صريحة لقلبه. ويمكن مثلاً محاولة دعم التيار الإصلاحي الرئاسي مع الرئيس مسعود بزشكيان على حساب الحرس الثوري.
اسرائيل ستتابع، كما تفعل في لبنان، مسلسل الاغتيالات في الصفوف العسكرية لقيادة الحرس الثوري الإيراني. لتصل الى كافة قادة الصف الأول، والتاني والثالث… على الأرجح! فالأسلوب الاسرائيلي أصبح واضحاً.
تستفيد اسرائيل، كالعادة أيضاً، من دعم إعلامي كبير. وبخاصة في العالم الغربي الذي ينشر صور مخاطر “الشر الإيراني” في برامجه الإخبارية. ما يجعله ينجح بتجييش الرأي العام الدولي ضد إيران، بعكس فشله في موضوع غزة!
لا تبدو المعركة متكافئة على الاطلاق بين الجانب الاسرائيلي والجانب الايراني. فاسرائيل تتفوق تكنولوجياً وتتفوق في سلاح الجو وتتفوق سيبيرانياً وتتفوق استخباراتياً وتتفوق لوجيستياً… بالإضافة الى إمكانية حصولها على دعم من تحالف دولي يشمل الاتحاد الأوروبي والى دعم مالي ولوحيستي مدني وعسكري من الولايات المتحدة.
الاقتصاد الاسرائيلي يتأثر. والاقتصاد الإيراني يعاني والاقتصادات الدولية ستعاني أكثر من ارتفاع أسعار النفط والغاز. أما الدعوات الأممية والدولية والأوروبية للتهدئة فهي مجرد حبر على ورق!
لا شيء يبشر بحل قريب ولا بتسوية سلمية. ولا شيء يعلو فوق صوت المدفع!