علوش لــ “السؤال الآن”: علينا تعرية الاحتلال الإيراني من وهم المقاومة
أحمد ترو
كل من عرف مصطفى علوش عرفه بالرجل الوفي لتيار المستقبل منذ انتسابه إليه حتى إعلان استقالته، كما اشتهر بثقافته وجرأته السياسية ومواقفه الحادة تجاه أي خطر يهدد السيادة اللبنانية، هذا فضلا عن كونه أكثر الأطباء إنسانية حيث لقّب بـ;طبيب الفقراء”.
علوش هو أحد أبناء منطقة باب التبانة الطرابلسية ولد سنة 1958. تخصص بمجال الطب في الجامعة الأميركية في بيروت. لم تكن الأحوال المادية في بحبوحة خلال فترة الدراسة فتقدم علوش في العام 1984 بطلب إلى مؤسسة الحريري من أجل إعفائه من القسط، فكان له ذلك. وللمفارقة لم يكن حينها أي علاقة سياسية لطالب الطب بـ”الحريرية السياسية”، وتخرج سنة 1985، بعد ذلك التحق بجامعة ميامي في الولايات المتحدة ليكمل دراسته في الجراحة العامة، ليعود إلى لبنان سنة 1993 ويبدأ مشواره الطبي في مستشفى النيني.
سياسيا وحزبيا، شغل علوش العديد من المناصب، ففي العام 2004 أصبح عضواً بمجلس بلدية طرابلس، حيث رشح على لائحة تيار المستقبل وحصد أعلى نسبة من الأصوات، وبعد استشهاد رئيس الوزراء الأسبق الشهيد رفيق الحريري ترشح في العام 2005، إلى الانتخابات النيابية وفاز بها واستمر في منصبه حتى انتخابات 2009. كما تولى منصب نائب رئيس تيار المستقبل حتى إعلان استقالته قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة عبر اتصال أجراه مع رئيس التيار سعدالدين الحريري، واعتبر الأخير الاستقالة نافذة. على أثر الاستقالة اعتبر كثيرون أن المستقبل خسر أبرز قادته وأكثرهم ثقافة ونضجاً في عالم السياسة.
عين الدكتور علوش مؤخراً أميناً عاماً للمجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان، المرتكز على دعائم رئيسية: الالتزام بالشرعية اللبنانية المتمثلة بالدستور المنبثق من وثيقة الوفاق الوطني، والالتزام بالشرعية العربية المتمثلة بالتعاون والعلاقات الطبيعية من دون التدخل في شؤون الدول الداخلية، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية، لا سيما القرارات 1559،1680، 1701.
“السؤال الآن” حاور علوش حول الآلية التي يتبعها المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان، وحول الأخطاء التي ارتكبها “التيار الأزرق” بحقه، بالإضافة إلى مواقفه السياسية الجريئة والصريحة تجاه بعض الأحزاب، ورؤيته لجهة إنقاذ البلاد من غرقه.
– بصفتك الأمين العام للمجلس الوطني لإنهاء الاحتلال الإيراني عن لبنان، ما هي الآلية التي يتبعها هذا المجلس بهذا الصدد؟
– إنهاء الاحتلال الإيراني، المتمثل بالفيلق المدعو حزب الله، التابع للحرس الثوري، مهمة وطنية عامة وليست محصورة بالجبهة الوطنية لمواجهة الاحتلال الإيراني. لكن دورنا هو التعريف بما يعني الاحتلال وإخراج المسألة من البديهي العادي، بفعل الاعتياد وأخذ الأمور كأمر واقع، لا حياة لنا ولا قوة في علاجه. لذلك فإننا نسعى للتوعية وشرح الضرر والخطورة من هذا الوضع، على أمل حشد اللبنانيين سياسيا ووطنيا للمواجهة وتعرية هذا الاحتلال من وهم المقاومة، ووضع الأمور في نصابها بكون أن جزءا وازنا من اللبنانيين لا يعترفون بشرعية هذا الأمر ولا هم راضون عنه.
