تركيا ومستقبل الدولة الفلسطينية …
د. خالد العزي
إن مفهوم تركيا لإدارة غزة يتحدى الولايات المتحدة وإسرائيل لان الرئيس أردوغان لا يرى مستقبلا لغزة بدون حماس، حيث تعتزم تركيا مناقشة الموضوع مع دولة الإمارات العربية المتحدة وتحديدا في الهيكلية لما بعد الصراع في قطاع غزة. وبحسب المنشورات الصادرة باللغة التركية، ينبغي أن يكون هذا أحد المواضيع التي ينوي الرئيس رجب طيب أردوغان طرحها على هامش المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28، التي بدأت في 30 تشرين الثاني/نوفمبر في دبي. وتراهن أنقرة على إقامة دولة فلسطينية مستقلة. و برأيها، لا يمكن حكم غزة دون مشاركة حركة حماس، وفقا لما تريد إسرائيل والولايات المتحدة تفكيك نظامها.
وذكرت صحيفة حرييت أن أردوغان توجه إلى الإمارات لحضور قمة الأمم المتحدة للمناخ بهدف مناقشة، من بين أمور أخرى، وضع قطاع غزة بعد الصراع. وتروج أنقرة لمبادرتها الخاصة التي تتناقض مع خطط الولايات المتحدة وإسرائيل. وبحسب الصحيفة، فإن الجانب التركي يؤيد الفصائل الفلسطينية التي تحكم القطاع الساحلي. وشددت على أنه في فهمها فإن صيغة النظام السياسي دون مشاركة حماس لن يكون لها أي فرصة للنجاح. وجاء في تقرير حرييت: “يجب الآن إعطاء الأولوية لإقامة دولة فلسطينية؛ ولا يمكن وقف إراقة الدماء دون حل الدولتين”.
لقد كشفت أنقرة بالفعل عن جزء من رؤيتها. وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: “نقترح أن تصبح بعض دول المنطقة ضامنة لفلسطين، بما في ذلك تركيا”. – الدول الأخرى ستصبح ضامنة لإسرائيل. و يتعين على هذه الدول أن تتحمل مسؤولية تنفيذ شروط التسوية”. ووفقا له، فإن المبادرة لا تزال قيد الإعداد، ولكن سيتم طرح بنودها الرئيسية على “جمهور أوسع”. وأشار فيدان: “نحن نقدم هذه الفكرة كخيار رئيسي”. – إذا كانت إسرائيل تريد الأمن لنفسها في المنطقة، فيجب أن يكون للفلسطينيين دولتهم الخاصة. بهذه الطريقة فقط يمكن ضمان السلام الدائم”.
لقد أكد أردوغان نفسه علناً على أن غزة يجب أن تصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية المستقلة التي يتم تأسيسها بعد انتهاء القتال. وقال الرئيس التركي في إحدى خطاباته: “نريد أن نرى غزة منطقة مسالمة وجزء من دولة فلسطينية مستقلة، وفقا لحدود عام 1967، ووحدة أراضيها وعاصمتها القدس الشرقية”. سندعم الصيغ التي من شأنها إحلال السلام والهدوء في المنطقة”. وفي الوقت نفسه، أشار أردوغان إلى أن أنقرة ترفض إفساح المجال لمثل هذه الخطط لمرحلة ما بعد الصراع التي “ستزيد من تعقيد حياة الفلسطينيين و التي تحاول محوها تدريجياً من المشهد التاريخي.
وهذا يشكل تحدياً مباشراً للمفهوم الأميركي، الذي يقضي بأن إدارة غزة بعد الحرب يمكن أن تتولى مؤقتاً دول العالم العربي، بما في ذلك أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وتحظى هذه الفكرة بدعم مراكز الأبحاث الكبرى في إسرائيل.
لقد أصبح الخطاب التركي أكثر قسوة بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة. وفي اليوم السابق، وصف أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه “جزار”. فمنذ 7 أكتوبر، يتعرض إخواننا وأخواتنا في غزة لأبشع الهجمات في تاريخ البشرية. وقصفت مساجدهم. وتحولت مدارسهم إلى أنقاض. وأصبحت مخيمات اللاجئين التي لجأوا إليها هدفاً لهجمات متعمدة. نتنياهو كتب اسمه بالفعل في التاريخ باعتباره جزار غزة.
فإن الجانب التركي لم يقرر بعد فرض حصار اقتصادي على إسرائيل. وقال مصدر من صحيفة الأخبار اللبنانية، المقربة من حزب الله، وبالتالي من القيادة الإيرانية، إنه خلال المفاوضات المباشرة، طالب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بشكل مباشر أردوغان بفرض عقوبات اقتصادية على الدولة اليهودية. و أن الرئيس التركي رد بالرفض القاطع. ويسجل المنشور وجود تناقضات خطيرة بين الدول فيما يتعلق بغزة، الأمر الذي أدى إلى تأجيل زيارة رئيسي المرتقبة إلى تركيا.
ووفقا لدراسة حديثة أجرتها شركة ميتروبول، وهي واحدة من أكثر الوكالات الاجتماعية موثوقية في تركيا، فإن 30% فقط من مواطني الجمهورية يعتبرون حماس منظمة إرهابية، في حين يتفق 55% مع تقييمات أردوغان، الذي برر المنظمة. يتأرجح تأييد موقف الرئيس التركي بشأن فلسطين في حدود 54%. 36% فقط من الأتراك لا يوافقون على توجه البلاد. ويظهر الشعب التركي أيضاً درجة من البراغماتية عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاقتصادية. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة ميتروبول أن نحو 35% يقولون إن على تركيا وقف التجارة مع إسرائيل، بينما يعارض 38% القطع الكامل للعلاقات.
وفي تحليله، يربط معهد بروكينغز موقف أنقرة المتشدد بالانتخابات البلدية المقبلة في اذار /مارس 2024. ووفقاً لهذه التقديرات، من المرجح أن يكون الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في قلب أجندة الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان. وفي الوقت الذي تعاني فيه تركيا من صعوبات اقتصادية وتواجه انتخابات محلية مهمة، بما في ذلك المعركة التي تلوح في الأفق من أجل مدينة إسطنبول، فإن التركيز المستمر على محنة الفلسطينيين يساعد في توحيد الناخبين المحافظين حول الرئيس التركي.
من هنا لابد من القول بان الدول الاقليمية تحاول حجز مكان لها في عملية التسوية القادمة للصراع الفلسطيني الاسرائيلي بعد عملية طوفان الاقصى وبالرغم من الجميع يتوافق مع الطروحات العربية بإنشاء الدولة الفلسطينية المستقبلية لكن كل طرف يريد ن يحجز مكان في هذه التسوية القادمة .