مهمة هوكشتاين الصعبة .. بين الترسيم والتطبيع والحرب
د.خالد العزي
تتصاعد وتيرة التهديدات الاسرائيلية متوعدة بإعادة لبنان الى العصر الحجري، فيما يواصل “حزب الله” استقدام اسلحته وصواريخة إلى لبنان، الا ان المؤشرات المنطقية لا توحي بمواجهة منتظرة، ومن المتوقع أن يهاجم “حزب الله” بحسب السيناريو “الأوكراني”، حيث تعتزم إدارة جوزيف بايدن الضغط على لبنان لإكمال الحوار مع إسرائيل. وقد تم إرسال كبير مستشاري الطاقة في البيت الأبيض المفاوض آموس هوكشتاين منذ فترة الى اسرائيل ويتوقع ان يتابع مهمته في لبنان قريبا لترسيم الحدود البرية، وبالطبع الوضع على الحدود متوتر بسبب قيام الحزب بنصب خيمة على حدود متداخلة متنازع عليها بين اسرائيل ولبنان وسوريا في قرية الغجر، مما يتطلب ترسيم حدود بين اسرائيل وسوريا وليس فقط بين لبنان واسرائيل.
المسؤولون الإسرائيليون، بحسب منشورات محلية، يحسبون أصعب السيناريوهات لمواجهة مسلحة مع “حزب الله”. وقد تحدثت صحيفة “الديار” اللبنانية سابقا عن انتظار وصول هوكشتاين إلى بيروت هذا الشهر. والزيارة ستتزامن مع بدء الحفر في منطقة البحر الأبيض المتوسط للغاز رقم 9، وتسوية الحقوق التي كانت جزءا من الاتفاق البحري العام الماضي بين إسرائيل ولبنان.
وتشير الديار إلى أن للدبلوماسي مهمة خاصة لإبلاغ المسؤولين اللبنانيين بأن بلادهم ستدفع ثمن أي تحرشات أمنية مع الجانب الاسرائيلي. في الوقت الذي تبدي فيه دول عربية استعدادا لإجراء اتصالات مع إسرائيل للتوصل الى حلول، ونقلت “الديار” عن مصادر في بيروت قولها إن التطبيع مستحيل لأسباب موضوعية لكن الضغط الأمريكي مقلق.
بعد اجتماع مع قادة الجيش الإسرائيلي، وعد وزير الدفاع اليهودي يوآف غالانت في حديثه في 8 \8\2023 بأن بلاده، في حالة وقوع مواجهة مسلحة، يمكن أن “تعيد لبنان إلى العصر الحجري”. وقال “لن نتردد في استخدام كل قوتنا ومهاجمة كل متر مربع من حزب الله والأراضي اللبنانية”. “لا تخطئوا، نحن لا نريد الحرب، لكننا مستعدون للدفاع عن مواطنينا وجنودنا وسيادتنا”. هذه هي أقسى التصريحات التي أدلى بها غالانت في منصبه. كما أنه من غير المعهود لم يضع لبنان على قدم المساواة مع حزب الله، وهي محاولة إسرائيل عرضية للتمييز بين الحكومة في بيروت وأعضاء حزب الله.
وقد قيلت كلمات وزير الدفاع بنفس أسلوب التصريحات التي ألقيت قبل أيام في محادثة أجراها وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين مع موقع “إيلاف”. وقال رئيس الدائرة الدبلوماسية إن نصر الله ضعيف و”مختبئ في قبو”. وأكد رئيس الدبلوماسية الإسرائيلية أنه “في حال وقوع عدوان من الأراضي اللبنانية يمكن لإسرائيل أن تعيد لبنان إلى العصر الحجري”.
ووفقل لمصادر فإن القوى القريبة من إيران في المنطقة لا يسعها إلا أن تنظر إلى الأزمة السياسية التي نشأت وسط مبادرات حكومية مثيرة للجدل بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على أنها فرصتها التاريخية.
