الشرق الأوسط .. ساحة المفاجآت مجددا

الشرق الأوسط .. ساحة المفاجآت مجددا

أحمد مطر
من جديد يثبت الشرق الاوسط انه ساحة المفاجآت غير المحسوبة ، فالامور كانت ذاهبة في اتجاه التهدئة حتى تنفيذ عملية طوفان الاقصى ، والتي اخذت المنطقة برمتها الى مكان اخر لا يستطيع التكهن بما ستؤول اليه الامور فيها ، انها حرب طويلة. هذا ما يردده الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني. وقد تمر هذه الحرب بتعرجات يفرضها تدحرج وقائع هذه الحرب وردود الفعل بين تفاوض وقتال، فيتوسع مداها في بوتقة وحدة الساحات من قبل محور الممانعة، أو يتمّ ترك غزة لمصيرها .
ومع استمرار عملية زلزال غزة والإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الإسرائيلي في القطاع المنكوب والأحاديث المتزايدة عن قرب تنفيذ اقتحام برّي وتحرك جبهة الجنوب مع الشمال الإسرائيلي متجاوزة قواعد الاشتباك التقليدية، لم يكن أي مسؤول في الدولة اللبنانية قادراً على تحديد مدى انزلاق الحزب والتنظيمات الفلسطينية العسكرية الناشطة في لبنان صوب مربع الحرب في غزة .
من جهة ثانية انقلاب الوضعين الإقليمي والدولي بعد طوفان القدس، فضلاً عن أنه وضع لبنان في مرتبة أكثر تأخراً من الاهتمام، عن تلك التي كان هبط إليها، بفعل الانشغال الأوروبي والأميركي والعربي بأولويات عدة أخرى، فإنه صرف الوساطات الخارجية عن محاولة إيجاد مخرج من مأزق الفراغ الرئاسي، لتنصب الجهود على محاولة احتواء التصعيد على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية، وعلى مساعي تفكيك إمكان انفجار مواجهات عسكرية على أكثر من جبهة، ومنها ساحة لبنان .
وبالنظر إلى ما يجري على الحدود الجنوبية، وفي ظل تسارع الأحداث على نحو ينذر بالأسوأ، فإن المراقبين يعتبرون أن الوضع ذاهب باتجاه التصعيد، لكن يبدو بوضوح أن الطرفين، يخشيان البدء في فتح أبواب المواجهة، فحزب الله لا يريد أن يكون هو المبادر، لكنه بالتأكيد لن يتردد في التصدي لأي هجوم تقوم به إسرائيل، باعتبار أنه أعد العدة لكل الاحتمالات. وعلى هذا الأساس فإنه لا يمكن التكهن بمسار الأمور على الجبهة الجنوبية، وإن كانت المعطيات تشير إلى أن موعد الانفجار لم يعد بعيداً، في ظل استمرار حركة نزوح سكان المناطق الحدودية باتجاه المناطق الآمنة، في وقت دعت الجبهة الداخلية الإسرائيلية سكان المناطق الحدودية الشمالية للدخول إلى الملاجئ، أو إلى مغادرتها. وهذا نذير باقتراب الموعد. وإن كشفت الأحداث الأخيرة عودة منطقة جنوب الليطاني، لتكون ساحة للمنظمات الفلسطينية، على غرار حماس والجهاد الإسلامي، في حين يفترض أن تكون في عهدة الجيش اللبناني وحده .
فالمخاوف، اللبنانية والدولية من مغامرة إيرانية وبالتالي من قبل الحزب على الجبهة اللبنانية تبقى قائمة في كل الأحوال. فالقوى السياسية اللبنانية المعارضة للنفوذ الإيراني ودور حزب الله على الساحة اللبنانية تنطلق من أن لا شيء يمكن أن يردع الأخير عن القيام بأي مغامرة قاتلة، إذا اتخذت طهران قراراً بذلك. لا الوضع الاقتصادي المنهار ولا الجبهة السياسية الداخلية المفككة والمهترئة ولا بدء الأصوات المتضامنة مع الفلسطينيين التي بدأت تحذر الحزب من احتمال إقحامه لبنان في الحرب الطويلة الدائرة ومن تدمير لبنان، ستكون رادعة للحزب ولا تلقى آذاناً صاغية إذا صدر قرار إيراني يلزم ذراعه اللبنانية
في انتظار اتضاح قرار الحزب وإيران في شأن احتمال فتح جبهة لبنان ورجحان كفة التوقعات بأن تبقى العمليات التي يشهدها الجنوب منذ صباح 8 تشرين الأول، تحت سقف عدم الانزلاق إلى حرب
المخاوف المذكورة قد يتضح مدى صحتها بعد زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت. والتجاهل الدولي الإقليمي لمساعدة لبنان على معالجة أزمته لن يتراجع إلا بعد أن تبدأ المفاوضات التي يفترض أن تلي الحرب القائمة في غزة. وهو أمر لا يبدو واضحاً توقيته طالما الكلمة لصوت المدافع، ولمحاولة إسرائيل الرد الوحشي على الصفعة الكبرى التي تلقتها .
ختاماً السؤال الذي يطرح، هل سيصار إلى جر لبنان إلى هذا الطوفان، استناداً إلى ما يجري في جنوبه من أحداث أمنية متسارعة، ترد مصادر سياسية معارضة بالتأكيد أن القرار عند حزب الله ومن خلفه الإيرانيون الذين يدعمون كل حركات المقاومة. فإما أن يبقى ما يجري على الحدود في إطار الرسائل، أم أن هناك قراراً بالتفجير الواسع، مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من أثمان باهظة سيدفعها لبنان، كما في كل مرة، مشددة على أنه ثبت أن قرار الحرب والسلم بيد الحزب وحده، وأن لا قرار للدولة وقواها العسكرية والأمنية في كل ما يجري. وسط تساؤلات عن مصير الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، وهل يمكن أن يكون ضحية أي حرب محتملة بين الحزب وإسرائيل، وتشير إلى أن كل الملفات الأخرى قد وضعت جانباً، لأن الحزب مشغول بالحرب، وهو الذي كان في الأساس لا يقدم التسهيلات لإنجاز الملف الرئاسي، فكيف بالأحرى في ظل هذه الظروف التي تستدعي من الجميع وضع مصلحة لبنان فوق أي اعتبار، بعيداً من أي مغامرات غير محسوبة العواقب .

Visited 4 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني