فالح عبد الجبار: الدولة الفاشلة أساس نمو الحركات التكفيرية

فالح عبد الجبار: الدولة الفاشلة أساس نمو الحركات التكفيرية

فاطمة حوحو

صباح الاثنين 26 فبراير ـــ شباط 2018، لم يتحمل قلب فالح عبد الجبار، فتوفي بينما كان يطل على شاشة التلفزيون في مقابلة مع قناة “الحرة ــ العراق”، إذ فاجأته نوبة قلبية في الاستوديو على الهواء مباشرة، فاعتذر وتم نقله إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، إلا أن قلبه لم يحتمل، وجاء الخبر بعد ساعات قليلة: “فالح غادر هذه الحياة”. ونحن نستذكره اليوم، على أمل عدم نسيان مساهماته الفكرية والسياسية المميزة. 

له كتابات غنية عن التعريف في علم الاجتماع ودراسات عميقة في الفكر السياسي والحركات الدينية، انتشرت في أنحاء دول العالم العربي وفي الجامعات ومراكز الأبحاث الدولية. 

هو مترجم كتاب “رأسمال” لكارل ماركس إلى العربية. الماركسي الذي لم يتجمد فكره، بل ظل يتجدد ويسأل ويواصل البحث والتنقيب، بعيدا عن الكليشهات السياسية. خليفة المفكر علي الوردي، وواحد من أبرز المتخصّصين في دراسة الفكر السياسي والاجتماعي، والتحوّلات الكبرى في بنية المجتمعات العربية والمخيال الشعبي ومتغيّراته عبر التاريخ. من هو فالح عبد الجبار ولد فالح عبد الجبار محمود النعيمي، بمنطقة باب الشيخ في بغداد عام 1946، ودرس الثانوية في الاعدادية الشرقية، وتخصص بعلم الاجتماع في الجامعة المستنصرية، وغادر العراق في العام 1978 إلى لندن حيث عمل أستاذا وباحثا في علم الاجتماع في جامعة لندن، وحصل على شهادة الدكتوراه من كلية بيركبيك، وترأس في هذه الكلية مجموعة بحث المنتدى الثقافي العراقي، كما عمل أيضا مديرا للبحث والنشر في مركز الدراسات الاجتماعية للعالم العربي، في نيقوسيا وبيروت. 

تخصص في دراسة الفكر السياسي والاجتماعي في دول الشرق الأوسط، وتناول في مؤلفاته الدين وصراعاته ودور القانون والمجتمعات المدنية، وخلّف عددا من المؤلفات التي اثرت علم الاجتماع وأبرزها:

– “الدولة والمجتمع المدني في العراق” و”الديمقراطية المستحيلة”، و”معالم العقلانية والخرافة في الفكر العربي”، و”المادية والفكر الديني المعاصر”، و”بنية الوعي الديني والتطور الرأسمالي”، “فرضيات حول الاشتراكية”، و”المقدمات الكلاسيكية لنظرية الاغتراب”.

 كما ترجم عديد الأبحاث والكتب العالمية، أبرزها الاقتصاد السياسي للتخلف، وموجز رأس المال ورأس المال ونتائج عملية الإنتاج المباشرة. 

منذ العام ألفين وثلاثة، يخوض المفكر الراحل فالح عبد الجبار، حوارا مفتوحا بشأن شكل الدولة العراقية، مكرسا جهده لترسيخ مفاهيم المدنية فيها. منظومة العشائر قبيل رحيله، عكف الراحل، على إعداد دراسة “أنثروبولوجية” واسعة عن منظومة العشائر في العراق ومدى تأثيرها على المشهد الاجتماعي، لكن الموت لم يمهله لإكمالها. 

صدر له عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب حول دولة الخلافة في العراق، حاول فيه إعادة النظر في آلية خلق التفكير السني في العراق منذ العام 2003، حيث يعتقد عبد الجبار أن الأزمة الراهنة مع الحركات الجهادية هي نتيجة لما يسميه “الدولة العربية الفاشلة”.

