لهيب الأسعار بين صرخة المغاربة وصمت رئيس الحكومة

لهيب الأسعار بين صرخة المغاربة وصمت رئيس الحكومة

محمد بـنمبارك                               

لم تكتمل ثمانية أشهر على فوز السيد عزيز أخنوش بالانتخابات وتعيينه رئيسا للحكومة، وسط فرحة غامرة كانت تبدو على محياه وهو يتنقل وسط الجماهير مزهوا بنصره المبين، حتى وجد نفسه بين عشية وضحاها وسط عاصفة، حملة عارمة من السخط والنقد والاستنكار من قبل المواطنين المغاربة بسبب موجة ارتفاع الأسعار، بعدما تعذر عليه التخفيف من حدة الأزمة واستعادة ثقة الشارع وكسب وده.

     هذا الانقلاب السريع في موقف الشارع المغربي، مرده تضرر المواطن من موجه الارتفاع القياسي لأسعار المحروقات وأثرها المباشر على باقي أسعار المواد الغذائية ومختلف السلع والبضائع والخدمات. ارتفاعات متزايدة لم يعد أحد يعرف مداها. تركت الحكومة ورئيسها المغاربة يواجهون مصيرهم تحت ذريعة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع سعر البترول في الأسواق العالمية فموسم قحط وجفاف، ثم مخلفات جائحة كورونا.

     مسببات لا يمكن لأحد أن ينكرها، ولكن الرهان ظل قائما على الدور الرئيسي والمحوري لرئيس الحكومة، كي يتحمل مسؤولياته ويعرض خطة استعجالية لمواجهة تداعيات هذه الأزمة والتحاور مع المغاربة عبر مختلف الوسائل المتاحة لديه، برلمان قنوات الإعلام والتواصل، كما هو شأن باقي رؤساء حكومات دول العالم التي اكتوت شعوبها بلهيب المحروقات

     يتمتع السيد رئيس الحكومة، وحزبه التجمع الوطني للأحرار، بخاصية قل نظيرها لمن سبقه في هذا المنصب، كونه يتمتع إلى جانب حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة، بأغلبية مريحة في البرلمان، وهيمنة على معظم مجالس الجهات والجماعات الترابية، كما أن ائتلافه الحكومي منسجم، مما يمكنه من كل المقومات لتدبير الشأن العام دون عراقيل سياسية، في ظل معارضة متواضعة.

     لكن نقط ضعف السيد أخنوش كثيرة ومتعددة، تعود أولها لكونه أشهر رجل أعمال في المغرب وصاحب أكبر شركة للمحروقات في البلاد ” أفريقيا” تمتلك 40  % من حصة هذا السوق بالمغرب، ويتولى في الآن نفسه منصب رئيس الحكومة. أي أنه يجمع بين منصبه السياسي السامي وبين مهامه كرجل أعمال يشتغل في قطاع يعد مصدر الداء للمغاربة، وبالتالي أصبح في موقف حرج حول كيفية الموازاة بين مصالحه الخاصة والمصلحة العامة.

     نقطة سلبية أخرى تؤثر بشكل كبير على سمعة الرجل، كونه لم يتخلص بعد إلى جانب باقي شركات توزيع المحروقات بالبلاد، من الملف المعلق المرتبط بقضية 17 مليار درهم، التي لازال الرأي العام الوطني يتداولها بناء على تقرير لجنة تقصي الحقائق حول أسعار المحروقات، والتقرير الذي سبق أن أعده مجلس المنافسة في عهد الرئيس السابق ادريس الكراوي، والذي خلص إلى وجود توافقات محتملة في قطاع المحروقات، وقراره بفرض غرامات مالية على شركات المحروقات، والذي كان “سببا مباشرا” في إعفائه من مهامه.

