اتحاد كتاب المغرب.. بين حلّ الأزمة وتكريسها 3/2
صلاح بوسريف
هذا الوضع، بكل تشابُكاته، جعل الانتخاب في القاعة، هو تحصيل حاصل، لأن الانتخاب، وأعضاء المكتب، والتحالفات، من يكون، ومن لا يكون، كلها كانت تجري في مقر الحزب، أو في ليلة ما قبل انتخاب المكتب، وتعيين الرئيس. ورغم هذا، فالاتحاد كان حاضراً، وكان موجوداً، بكل الأعطاب، وبكل أشكال التمييز والإلغاء والإقصاء في حق أعضاء من الاتحاد دون غيرهم، وكان الناس يعرفون أن هناك اتحاداً للكُتَّاب، وأن هناك ندوات ولقاءات ومؤتمرات ومُحاضرات ومجلة للاتحاد وكُتُب تصدر بين الفينة والأخرى، وصفحات وملاحق ثقافية تُتابع ما يجري ثقافياً، ما كرَّس أسماء دون غيرها، رغم أنَّ الكثير منها، اليوم، انطفأ، من حيث القيمة الثقافية والإبداعية، ولا أتكلَّم عن الظهور الإعلامي الذي ما زال إلى اليوم يستعمله بعض هؤلاء، كسجل تجاري، لا علاقة له بالوضع الاعتباري للمثقف.
خارج الاتحاد، كانت فئة من المثقفين الذين لم تكن لهم علاقة بالاتحاد، تتشكَّل، إما في فضاءات بعض الجامعات أو الجمعيات، وإما بما شرع يظهر ويصدر من كتب كان لها دور مؤثر في الباحثين والطلبة والقُرَّاء، وهي الفئة التي سعى الاتحاد فيما بعد لاستدراج بعضها إلى الاتحاد، أو إلى اعتبارها متعاطفة مع الحزب، كون أغلب هؤلاء كانوا أصحاب ميول فكرية حداثية، دون أن أقول يسارية.
هذه الفئة أو الشريحة، منها من ليس عضواً في الاتحاد إلى اليوم، ولم يكن الاتحاد، بدوره يعبأ بها، لأنَّ هؤلاء نذروا عملهم، وشغلهم بالكامل إلى الثقافة والفكر والإبداع، رغم استجابتهم لبعض دعوات الاتحاد، أو حضورهم في بعض الندوات والمهرجانات العربية، التي كان مُكرَّسَة للفرقة الناجية في الاتحاد، دون كل الأعضاء، خصوصاً من كانوا منهم خارج علاقات الولاء أو الانتماء، أو حتى داخل الانتماء نفسه، كانوا متمردين رافضين، ويُجادلون في شؤون الاتحاد، أو ينتقدون سيره وسياسته، وما فيه من هيمنة طرف على خيرات الاتحاد، بكل ما تعنيه كلمة خيرات من معانٍ وإيحاءات.
السؤال الذي يطرح نفسه علينا هنا بحدة، هو: أين الثقافة من كل هذا، وأين استقلالية المثقف، وأين التأثير الثقافي للمثقف من خلال الاتحاد في الوضع العام، وهل الاتحاد كان له مشروع ثقافي مجتمعيّ ما، وكانت له سياسة ثقافية، أو دافَعَ عن سياسة ثقافية ما، ولماذا، حين وقع انهيار الاتحاد، كان انهياراً شاملاً، ودلَّ في شموليته على تسوُّس ما كان يجري في أساساته التي قام عليها، ولماذا هذا الانهيار حدث بعد انهيار فترة التناوب، وانقلاب الدولة على الحزب الذي كان الغالب في الانتخابات، ومن كانوا السبب الحقيقي في هذا الانهيار، أو عجَّلُوا به، وساهموا فيه بأسرع من الوتيرة التي كان سيحدث بها؟
طالما كتبنا ننتقد وضع الاتحاد، وما آل إليه من انهيار، ومن فساد في الرؤية والموقف، ومن فقدان تامّ للاستقلالية التي ليست وليدة واليوم، بل إنَّ مآلاتها التي جاءت بعد الحزب، كانت السقوط في أحضان السلطة، والدعاية لها، والدخول في دواليبها، دون مسافة أو تحفُّظ، أو حماية للاتحاد، والحرص على اختلافاته الفكرية، وما كان يحمله من أبعاد رمزية، لا يمكن التغاضي عنها. وهذا الوضع البئيس، تداعياته شرعت تظهر مند أواخر التسعينيات من القرن الماضي، من خلال البرامج، ومن خلال الجهات التي كانت تدعم هذه البرامج، وما صار يتلقاه الاتحاد من دعم من أكثر من جهة، دون العودة إلى مباديء الاتحاد والأسس أو التعاقدات التي قام عليها، وهنا، وفي هذا الوقت بالذات، شرعت قِيَم الاتحاد الثقافية، وحتَّى السياسية تتداعى، وشرع الأفراد يحلون محلَّ الحزب، كون الحزب لم يعد يشغله الاتحاد، لأن المناصب التي وصل إليها، كانت أكبر وأهم من الاتحاد نفسه، الذي بدا غنيمة، خراجُها هزيل.
الاتحاد صار يعمل دون مسافة مع الحكومة، ومع وزارة الثقافة التي أصبح رئيس الاتحاد آنذاك جزءاً من مكاتبها، إبَّان فترة التناوب، بدل أن يبقى الاتحاد ممثلاً للمثقفين الذين ينتمون إليه، لا إلى الحزب من داخل وزارة الثقافة التي استفادت من الاتحاد، ولم يستفد منها الاتحاد شيئاً، اللهم المآرب الشخصية لمن كانوا يعرفون ما يريدون من هذا التنازل المُريع الذي كان أحد أسباب ذهاب الاستقلالية، وذهاب المعنى الثقافي للاتحاد، الذي كان شرع يتآكل بالتدريج، إلى أن بلغ ذروته فيما هو فيه اليوم من تفتُّت وتفكُّك وغموض كبير.
Visited 6 times, 1 visit(s) today