 أسّس صاحب كتاب “معالم العقلانية والخرافة في الفكر العربي” في العاصمة اللبنانية “معهد دراسات عراقية” والذي أداره إلى يوم رحيله، وكان مهتماً بشكل أساسي في الاشتباك مع الراهن في بلاده والمنطقة العربية من خلال عدّته الأكاديمية الصارمة وثقافته الموسوعية المتنوّعة في حقول معرفية عديدة، كما كان يذهب إلى مقولات استشرافية في تحليله للظواهر الاجتماعية، والتي كانت تصيب أحياناً أو تستوضح الصورة الكلية في أقل تقدير. اشتبك مع الراهن من خلال عدّته الأكاديمية الصارمة وثقافته الموسوعية، ففي كتابه “دولة الخلافة: التقدم إلى الماضي (“داعش” والمجتمع المحلي في العراق)”، الصادر عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، استند عبد الجبار إلى فكرة أساسية بأن “الدولة الفاشلة في العراق هي أساس نمو الحركات التكفيرية واستشرائها”، وهي انعكاس لفكرة سابقة تتعلّق بتحوّل النخب العربية الحاكمة إلى “طبقة” مغلقة ودوره في إضعاف الدولة والمجتمع. كما حلّل في الكتاب مخيال المجتمع المحلِّي قبل غزو الدولة الإسلامية المدن الكبرى وبعده، وصورة المخلّص والخلافة بوصفها دولة ريعية، وشبكات العلاقة المجتمعية والتدخلات الإقليمية وتداعياتها المستقبلية في الوعي إلى جانب أثرها في الواقع. 

انشغل في سنواته الأخيرة بدراسة “أنثروبولوجية” موسعة  – ربما لم تكتمل- وهي ترصد منظومة العشائر في العراق ومدى تأثيرها على المشهد الاجتماعي، أحد المواضيع التي ساجل حولها وتناولها في كثير من مقابلاته وجلساته بعد احتلال العراق. 

قدّم عبد الجبار في كتابه “العمامة والأفندي: سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الديني”، قراءة معمقّة للحراك السياسي لدى الشيعة في العراق ضمن سياقاته الاجتماعية والثقافية والأيديولوجية، وربطه بمحطّات أساسية في التاريخ المعاصر، وفهم العلاقة بين المقدس والدنيوي في نشوء التيارات الشيعية المعارضة. وعلى الرغم من ميوله اليسارية والعلمانية، إلا أن سهام نقده الموضوعي طالت الشيوعيين والعلمانيين العراقيين، لعدم قدرتهم على التعبير عن وتجسيد تطلعات الشعب العراقي، وكان يرفض تصنيفه واحدا منهم. 

وهو روى في أحد مقابلاته التلفزيونية بعد عودته إلى العراق إذ عاش مرحلة وجود صدام حسين ما بين لندن وسوريا ولبنان، عن لقائه الأول مع أهله بعد عام 2003 وحجم الفجوة الفكرية بينهما، موضحا كيف أن السحر والخرافة منتشرة بكثرة ولا سيما عند المدرسات والمعلمات فكيف بالطلبة؟!. هكذا كان يحاول فالح عبد الجبار خلق الوعي السياسي في كل مناسبة، وكان يحفز العقل من أجل التقدم بالمجتمع الا انه كان يسخر من الواقع فهو قال مرة: “يتسلى الإنجليز بالنزهة، والألمان بالجري، والفرنسيون بالمقاهي، أما نحن فنتسلى بالنميمة السياسية”. 

كان مقتنعا تماما بما قاله أيضا، بأن “الديموقراطية الحقيقية تستلزم وجود ثقافة مجتمعية تحترم حقوق الفرد”.

Visited 60 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

فاطمة حوحو

صحافية وكاتبة لبنانية