     تجدد الحديث، في ظل الأزمة الراهنة، عن مصير مصفاة “لاسامير” وعادت التساؤلات عن: من؟ وهل؟ وكيف؟ ولماذا؟ تم تصفية هذه الشركة الوطنية التي برزت الأهمية القصوى لها اليوم في ظل ارتفاع أسعار المحروقات وغياب احتياط وطني يؤمن السوق المغربية ويساعد على التخفيف من وطأة الأزمة. المغاربة اليوم يتساءلون عن مآل هذه الشركة وعن دوافع تجاهل الحكومات السابقة والحالية، وفيما إذا كان هناك مخطط مدروس مسبقا للتخلص منها، لفسح المجال أمام الشركات لتحل كبديل وتنفرد بالتحكم في سوق المحروقات بكل حرية دون حسيب، لاسيما بعد إسقاط هذه المادة من قائمة السلع المدعومة من قبل الدولة وإعفاء صندوق المقاصة من هذه المهمة. وهو قرار يتحمل مسؤوليته بالكامل رئيس الحكومة الأسبق السيد عبد الإله بنكيران. هذا فضلا عن تهميش دور مجلس المنافسة الذي توقف عن دراسة ومتابعة موضوع المحروقات، إلى حين تعديل الإطار القانوني الحالي لمجلس المنافسة وقانون حرية الأسعار والمنافسة، بدل أن يكون هذه المؤسسة الدستورية في قلب الحدث.

     من سوء حظ رئيس الحكومة، أنه لم يحسن اختيار الشخصية التي تسند إليها مهام الناطق الرسمي باسم الحكومة. فالمهمة أكبر بكثير من تلاوة بيان مصاغ أمام صحفيين. الشيء ينطبق على عدد من المناصب الوزارية التي أظهر أصحابها عجزا في القيام بمهامهم. وقد ترددت في الشارع والصحافة قبل أشهر أخبار تشير إلى تعديل حكومي في عدد من المناصب لضعف في الأداء. يضاف إلى ذلك حالة عدم الانسجام والتنسيق بين رئيس الحكومة وبعض وزرائه، في قضايا محورية وحساسة كقضية “لاسامير” على سبيل المثال. ومما زاد الطين بلة بروز أصوات حاولت الدفاع عن رئيس الحكومة أمام الرأي العام، لكنها  فشلت في مهمتها، كتصريح رئيس مجلس النواب وبلاغ وكالة المغرب العربي للأنباء.

     واللافت للانتباه في هذه الأزمة أن شركاء السي أخنوش في الحكومة، الوزيرين نزار بركة، أمين عام حزب الاستقلال، وعبد اللطيف وهبي، أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، لزما الصمت وتركا رئيس الحكومة “زمن المحنة” لوحده في المعترك، وتناسوا تعهداتهم أمام المغاربة.        

     ردود فعل غاضبة ظهرت من خلال التعليقات والبيانات من كل حدب وصوب، لمحللين سياسيين واقتصاديين وخبراء وحتى قادة سياسيين، وجهوا سهامهم إلى الحكومة ورئيسها بالخصوص، مطالبة بالكف عن التلاعب بأثمان المحروقات وفك الخناق عن المستهلك، كما راجت بعض أشرطة الفيديو تعرض ارتفاع أصوات المحتجين تطالبه بالرحيل، وأخرى تهدد بكشف المستور عن مشاريعه في الخارج، فيديوهات ثالثة ورابعة وخامسة تطالب بالمحاسبة وإعادة الأموال المنهوبة إلى خزائن الدولة. يرافقها بيانات وتصريحات مختلفة تتهم الرجل بتغليب كفة نشاطه المالي واستغلال الظرفية لكسب المزيد من الأرباح. في مجملها تعليقات تشير إلى أن شعبية رئيس الحكومة تسير نحو الحضيض.

     التساؤل المنطقي الذي يبدو للوهلة الأولى هو كيف يواجه رئيس الحكومة كل هذه الانتقادات والتساؤلات الملتهبة المتداولة علانية بالشارع والصحف وعلى شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها؟ وما هي أدوات ونهجه الدفاعي؟ لحد كتابة هذه السطور لا شيء. ظل الصمت المطلق سيد الموقف عند الرجل، وكأنه غير معني، وتناسى دوره كرئيس للحكومة، تقع عليه مسؤولية تدبير الشأن العام زمن الرخاء والأزمة، والدفاع عن مشروعه المجتمعي أمام الرأي العام.