– هل التدخل الإيراني وحده اليوم يشكل خطرا على السيادة اللبنانية، فكلنا نعلم أن إيران ليست وحدها من تتدخل بالشؤون الداخلية للبنان؟
– صحيح، إن الكثير من القوى الدولية والإقليمية تتدخل بالشأن الداخلي اللبناني، وهو أمر ليس بجديد، في بلد مفتوح على كل التدخلات. لكن الفرق بالنسبة لإيران هو وجود قوة جامحة ووازنة ومسلحة تعلن ولاءها للقيادة الإيرانية ونفذت بالفعل أوامر هذه القيادة، وأدخلت لبنان في حروب وعداوات وضربت اقتصاده ودمرت أمنه السياسي والاجتماعي خدمة للسياسات الإيرانية، لذلك فالفرق واضح.
– هل النزاع الإيراني-الأميركي هو سبب رئيسي في الأزمة اللبنانية؟ وكيف؟
– لا أظن أن مصطلح نزاع إيراني-أمريكي تعبير دقيق، فصراع إيران، كما يبدو، هو مسألة إقليمية في مواجهة مع العديد من دول المنطقة، وقد استمرت مرحلة العداء حتى أيام شهر العسل الأمريكي-الإيراني أيام أوباما، فالإشكال اليوم هو السعي الدؤب لدى الحرس الثوري للسيطرة العسكرية واستتباع لبنان من ضمن دول أخرى، هي حتى اليوم سورية والعراق واليمن.
– كيف قرأت الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله؟
– خطاب نصر الله الأخير، تأكيد مكرر لقدرته واستعداده للتضحية بكل لبناني من أجل خدمة المشروع الإيراني.
– وماذ عن سير المفاوضات المتعلق بترسيم الحدود البحرية؟
– المفاوضات المتعلقة بترسيم الحدود هي كما هو واضح انعكاس للارتباك الرسمي اللبناني، وغياب القرار والمزايدات وإدخال القضية في البازارات الدولية من دون رؤية وطنية تستند إلى المصلحة العامة.
– هل كانت للبنان حصة على طاولة السعودية-الأمريكية في قمة جدة للأمن والتنمية؟
– حصة لبنان في المفاوضات السعودية ـــ الأمريكية كانت محصورة ببعض الشعارات والتصريحات، التي تمثل تكررا لمواقف البلدين حول هذا الموضوع. والدليل أنها لم تكن في موضع صدارة الاهتمامات.
– هل لحزب الله دور فعّال بتيسير انتخاب رئيس للجمهورية؟
– دور الحزب في كل الاستحقاقات الدستورية، منذ سنة 2005، هو دور يستند على القدرة على التعطيل لأي استحقاق لا يناسبه، وبالتالي فهو سيمارس الدور ذاته في الاستحقاق الآتي.
– كيف تقرأ علاقة حزب الله بالتيار الوطني مؤخرا؟ وهل سيحدث الطلاق بعد نهاية ولاية عون؟
– على الرغم من التناقض المنطقي في الأيديولوجية بين التيار الوطني الحر وحزب الله، إلا أن تبادل الخدمات أسس للتعاون بينهما، لا بل أقول تبعية التيار لإرادة الحزب، مقابل الدعم في السلطة والفساد. وأنا وصفت العلاقة منذ بدايتها بزواج المتعة الذي سينتهي بنهاية الاستماع، لكن التيار مرتهن للحزب حتى هذه اللحظة وفي الافق المنظور، ولا أرى انفكاكا وشيكا لتلك العلاقة.
-هل ترى ان تلطيف الأجواء بين بعبدا والسراي الحكومي ضروري؟
– تلطيف الأجواء بين رئيس الحكومة المكلف وفريق رئيس الجمهورية لا يفي في واقع الأمر شيئا، فلا أرى حتى الآن أية بوادر لاحتمال انحسار الأزمة، إلا إن خضع رئيس الحكومة لجبران باسيل في التأليف.
