عن الرياضة والسياسة والجماهير من خلال “أنشودة” المنتخب المغربي في مونديال قطر
اسماعيل الراجي
أحيانا في جميع ميادين الفن والثقافة والرياضة…، يضرب عمل ما ضربته القوية، توصف بالنوعية، نظرا لما يثير ذلك العمل من ردود فعل نقدية ترصد نقاط القوة والضعف، وتتعدى شرارة العمل الجمهور المختص إلى الجمهور العام، الذي يحتفي بالعمل المطرب والمثير للعواطف والوجدان الإنساني والثقافي والقومي… إلخ. حاليا، لعبة كرة القدم كحالة ميادين عديدة في الفن والثقافة تخلب عقول الجماهير الميتمة بعشق “الساحرة المستديرة” التي يتشابك فيها ما هو سياسي بما هو اقتصادي بما هو انساني وثقافي عابر للحدود والثقافات والتاريخ.
- أولا نبذة تاريخية عن كرة القدم
تلقب لعبة كرة القدم بالساحرة المستديرة، لهذه اللعبة تاريخ طويل، وترجع ارهاصات اللعبة بالأساس حسب بعض الكتابات إلى مجتمع إنجلترا إبان القرن 11م، حيث جاء كما تشير بعض الكتابات من وحي الاحتفال بنجاح طرد الانجليز للدانماركيين، وهناك من يربطها بسياق أقدم يرتبط بحضارات ما قبل الميلاد بشكل ما كانت تلعب كرة القدم ليس بشكلها الحالي. لكن هناك من كتابات التاريخية من تربط كرة القدم بالانجليز؛ حيث ولدت لعبة كرة القدم التي ستصبح اللعبة الأكثر شعبية في العالم، وستعبر كما يعبر الهواء والسحاب الحدود والجغرافيات، حتى وصل عدد ممارسها وهواتها ومتتبعي مبارياتها يقدرون بالملايين في جميع الشعوب والثقافات والأجناس….ما جعلها تتربع كلعبة هي الأكثر شعبية في التاريخ ربما.
من أشهر البطولات في كرة القدم والأهم هي بطولة كأس العالم التي تنظمها مؤسسة الفيفيا(Fédération Internationale de Football Association) أي الاتحاد الدولي لكرة القدم المعني بتنظيم لعبة كرة القدم، تم تأسيس هذا الجهاز خلال بداية القرن 20 في مدينة باريس، ومن الجدير بالإشارة يعد مكتب الإداري للفيفيا أكبر مكتب اداري في العالم في الوقت الراهن.
أقيمت أول بطولة كأس العالم خلال ثلاثينيات القرن الماضي بدولة الأورغواي التي فازت بالنسخة الأولى، ومن الجدير بالإشارة، فكرة قيام ببطولة كأس العالم ترجع للاتحاد الدولي لكرة القدم خلال بداية العقد الأول من القرن العشرين، لكن الفضل لإقامة بطولة كأس العالم يرجع إلى الفرنسي جول ريميه، الذي يعد صاحب احياء وتنفيذ فكرة كأس العالم. من خلال ما تقدم، يبدو أن السياق التاريخي لكرة القدم يرتبط بالمجال الأوربي، ويرتبط ارتباطا وثيقا بدهاليز السياسة بشكل ما من الاشكال، ويعلم الجميع مساق العلاقات الأوربية-الأوربية وحدة الصراع بينها التي من نتائجها الحرب العالمية الأولى والثانية التي شكلت حدث القرن الأول خلال القرن 20.