      فلماذا ظل فاه/ فم رئيس الحكومة مكمما؟ ألا يبدو لنا أن في الأمر ما يكفي لإثارة الانتباه. فلابد أن الرجل يملك أسباب وجيهة تحمله على الصمت. فهل هو بصدد إعداد مخطط لم يكتمل بعد؟ هل فقد بوصلة الخروج من الأزمة؟ هل فعلا يقر بصمته بأنه جزء من الأزمة؟ هل لأنه لم يتمكن من التوفيق بين مهامه كرئيس للحكـومة وبين صفته كـرجـل

أعمال يبحث كالعادة عن الكسب والربح وتضخيم الثروة وتعذر عليه إقناع المغاربة بغير ذلك؟ بالتأكيد فالجمع بين السياسة والتجارة وعالم المال والأعمال أمران لا يستويان. هل هناك من أو ما يمنعه من الكلام رغم صفته الرسمية السامية؟ هل الرجل يشعر بيأس وإحباط كنوع من فقدان الثقة في القدرة على معالجة الأزمة الراهنة وتداعياتها وبلورة خطة للتعافي الاقتصادي والاجتماعي؟.

     بقدرة قادر وجد رئيس الحكومة نفسه أمام ربيع عربي ثالث عنوانه حرب أسعار النفط وما جاورها واحتجاجات ناعمة. فحكومته تعثرت في الأشهر الثمانية الأولى على تشكيلها ولازال أمامها 52 شهرا. فكيف ستتدبر أمورها؟. نحن اليوم وحتى إشعار آخر بقاعة انتظار، لن نتحدث عن أزمة سياسية تواجه الرجل فهو محصن بما يكفي، لكن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تفرض نفسها بقوة في الشارع، ولابد من خطة للاستنهاض بعد كبوة حصان منذ الانطلاقة.

     بفضل دستور 2011 الذي جاء وليد نضالات خاضها الشعب المغربي وطبقته السياسية على مدى أكثر من 60 عاما، عرف منصب الوزير الأول تغيرا جذريا، بحكم أن هذا المنصب ارتقى إلى صفة رئيس للحكومة ووسعت صلاحياته طبقا للفصل 47 من الدستور: “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها “. في حين كانت الصيغة الدستورية السابقة تعطي صلاحيات واسعة للملك لاختيار وزير أول خارج السياق الانتخابي من شخصية حزبية أو غير منتمية.

      ارتقاء في منصب سامي/ من وزير أول إلى رئاسة حكومة، صاحبه سلسلة من الإصلاحات الإيجابية  أتى بها دستور 2011، في حاجة إلى تنزيل وتفعيل وممارسة حقيقية ترتقي إلى مستوى تطلعات المغاربة، وفي مقدمتها منصب رئيس الحكومة.

     فإذا كان دستور 2011 قد أكد على أهمية منصب رئيس الحكومة بسلطاته الواسعة، فإن ما يفتقده المغاربة اليوم هو تلك الشخصية السياسية المؤهلة القادرة على تجسيد وبلورة هذا المنصب. فقد سجلنا عثرات بن كيران والعثماني بالأمس وأخنوش اليوم، لتحضر أمامنا صورة فقيد الأمة عبد الرحمن اليوسفي، كنموذج مثالي، الذي تمكن من تقديم صورة مثالية وازنة لمنصب رئيس الحكومة ولو بدرجة أقل “وزير أول”، من خلال الأدوار الطلائعية التي قام بها وهو يقود حكومة التناوب التوافقي، التي أقبر مشروعها. لن يفقد المغاربة الأمل في بروز شخصية سياسية يوما ما قادرة على القيام بهذه المهمة على الوجه الأكمل.

Visited 5 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

محمد بنمبارك

دبلوماسي مغربي سابق