– ما هو السيناريو الأقرب إلى الصواب في رأيك، فيما يتعلق بانتخاب رئيس جديد وتشكيل الحكومة العتيدة؟
– إن لم يحدث تطور إقليمي كبير فأرى أن الفراغ الرئاسي هو المرجح، أو أن يفرض حزب الله مرشحه بالقوة في حال استمرار شد العصب الدولي والاقليمي، ولا اعتقد أن ميشال عون سيخرج من قصر بعبدا في حال استمرار عدم وجود حكومة شرعية في الحالية، وستكون الحجة هي عدم جواز ترك البلد للفراغ، من هنا فإن السبيل الوحيد لخروج عون، بغض النظر عن انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، هو في حكومة لا تخضع لشروط جبران باسيل في تشكيلتها.
– من الأوفر حظا للوصول إلى سدة الرئاسة، ومن يتمنى له مصطفى علوش أن يصل؟
– من سيصل إلى سدة الرئاسة مرتهن للتوازنات التي قد ترتسم في الشهرين القادمين، لأنه لكل احتمال اسم مختلف، أما أنا فأختار فارس سعيد أو زياد بارود لرئاسة الجمهورية.
– هل تندم على مسيرتك داخل تيار المستقبل؟
– من غير المفيد ولا المنطقي الوقوع في دوامة الندم في العمل السياسي، كما أراه كتجربة نضالية فيها العثرات والهزائم، كما اللحظات المنيرة. لكني أعترف إنني صابرت أكثر بكثير من المنطقي، صبري على أمل تحويل المسار نحو حزب ديموقراطي وشفاف، ووصلت إلى عكس ذلك. لكنني حزين على آلاف الشبان والشابات الذين أحبطت آمالهم في تيار وطني نزيه، بوجود شلة من الفاسدين والنصابين في مواقع قيادية.
– هل يمكنك أن تحدثنا عن الأخطاء التي ارتكبها تيار المستقبل بحقك؟ وما هو السبب الرئيسي لخروجك من هذا التيار؟
– اعتبر أن الإساءات بحقي في التيار كانت بمحاولة تحجيم دوري بشك متكرر من قبل حاسدين أو فاسدي الفكر حول رئيس التيار، وإقصائي عن مواقع قرار رسمية منذ سنة 2009 من قبل المحيط المؤثر على قرار سعد الحريري، لكن الاساءة الأخيرة كانت في سكوت الرئيس عن الاستهداف المتكرر بحقي من قبل كوادر في التيار، كما سكوته عن عملية نصب واحتيال موصوفة من قبل أمين عام التيار خلال الانتخابات الأخيرة.
– هل سيستطيع نواب التغيير تشكيل معارضة فعالة في المجلس النيابي وطرح البدائل الممكنة لرفع لبنان من قعر حهنم؟
– لا أظن أن نواب التغيير حتى الآن يبشرون بأي تغيير جدي، ومازالت مقارباتهم إما قاصرة، أو رافضة، أو هامشية. ولا أظن أن حجمهم ولا أداءهم سيؤثر على المسار التافه التقليدي للبرلمان وللعمل السياسي.
– هل لديك تصور واضح عن كيفية الخروج من الأزمات التي يعيشها لبنان سياسيا واقتصاديا وماليا؟
– إن الخروج من الأزمات يبدأ بوجود دولة واحدة ممسكة بكل القرارات السيادية والاقتصادية والسياسية، قادرة على إعادة البلد على سكة العلاقات السوية مع العالم، ويحكمها حكماء ورجال دولة قادرون على اتخاذ القرارات الصعبة وغير الشعبية، للوصول إلى بر الامان. لكن كل ذلك لن يحصل إلا بزوال الاحتلال عن لبنان.