العولمة وسياسات البيئة
د. خالد العزي
تعتزم ألمانيا فرض خطتها المناخية الجذرية على المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب28)، حسبما ذكرت مجلة “فوكس”. وتتكون الخطة من ثلاثة أجزاء وتوفر أولاً التخلي الكامل عن الوقود الأحفوري: الفحم والنفط والغاز. تنطلق المتحدثة الرئيسية من الجانب الألماني في المؤتمر، وزيرة الخارجية أنالينا باربوك، من حقيقة أنه على الرغم من الالتزامات التي تم التعهد بها، فإن المشاركين في المؤتمر (حوالي 200 دولة)، بدلاً من تقليل استهلاك الوقود الأحفوري، هم على العكس من ذلك، مع زيادتها.
و الاستثمارات في إنتاجها تنمو من سنة إلى أخرى، وفي عام 2023، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، وصلت بالفعل إلى 1 تريليون دولار. صحيح، في نفس العام، بلغت الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة 1.7 تريليون دولار. ولكن حتى الدول الصناعية مثل الولايات المتحدة والنرويج وكندا وأستراليا تقوم بتوسيع إنتاج وتصدير الوقود الأحفوري.
ولذلك، إلى جانب فرض حظر على إنتاج الوقود الأحفوري، تعتزم باربوك الحصول على التزام من جميع المشاركين في المؤتمر بمضاعفة قدرة مصادر الطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم ثلاث مرات بحلول عام 2030. ووجوب مضاعفة سرعة إدخال كفاءة الطاقة على الأقل.
ويشكك خبراء المناخ الألمان في إمكانية تحقيق مثل هذه النوايا لوزارة الخارجية الألمانية في دبي. ففي نهاية المطاف، تنطلق البلدان المنتجة للنفط الموجودة هناك من حقيقة مفادها أن تحول الطاقة الذي تقترحه ألمانيا لا ينبغي أن يهدد أمن الطاقة ورفاهيتها. بمعنى آخر، لا يمكن تحقيق هذه المواقف بدون الوقود الأحفوري اليوم، ولهذا السبب، وبمبادرة من دول الخليج، تم تعيين أحد كبار مديري صناعة النفط العالمية لقيادة المؤتمر. ويخلص تقرير مجلة “فوكس” إلى أن البلدان التي لديها موارد وتستخدم الفحم والنفط كمصادر للطاقة، سوف تميل إلى مواصلة مناقشة هذا الموضوع، حتى يؤدي تطوير تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري بشكل كبير.
ومن وجهة نظر مفوضة سياسة المناخ الدولية في وزارة الخارجية الألمانية، جنيفر مورغان، فإن ألمانيا ستضغط على المشاركين في المؤتمر في دبي لدعم الهدف المعلن المتمثل في منع ارتفاع حرارة الأرض فوق 1.5 درجة مئوية من خلال القضاء التام على جميع أنواع الوقود الأحفوري.
كما أن معاهد المناخ ترى بالفعل عدم واقعية هذا النهج. ويشير معهد المناخ الجديد في كولونيا إلى أن أياً من الدول الصناعية الرائدة في العالم لم تصدر أي إعلانات إضافية هذا العام لتحسين سياستها المناخية. وحتى لو تمكنت الدول الصناعية الرائدة من تحقيق أهدافها المتعلقة بتغير المناخ لعام 2030، فإن هذا يعني أن العالم سوف يتجه نحو مستوى درجة حرارة يبلغ 2.4 درجة مئوية (نسبة إلى مستويات ما قبل الصناعة) بحلول عام 2100.
بالنسبة لألمانيا بشكل مباشر، فإن هذا يعني ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية. فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق أهداف “اتفاق باريس”، كما يفهمها علماء المناخ، أي إبقاء الزيادة في درجة حرارة الأرض في حدود 1.5 درجة مئوية، تظل إعادة توجيه التدفقات المالية وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية إلى النصف بحلول عام 2030. وهذا يعني أن هناك حاجة إلى رقابة أكثر صرامة على تنفيذ الأهداف الوطنية.
وترتبط في الواقع كل الإخفاقات في سياسة المناخ بتكثيف المنافسة في العالم والقضاء على طابعها العالمي. لقد أصبح العالم متعدد الأقطاب. وعلى وجه الخصوص، تعود أسباب ذلك إلى الأحداث في أوكرانيا، وتصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، وتزايد استياء الجنوب العالمي تجاه الشمال، مما يؤدي إلى تفاقم الخلاف العالمي.
ورغم أن التحول إلى الطاقة الخضراء جار بالفعل، فمن المفارقة أن هذا التحول مدفوع الآن بالمنافسة الثنائية القطبية بين الولايات المتحدة والصين، بدلا من التعاون المتعدد الأطراف. لقد توقفت دبلوماسية المناخ العالمي، التي كانت ذات يوم مصدر فخر للاتحاد الأوروبي، بشكل علني.
ففي هذا المؤتمر الذي انعقد في دبي بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول، ظهر النداء الأول من أربع دول صناعية (الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا العظمى والدولة المضيفة للمؤتمر الإمارات العربية المتحدة)، ثم مع الأخذ في الاعتبار الدول الـ 22 المنضمة، حول ضرورة تطوير الطاقة النووية. ويُزعم أنه بهذه الطريقة تم إنشاء نوع من التحالف النووي. ومن بين الموقعين على البيان: بلجيكا والسويد وفنلندا واليابان وكوريا الجنوبية وأوكرانيا. لكن روسيا والصين لم توقعا عليه. وألمانيا، بالطبع، بسبب الموقف الايديولوجي للخضر، الذين يرفضون بشكل أساسي الطاقة النووية، فلم تشارك في مثل هذه الأحداث. ووزع مفوض المناخ الأمريكي جون كيري بيان (التعهد النووي)، مقترحا مضاعفة القدرة الحالية ثلاث مرات بحلول عام 2050 (يوجد اليوم 438 مفاعلا في 33 دولة في العالم. 13 منها، تغطي محطات الطاقة النووية أكثر من ربع الطلب على الكهرباء). وينص البيان على أن الطاقة النووية تلعب دورًا رئيسيًا في تحقيق الحياد المناخي بحلول منتصف هذا القرن وتساعد في معالجة أسوأ الآثار المترتبة على ارتفاع درجة حرارة الأرض بما يزيد عن 1.5 درجة مئوية. ويدعو البيان الدول الأخرى إلى الانضمام إلى التوسع في الطاقة النووية، والمستثمرين إلى ضخ الأموال في هذه العملية.
إن الطاقة النووية مهمة للحياد المناخي، علاوة على أنها ضرورية لتحقيق الحياد المناخي. فإن الحياد المناخي دون استخدام الطاقة النووية قبل عام 2050 أمر مستحيل بكل بساطة. لذا بات من الضروري أن تشارك المنظمات المالية الدولية في توسيع بناء محطات الطاقة النووية، رغم أن وضع عدد منها لا يسمح لها بذلك.
ولكن، كما تشير وزارة الخزانة الأمريكية، فإن تطوير هذا المجال من الطاقة النووية يتطلب الجذب النشط لرأس المال الخاص، وإنشاء تحالف نووي يمكن أن يساعد في حل هذه المشكلة.