ومع تفاقم الحالة بسبب الحوادث الحدودية التي يفسرها المسؤولون الإسرائيليون بشكل لا لبس فيه على أنها استعدادات حزب الله للقتال. فإن الحقيقة أن “حزب الله” لا يعارض اختبار قوة “الخطوط الحمراء” مع اسرائيل وقد أوضحها مراراً أمينه العام حسن نصر الله في خطاباته الاخيرة، وترافقت مع الاحتجاجات في إسرائيل ضد الإصلاح القضائي، والتي انضم إليها الآلاف من جنود الاحتياط من جيش الدفاع.
ونقلت صحيفة “إسرائيل هيوم” عن مصادر، أن إسرائيل تدرس أصعب سيناريوهات المواجهة بالقرب من حدودها الشمالية. وبحسب هذه توقعاتها، قد لا تقتصر الاشتباكات العسكرية على ساحة واحدة فقط: من المتوقع حدوث تصعيد متزامن، بما في ذلك من قطاع غزة. تشير التوقعات إلى أن إسرائيل في الأيام الأولى للصراع ستواجه عددا غير مسبوق من الصواريخ التي سيتم إطلاقها على أراضيها، اكثر من 6 آلاف. ثم تقول مصادر “إسرائيل هيوم” أن شدتها قد تنخفض إلى 1.5 ألف وألفي صاروخ. ومع ذلك، فإن ديناميكية القصف هذه ستضع ضغطًا خطيرًا على قدرات إسرائيل الدفاعية والجوية المضادة للصواريخ.
يمكن للصراع الروسي ــــ الأوكراني أن يؤثر على حسابات حزب الله العسكرية. وبالتالي، يُنظر إلى التنظيم العسكري السياسي الشيعي على أن لديه شهية لاستخدام الطائرات بدون طيار على نطاق واسع ضد البنية التحتية الحيوية لإسرائيل. على وجه الخصوص، يشعر الخبراء بالقلق بشأن سلامة مرافق الطاقة، والتي قد يؤدي فشلها إلى شل البلاد. يقول مسؤولو الأمن إن مهمتهم هي إغلاق جميع نقاط الضعف حول هذه النقاط الاستراتيجية. وبإختصار، أن كل هذه التحديات تجعل من الممكن فهم رغبة بعض القادة في التخفيف من حدة الزوايا الحادة في الحوادث على الأرض.
وبهذا الخصوص نشرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية بتاريخ 8\8\2023 في صفحاتها عن تهديد اسرائيلي ضد لبنان حيث معقل حزب الله حليف روسيا من قبل حليفتها الطبيعية اسرائيل، وروسيا لم تحاول الضغط على حلفائها لعدم التهور بممارسة هذه الألعاب التي يدفع ثمنها الشعب اللبناني، بالوقت الذي حاولت فيه الصحيفة الاشارة الى ان الهدف الأمريكي التطبيع مع اسرائيل دون الدخول في تفاصيل اجندة ايران الواضحة في استخدام لبنان ورقة ضغط.
لكن ليس من الواضح ما إذا كانت حكومة نتنياهو مستعدة للوفاء بتهديد سيناريو عسكري واسع النطاق ضد أحد الجيران أو ما إذا كانت تنوي اللعب جنبًا إلى جنب مع مبادرات فريق بايدن، لكن هناك أمرًا واحدًا واضحًا: مبادرات تطبيع العلاقات بين إسرائيل ولبنان أصبحت الآن غير قابلة للتحقيق من الناحية الموضوعية. ومن المرجح أن تؤدي المهمة التي يتجه بها هوكشتاين إلى بيروت إلى غرس عدم الثقة في حكومة أرض الأرز في خدمات الوساطة الأمريكية بدلاً من إقناعه بملاءمة عملية التفاوض وآفاق اتفاقيات حدودية جديدة.