بولندا في مواجهة “البروباغندا” الروسية
د.خالد العزي
على مدى ثلاثة ايام انعقد في العاصمة البولندية في وارسو اجتماع السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية والسفراء المرشحين البولنديين في 20 حزيران ــــ يونيو الماضي، والذي تنظمته وزارة الخارجية سنويا على شكل مؤتمر دبلوماسي. وتم خلاله مناقشة أهداف واتجاهات وتحديات السياسة الخارجية البولندية في المستقبل، وكما اتضح فيما بعد تركزت المناقشات على حرب أوكرانيا وما تسميه موسكو بالعملية عسكرية خاصة.
لأول مرة يعقد مثل هذا الاجتماع مع “التعقيم” الكامل للدبلوماسية البولندية من خريجي الجامعات الروسية، تم تحديد الدعوة من قبل وزير الخارجية زبيغنيو راو، الذي تطرق على الفور إلى النزاع المسلح في البلد المجاور، وكان مفاجئًا إلى حد ما التصريح بأن بولندا كانت تتساءل عن إنهاء الأعمال العدائية منذ بداية الأعمال العدائية في أوكرانيا، موضحا أن الابتزاز النووي من قبل الرئيس الروسي يؤثر على ذلك، ولم يتحقق أي من أهداف الكرملين الاستراتيجية، كما قال راو، لكن الصراع أثر على التعاون غير المسبوق بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، الذي أصبح تحالفًا أقوى وأكثر جدوى من ذي قبل. وشدد الوزير على أهمية الدعم العسكري والسياسي والإنساني لأوكرانيا.
تعتبر الدعوة البولندية للاجتماع بالدبلوماسيين نوع من تحرك جاد للعمل الدبلوماسي الدعائي من خلال مقاربة دبلوماسية جديدة تسلكها بولندا في موجهة ضد روسيا، لان الدبلوماسيين هم وسائل اعلامية مباشرة وغير مباشرة لدولتهم في الخارج وبامكانهم التأثير الفاعل على الرأي العام العالمي في هذه الحرب الدولية.
لقد بدت دعوة وزير الدبلوماسية راو لمحاربة المعلومات المضللة، وخاصة الروسية بحسب قوله، تحاول زعزعة استقرار الوضع في الدولة، كونها تواجه تغطية أحادية الجانب للصراع الروسي الأوكراني، وتستند إلى المصادر الأوكرانية وتكتم حقائق ما يحدث لمسرح العمليات. وترى روسيا بان المعلومات المضللة البولندية أدت إلى انخفاض تعاطف البولنديين مع الروس إلى 2%. استنادًا إلى النشاط الدولي لروسيا خارج أوروبا، ودعا راو إلى التعبير عن وجهة النظر البولندية، التي لها أهمية خاصة الآن في بلدان أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا.
لكن لا بد من الوقوف امام الموقف البولندي باتجاه روسيا فهو ليس حديث الساعة بسبب العملية العسكرية التي تقودها روسيا ضد اوكرانيا، فالخلاف قديم جدا وربما بولندا تتحسس الخطر القادم من روسيا تاريخيا وتحاول اليوم الوقوف بوجه، فكل طرف من الطرفين يرى بان الآخر يحضر لمحاربة الطرف الاخر، لكن بولندا تتخوف فعليا من أعمال روسيا الموجهة ضدها وخاصة بان العلاقة المتأزمة ليست على مستوى الرؤساء بل على مستوى الشعب الذي يجاهر بالعداء للآخر.
لقد وصف رئيس الحكومة للدبلوماسيين في الخارج الوضع الذي تراه السلطات من المركز نتيجة الإجراءات الهجينة في بيلاروسيا، وفي أوكرانيا وأزمة الطاقة التي أظهرت أن التهديدات لا تزال حقيقية وغير مسبوقة.
واتضح أن بولندا هي نوع من المركز تسترشد به دول أخرى كثيرة. وأكد رئيس الوزراء مورا فيكي: “ليس فقط بلدان كتلة ما بعد الشيوعية، ولكن أيضًا كل الدول الأخرى التي أدركت مدى قوة التهديد الذي تمثله روسيا”. وأضاف دون أي تواضع: “بولندا زعيمة المنطقة وزعيمة التعاون عبر الأطلسي. ويمكن أن تصبح أحد قادة أوروبا الجديدة “.
ويمكن الاشارة بانه في اجتماع الدبلوماسيين للعام 2010 كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هو ضيف الشرف الذي قدمت له الدعوة لحضور المؤتمر السنوي بينما احتل مركز الشرف هذا العام فينسينت بيروتا، وزير الخارجية والتعاون الدولي لرواندا.