“يد تقود عماي” للشاعرة نجاة الزبير.. ديوان مسافرٌ في متاهات اللغة والروح

“يد تقود عماي” للشاعرة نجاة الزبير.. ديوان مسافرٌ في متاهات اللغة والروح

د.أحمد بلحاج آية وارهام

           سنقارب هذا العمل الشعري –  الذي زرع في كياننا فراديس شعرية خاصة،ما انفك وجداننا يسترجع عبقها – في  ثماني مرايا؛ كالتالي

 1- سحر الشعر وعمق التجربة

   في عالم الشعر، حيث الكلمات ترقص على إيقاع الروح، تبرز تجربة نجاة الزبير في ديوانها “يد تقود عماي” كتجربة فريدة تمزج بين الجمال اللغوي والتخييل العميق. فالديوان ليس مجرد مجموعة من القصائد، بل هو سفرٌ في متاهات العشق والاغتراب، حيث تقودنا يد الإبداع إلى عوالم لا متناهية من الجمال والعمق.

 2 – تشكيل الصور

   تتميز قصائد نجاة الزبير بقدرتها على تشكيل صور شعرية متحركة، تتراقص أمام أعيننا كأنها لوحات فنية. في قصيدة “صُعُودًا نَحْوَ اللَّيْلْ”، تخلق الزبير صورة شعرية بديعة:

كُنْتُ كُلَّمَا تَعَطَّرْتُ بِمَاءِ اُلْهَوَى

رَأيْتُ أُورفْيُوس يُغازلُ قَصِيدِي

هنا، تتحول تجربة العشق إلى مشهد أسطوري، حيث يرقص أورفيوس على أنغام القصيدة، مما يخلق صورة شعرية تجمع بين الجمال الأسطوري والعمق العاطفي.

  3 – لحن داخلي يتردد

   تتميز لغة الزبير بإيقاع داخلي يتردد في أعماقنا، كأنها لحن موسيقي يلامس الروح. في قصيدة “نَوَاقِيسٌ عَلَى بِابِ اُلْعِشْقِ”، تتجلى هذه الموسيقى الداخلية:

ذَرْنِي أُسافر في شرفاتِ هواكَ

أردِّدُ أُغْنِيَاِتي..”

هنا، يتجلى الإيقاع في تكرار حرف الراء، مما يخلق لحنًا داخليًا يتردد في أعماق القارئ، ويجعله يشعر وكأنه يسافر في عوالم العشق.

4 – لغة تتحدى الحدود

    فنجاة الزبير تتجرأ على كسر القوالب التقليدية، وتستخدم لغة شعرية جديدة تتسم بالجرأة والابتكار. في قصيدة “سُقُوطٌ فِي دَائِرَةِ مَعْنَايْ”، نجد مثالًا على هذا التجريب:

وجهٌ لَيْسَ لِي..

المرآةُ الكَاذِبَةُ

تشطِرُنِي نِصْفَيْنِ

هنا، تستخدم الزبير لغة مجردة ومركبة، تخلق دلالات جديدة وتثير التأويل. تعكس هذه اللغة حالة من الاغتراب عن الذات، وتكشف عن عمق الأزمة الوجودية التي تعيشها الشاعرة.

5 – اللغة تعبير عن العاطفة

   تستخدم الزبير اللغة كوسيلة للتعبير عن المشاعر الإنسانية المعقدة بشكل عميق ودقيق ففي قصيدة “لا شيء بيننا”، نجد مثالًا على ذلك:

تَحَوَّلْتُ لِقَطْرَةِ مَاءٍ فِي عُيُونِ اُلْحَزَانَى

هنا، تعبر الشاعرة باقتدار عن إحساسها بالوحدة والضياع من خلال تشبيه بليغ، حيث تتحول إلى قطرة ماء في بحر الحزن، مما يعكس عمق الألم والشعور بالضياع.

6 – عوالم فوق الواقع

   تستدعي نجاة  في ديوانها رموزًا وأساطير لتخلق عوالم متخيلة تتجاوز الواقع. فهي مثلا في قصيدة “صُعُودًا نَحْوَ اللَّيْلْ”، تضع أمام المتلقي مثالًا على ذلك:

رَأيْتُ أُورفْيُوس يُغازلُ قَصِيدِي

حيث تُستخدم شخصية أورفيوس كاستعارة للبحث عن الجمال والخلاص، مما يضيف بعدًا رمزيًا عميقًا ويعكس حالة من الحنين إلى الماضي أو البحث عن الخلاص.

