حضور شاحب لنابليون في فيلم ريدلي سكوت
كاركاسون-المعطي قبال
يعرف الجمهور العريض في القارات الأربع المخرج البريطاني- الأمريكي ريدلي سكوت، صاحب فيلم «كلادياتور»، آليان ورومبلوس، بليد راينر، وفيلم مغامرات الطريق مثل ثالما ولويز، أفلام تتراوح مواضيعها بين الرعب، الخيال العلمي، المغامرات لأشخاص بدائيين مثخنين بالوحشية. وفي كل مرة كان الجمهور على الموعد، متحمسا، معجبا بالأسلوب في الإخراج والتوجيه واداء الممثلين.
بعد أدائه الناجع في فيلم كلادياتور، قرر ريدلي سكوت إعادة تجنيد خواكين فينيكس، أحد نجوم هوليود الذي يشهد له بالاحترافية العالية في فيلموغرافيا تزخر بروح هي ما بين التراجيديا والأحلام المجهضة. وكان حضوره قوي، نافذ ومميز في أفلام سبيس كامب (1986)، والأبوة (1989)، والموت من أجله (1995)، والريشات (2000)، والإشارات (2002)، وفندق رواندا (2004)، والقرية(2004)، ونحن نملك الليل (2014). ظهر في دور رئيسي في فيلم وجودي بعنوان “أنت لم تكن حقًا أبدًا هنا” (2017)، والذي فاز عنه بجائزة أفضل ممثل، كما فاز بجائزة مهرجان كان السينمائي لأفضل ممثل. قرر ريدلي سكوت ربط مصيره بمصير فينيكس في فيلم توفرت فيه ظاهريا جميع العناصر لتجعل منه فيلم السنة: ميزانية ضخمة (200 مليون دولار)، ممثلين محترفين، وقت كافٍ لتصوير المشاهد الخ…
وقبل أن يطرح على الشاشات نزلت الآلة الإعلامية بثقلها لتلميع الإنجاز ولتسويق الأوجه الثلاث التي يتمحور حولها الفيلم: نابليون، سكوت وفينيكس. غير أنه بعد مشاهدة الفيلم خلال العرض المخصص للصحافة، نزل العديد من نقاد السينما على الفيلم بمطارق من حديد:
كتبت صحيفة “ليبراسيون”: «لا يقدم الفيلم اية وجهة نظر عن الرجل (نابليون)، عن الأسطورة.. ضجيج أبيض، عرق على الظهر، كسل بالغ…».
أما صحيفة “لوموند” فاعتبرت أن الجانب العاطفي والحميمي (غرام نابليون بجوزيفين) تغلب على الجانب السياسي، في الوقت الذي كان منتظرا من سكوت أن يعمق النظر في البعد السياسي، لأن الأمر يتعلق بعظمة فرنسا وانهيارها مع نابليون».
أما صحيفة “لوفيغارو” فلم تبد بدورها أي تعاطف مع الفيلم، بحيث شددت على فشل الفيلم في القاعات بعد أسبوعين من استغلاله. إذ بعد عشرة أيام لم يجن الفيلم سوى 45,7 مليون دولار، فيما بلغت ميزانيته 200 مليون دولار.
يبقى أن ميزة الفيلم تكمن في اللمسة الفنية للمشاهد القوية والإحكام في تنظيم المعارك وتسيير الممثلين. ملاحظة لم يتطرق لها إلا بشكل خفيف الإعلام الذي لم يهتم إلا بشخصية نابليون وغرامياته، من دون الحديث عن معاركه: حملته المصرية التي كانت بمثابة بدء لعولمة غازية غيرت الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي لمصر. كانت البعثة العلمية وبالأخص علماء الأركيولوجيا، السند العلمي والثقافي لنابليون.
قبل فيلم ريدلي سكوت، تجدر الإشارة إلى الفيلم المطول جدا للمخرج أبيل غانس (تم تصويره عام 1972)، الذي وصلت مدته إلى 7 ساعات ليتخلى عنه غانس في الأخير نظرا لقلة الإمكانيات.
يذكر أن الإمبراطور نابليون ظهر في 700 عمل بين الوثائقي والتخييلي، بحيث يبقى الشخصية السياسية التي يرغب العديد من المخرجين الاحتكاك بها. كما أن الجمهور الفرنسي به لهفة إلى التعرف على الجوانب الجديدة وغير المعروفة في مساره.
وصل هذا الإعجاب والوله بشخصية نابليون إلى دائرة الفلاسفة، حيث عبر الفيلسوف الألماني هيغل عن انشداده فائلا: «هو ذا المثل الأعلى على صهوة جواد». كان هيغل لحظة وضع اللمسات الأخيرة على عمله الرئيسي «فينومينولوجية الروح» لما مر نابليون وهو في طريقه لخوض معركة يينا. وكانت شهادة هيغل مقتضبة: «رأيت الإمبراطور، رأيت روح العالم».
بالرغم من الفجوات التاريخية واختزال حياة نابليون في عشق خائب، يبقى الفيلم تحفة فنية وإضافة قد تغذيها مساهمات مرتقبة لحياة الإمبراطور.