دونالد ترامب – إيلون ماسك.. ثقافة الكذب على الأبواب

دونالد ترامب – إيلون ماسك.. ثقافة الكذب على الأبواب

 كاركاسون- المعطي قبال

       ظهر مفهوم الحرية الفردية بالولايات المتحدة عند منتصف القرن التاسع عشر. انتقل بعدها إلى أوروبا ليتزاوج أحيانا بشكل خاطيء مع مفهوم إباحي. غير أن مفهوم الحرية الفردية يرمز إلى ضرورة ترك الاقتصاد طليقا بلا قيد ومن دون تدخل للدولة. وهو ما يتيح  للمجتمعات أن تتعافى وتسير في الطريق الاقتصادي الصحيح. وفي تاريخ الحركة نجد أسماء لسياسيين ورجالات الاقتصاد وفلاسفة تتميز أطروحاتهم بالغلو والشطط أحيانا كما هو حال  رئيس الأرجنتين خافيير ميلاي الذي حمل رشاشه معربا عن قناعته السياسية والأيديولوجية القاضية بتصفية الإدارة والمعاشات والضمان الاجتماعي. من بعده جاء دونالد ترامب وإيلون ماسك للرفع من سقف أيديولوجية الحرية الفردية بالدعوة إلى ترك الهوة قائمة بين الأغنياء والفقراء، انسحاب الدولة  لحل المشاكل الاجتماعية للمواطنين. في اعتقاده لا جدوى من الدولة بل يجب ترك الحرية للمواطنين لحل مشاكلهم. ثم لا حاجة إلى دعم هذه الفئة أو تلك. الوصفة السحرية هي الحرية والملكية الفردية، والشيء المقدس بالنسبة لهذه الأيديولوجية هي الحق في حمل السلاح دفاعا عن الممتلكات.

في نفس الخانة يمكن ترتيب إيلون ماسك كداعية للحرية الفردية وبقناعة مطلقة شبيهة بقناعة دجيف بيزوس، صاحب أمازون، او جيمي ويلس المؤسس المساعد لويكيبيديا وذلك على غرار ملياردات التيك (التكنولوجيا). يشار إلى أن دعاة هذه الأيديولوجيا شبكة تتكون من 589 مجمع من الخبراء موزعين على 163 دولة. يشتغل أعضاء هذه المجمعات على مشروع «تحويل العقول نحو أفكار اليمين». كما «يجاهدون» ضد «الووكيزم».

بدأت حركة الووكيزم تحت رئاسة باراك أوباما الذي كان يسعى إلى سن سياسة الحماية الاجتماعية للمواطنين  مع الاعتراف بالتعددية والحقوق المدنية للمواطنين. غير أن شعبوية ترامب اكتسحت جميع المجالات بهدف «رد العظمة لأمريكا». مع تحالف الثنائي ترامب – ماسك ستتضح معالم التوجهات اليمينية بل اليمينية المتطرفة لأمريكا.

في مختلف تصريحاته شدد ماسك على استحالة تقويم وتأطير شبكات التواصل الاجتماعي ويسعى بذلك إلى إطلاق العنان للأخبار المزيفة والكاذبة مع ملئ مجال إيكس بكل ما هب ودب من أخبار وإشاعات… وقد صفق أصحاب المنصات الالكترونية لهذا القرار وناصروه لمواجهة رغبة أوروبا لمراقبة الشبكات والمنصات. وهو إلى حد ما انتقام من المؤسسات الأوروبية التي غرمت هذه المنصات 30 بليون دولار. لكن أوروبا تقف اليوم مكتوفة الأيدي أمام الهجمة الشرسة التي أعلنتها الإدارة الأمريكية القادمة في سياق الحرب المعلنة من طرف ترامب-ماسك.

الرهان الحقيقي هي المعركة من أجل الديمقراطية. ويتبجح الأوروبيون بالدفاع عنها في حربهم ضد ماسك، لكن أية ديمقراطية في الوقت الذي يتحكم فيها المقربون من إسرائيل من الأدوات والأجهزة التكنولوجية والرسائل والبرامج؟ وقد أظهرت الحرب على غزة هذه الحقيقة.

بدا رد الفعل الأوروبي خجولا بالنظر إلى خطورة الوضع، حتى وإن قرر المجلس الأوروبي عقد مناظرة عن إيلون ماسك ومستقبل التقويم الرقمي. ثم إن مساندة ماسك لليمين المتطرف في كل من ألمانيا، إنجلترا، إيطاليا هي مناصرة لاوروبا المتطرفة ولحركات تسعى إلى قلب الموازين والتحكم في السلطة.

في فرنسا وجد ماسك في شخص جوردان بارديلا، رئيس التجمع الوطني، مناصرا وفيا بحيث اقترح هذا الأخير منح جائزة ساخاروف لماسك.

نحن اليوم بصدد ولادة عالم جديد هو قيد الانبثاق سنشهد خلاله إنعاشا لاتفاقيات أبراهام، إسكاتا لإيران، تصغيرا وتحقيرا أوروبا. انبثقت دعوات إلى مغادرة إيكس وإغلاق الحسابات كرد فعل على المشروع الاستبدادي لماسك. وقد غادر المآت من المنخرطين إيكس وبالأخص منهم الباحثون والمثقفون الفرنسيون.

لكن هل هذه المغادرة ستوقف التوسع الامبريالي الجديد لأمريكا؟ ذاك هو السؤال.

Visited 16 times, 16 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".