  7 – عوالم من هيولى اللغة

   فالشاعرة الزبير تبني؛وبرهافة عالية؛ عوالم متخيلة من خلال صور شعرية غنية ومركبة، وبلغة مفارقة .. لغة مجردة ومركبة، تخلق دلالات جديدة وتثير التأويل، وتعكس  حالة من الاغتراب عن الذات، وتكشف عن عمق الأزمة الوجودية التي تعيشها الشاعرة.

   وانطلق  معي إلى  قصيدة “أنَامِلٌ تَنُوبُ عَنِّي…”، لتجد مثالًا آخر على هذا التجريب:

هِيَ غَيْرِي

لكِنِّي كُلَّمَا نَظَرْتُ فِي مِرْآتِهَا

رَأَيْتُهَا تَقْرَأُ أسْفَارؤي عَنِّي

فالشاعرة تستخدم

 لغة تحاكي لعبة المرايا، حيث تتجسد الذات في مرآة كاذبة، مما يعكس حالة من الاغتراب عن الذات.كما يتبدى في قصيدة “سقوط في دائرة معناي”،حيث يقف أمامنا :

وجهٌ لَيْسَ لِي..

المرآةُ الكَاذِبَةُ

تشطِرُنِي نِصْفَيْنِ

وتدهمنا صورة شعرية معقدة تعبر عن حالة من الاغتراب عن الذات، حيث تتجسد الذات في مرآة كاذبة، مما يعكس عمق الأزمة الوجودية التي تعيشها الشاعرة.  

 8 – سفرٌ لا ينتهي

   نصعد في سماء الدهشة،وتأتلق مشاعرنا، وتزهر لحظاتنا كلما عانقتنا ديوان “يد تقود عماي”،لأنه؛ بكل المعاني النقدية المتعرشة معرفة؛ يمثل تجربة شعرية لا تنتهي،  تقودنا فيها الشاعرة العالية الرؤيات والرؤى نجاة الزبير في رحلة لاكتشاف عوالم اللغة والروح،من خلال اللغة الشعرية الجديدة والتخييل العميق، اللذين تخلق بهما عوالم شعرية غنية ومعقدة، تعكس هموم الإنسان المعاصر وصراعاته الداخلية.مما يجعل من الديوان سفرا في متاهات العشق والاغتراب،ويجعل  كلمات الشاعرة تلامس أعماقنا ، وتترك بصمة لا تُمحى في وجداننا نسمعها كرنة ناقوس كالتي في قصيدة “نَوَاقِيسٌ عَلَى بِابِ اُلْعِشْقِ”، حيث تتجلى  الموسيقى الداخلية هكذا:

ذَرْنِي أُسافر في شرفاتِ هواكَ

أردِّدُ أُغْنِيَاِتي..”

فتسمعها في تكرار حرف الراء، مما يخلق لحنًا داخليًا يتردد في أعماق القارئ. هذا الإيقاع لا يكتفي بإضفاء جمالية على النص، بل يعكس حالة من الانسياب العاطفي، حيث تتدفق مشاعر الشاعرة كموسيقى لا تتوقف.وتسيل كهمس كما في قصيدة “مَتَاهَاتُ وَجْهٍ حَزِينْ”، التي نجد فيها مثالًا آخر على هذا الإيقاع الداخلي:

يَقْصِفُنِي بِسِرْبٍ مِنَ اُلْغَمَامِ

يَرْشُفُ قَصَائِدِي بَيْنَ أَنْفَاسِ أَرَقِي”. فالإيقاع هنا يتجلى في تكرار حرف السين، مما يخلق إحساسًا بالهدوء والسكينة، على الرغم من موضوع القصيدة الذي يتناول الحزن والاغتراب.

    إن(يد تقود عماي) ليس مجرد مجموعة من القصائد، بل هو سفرٌ في المحلوم به لدى كل ذات يشكل الوجود مواجيدها،ويشيد العشق قيمها العالية في الحياة.

شارك هذا الموضوع

د. أحمد بلحاج آية وارهام

كاتب وشاعر وناقد أدبي وباحث مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!