أنقذونا من هذا الحب القاسي!
هشام بن الشاوي
أولاد جرار قرية صغيرة من إقليم سيدي بنور؛ قطعة من مغربنا الجريح والمنسي، ومع ذلك استطاعت ساكنتها أن تسمع صوتها للمسؤولين، وبمنتهى الهدوء.
لقد دافعوا عن حق أبنائهم وبناتهم الدستوري في التعليم، ولم تنقل احتجاجات النساء والأطفال هناك – طيلة شهرين- قنوات فضائية كبرى، وإنما حسابات بعض شباب البلدة في القارة الزرقاء.
انتصار صغير ونبيل لم تبال به السوشيال ميديا المغربية، والتي تحولت إلى ما يشبه المستنقع الآسن، والذي مهما حاولت أن تحصن نفسك ضده، فسوف تصدمك في رحلة تسكعك على ضفاف الوادي الأزرق مشاهد مقززة وعبارات بذيئة، تشي بالإفلاس الروحي لبعض المتسولين والمتسولات في العالم الافتراضي، الذين اتخذوا أعطابهم وتشوهاتهم الداخلية أقصر طريق للربح السريع، دون أن ينتبهوا إلى أنهم يتاجرون بما تبقى من كرامتهم في بورصة منصات، تدمر كل ما هو جميل ونبيل، وتكرس التفاهة، الجهل، الغباء والبذاءة، وتشعل الحروب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد، كما يحدث في هذه الأيام العجاف بين أمازيغ المغرب وعربه، غير مبالين بالهموم الحقيقية لشعوب تزداد فقرا وجوعا، بعد أن تكالبت على هذا الكوكب ضباع عالمية متوحشة، وانهارت الطبقة المتوسطة، والتي تعد الحصن الوحيد للأوطان؛ اختفت النخبة أو بمعنى آخر انسحبت من معارك النقاش العمومي، بعد أن هوت هذه الطبقة المثقفة إلى قاع المجتمع، وانشغلت بالدفاع عن حقها في العيش الكريم، بعد أن أنهكها غلاء المعيشة وثقوب الجيوب، تاركين غوغاء السوشيال ميديا يعيثون في الأرض فسادا، وينسفون كل ما تبنيه الأسرة والمدرسة!
إنه “غزو البلهاء ” بتعبير الإيطالي أمبرتو إيكو، فشبكات التواصل الاجتماعي: “تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء“.
ختاما، دعونا نكرر صرخة الشاعر الراحل محمود درويش في زمن التردي الشامل: “أنقذونا من هذا الحب القاسي “!