اللاجئون بين أقراش البحر ومخالب الأسلاك

اللاجئون بين أقراش البحر ومخالب الأسلاك

باريس- المعطي قبال

منذ مدة ليست بالقصيرة، أضحى المتوسط مقبرة بحرية بلا شواهد للحالمين بجنات وجنان الضفة الشمالية، بحياة ملؤها الكرامة والسعادة. ويحمل كل يوم حصته التراجيدية لأخبار قوارب تنكفيء على نفسها متسببة في غرق العشرات من المرشحين الراغبين في عبور بحر المتوسط، دون الحديث عن تسلق الأسلاك المكهربة الفاصلة بين الحدود. ولا زالت صور العشرات من الأفارقة  وهم يحاولون القفز من فوق الأسلاك بين الحدود المغربية الإسبانية، لا زالت طرية في الأذهان.

قبل يومين،  قامت الباخرة «أسيان فيكينغ» بإجراء عشر عمليات لإغاثة 466 مهاجر عثر عليهم وهم في حالة إنهاك تام. ينتمي هؤلاء إلى 19 دولة، وافدين من بنغلاديش، مصر، تونس وإريتريا، من بينهم 19 قاصرا. وتدخلت لنجدتهم باخرة الإسعاف بمساعدة الفدرالية الدولية للهلال الأحمر. غير أن الحصيلة تبقى تراجيدية على الخط البحري الذي يفصل ليبيا عن إيطاليا (300 كلم) حيث بلغ عدد المفقودين منذ بداية السنة 1161 شخص بمن فيهم 918 بالبحر المتوسط الرئيسي. وقد لقي حتفهم خلال السنة الماضية 2048 شخص.  

غير أن المهربين والمافيات فتحوا طرقا جديدة للهجرة غير الشرعية. لم يكتفوا بالطرق الكلاسيكية التي تم تحصينها بمراقبة الكترونية صارمة، بل انتقلت هذه المافيات إلى الجبهة البلقانية. إذ يحاول اليوم المهاجرون عبور الحدود التي تفصل صربيا عن هنغاريا للوصول إلى أوروبا. لكن عليهم تخطي صفين من حاجز الأسلاك الذي يبلغ علوه أربعة أمتار والذي نصبه الرئيس الهنغاري المتطرف فيكتور أوربان لايقاف مد هجرة طرق البلقان. قبل أن يشيد هذا الحاجز كان المهاجرون يفدون هربا من الحرب في سوريا وأفغانستان. اليوم تغيرت أسباب ومصادر الهجرة.

وحسب الوكالة الأوروبية لحراس الحدود (فرونتيكس)، منذ شهر يناير تم رصد 70.000 مهاجر على طرق البلقان. ويطلق على هؤلاء المهاجرين «الأدغال». بالنسبة للمغاربة والجزائريين فالطريق قبل الوصول إلى صربيا، نقطة العبور، أصعب بكثير بحيث يقلون الطائرة إلى تركيا ليبدأوا مشوارا حافلا بالمخاطر. يجب القيام برحلة شاقة عبر بلغاريا أو اليونان. وقد تستغرق الرحلة شهرين أو أكثر. في حالة ما إذا اخترقوا حاجز الأسلاك ودخولوا إلى هنغاريا إما تعتقلهم الشرطة وتردهم على أعقابهم وإما يهرولون في اتجاه النمسا، وليس من المؤكد أن يفلتوا من قبضة الشرطة التي لها تعليمات مشددة لإرجاع المهاجرين إلى ما وراء الأسلاك. أو تحتفظ بهم داخل مراكز اعتقال لدراسة ملفات اللجوء السياسي الذي يطالبون به والذي غالبا ما يقابل بالرفض. وعليه يوجد المهاجر اليوم في وضعية سيزيفية تنتهي غالبا بسحق الصخرة  لجسده. في هذه الأثناء يبقى الهم الوحيد لأوروبا هو أوكرانيا! 

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".