لكن لعبة كرة القدم برغم من نشأتها في المجال الأوروبي، تم تبنيها من قبل جماهير وشعوب آخرى؛ كانت هي الأكثر شغفا بها، وسارت هذه اللعبة في هذه الشعوب تجري مجرى الدم، وهذا ما تعبر عليه خريطة الفرق الأكثر ظفرا ببطولة كأس العالم والرموز التاريخيين للعبة؛ حيث نجد منتخب السامبا؛ أي المنتخب البرازيلي الذي يتربع حاليا على قائمة المنتخب الأكثر فوزا ببطولة كأس العالم خلال تاريخ تنظيم تظاهر كأس العالم. بل أبرز اللاعبين والأسماء الكروية المرتبطة بالساحرة المستديرة في الماضي القريب، نجد اللاعب البرازيلي إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو المعروف ب”بلييه”، واللاعب الأورجونتيني دييغو أرماندو مارادونا؛ إنهما من أبرز الأسماء الرياضية التي يؤرخ لها في لعبة كرة القدم. أما اليوم وحسب بعض تصنيفات، يصنف اللاعب الأورجونتيني الأخر، ليونيل أندريس ميسي من أكبر اللاعبين تأثيرا في تاريخ لعبة كرة القدم خلال الزمن الراهن، وهو ما جعله على رأس قائمة أفضل 100 لاعب في تاريخ كرة القدم لليوم المعدة من قبل (مجلة “فور فور تو” (four four two)).
- الرياضة والسياسة وإيقاظ العواطف
إن جاز لنا تشبيه لعبة كرة القدم في دواليب الدول والعلاقات الدولية والمنظمات الاقتصادية الكبرى من خلال اسقاط أحد الأمثلة الشهيرة في علم النفس، فيمكن استحضار تشبيه الجليد في المحيط، حيث يظهر المحيط قمة الجبل التي لا تتعدى ثلث الحجم الحقيقي لجبل الجليد فيه. وتلك، بطولة كأس العالم لكرة القدم، ولو في حدود ما هو اقتصادي. حيث المساهمين الأساسيين أو بلغة الإعلان؛ الرعيين الرسميين يهمهم أمر الاشتهار لبضاعتهم التي بالمناسبة قد تكون مرتبطة بأكثر من محدد، يتجاوز سلعة مادية تستهلك، بل قد يرتبط بتسويق الثقافي وما يرتبط به من عادات وتقاليد وطقوس وقيم..إلخ.
في خطاب الرسمي للجهاز التنفيذي للاتحاد كرة القدم، لا سياسة في الرياضة، وإن كان هذا ما يظهر في الخطاب، فالمنسابات الأساسية المتعلقة بكأس العالم؛ التنظيم واللقاءات،ـحيث نفس السياسة حاضر بقوة في دواليب حملة الترشح لاستضافة العرس الكروي الأهم في العالم، وفي المقابلات الحاضر في وسط الجماهير المتتبعة للمباريات من مقاعد الجمهور والاحتفال بتنظيم هي مظاهر التعبير عن الثقافة والهوية والقومية والانتماء…إلخ. ويتعدى في العديد من المقابلات مظاهر الجماهير من التشجيع إلى الاصطفاف في خندق أحد القضايا التي تتصارع حولها دول والمنظومات، وهذا ما لا سلطة عليه، فالجماهير في علاقة تأثير وتأثر مع محيطها السياسي والثقافي.
في كرة القدم، يعد الحافز الأول للفريق المتباري في بطولة كأس العالم، وحسب لغة الدعم النفسي والمعنوي، هو شعار اللعب من أجل قميص البلد؛ البلد الذي قد يكون محتلا، محاصرا، معاقبا، مستهدفا…إلخ. هذا من جهة. ومن جهة ثانية هل يمكن أن تنسي أو تقيظ مقابلة كرة القدم، بين بلدين تاريخهما حافل بالصراع كحالة الدول المستعمِرة والمستعمَرة؟ حيث جمع كأس العالم من خلال مباريات بين أكثر من دولة بينها تاريخ من الصراع السياسي في الماضي والحاضر، إذ التقى في أكثر من دور من أدوار بطولة كأس العالم في الماضي والنسخة الأخيرة؛ التي شكل فيها المنتخب المغربي، المنتخب العربي والأفريقي والمسلم الذي يعبر عن حضور ضمير الجماهيري والشعبي “المستعمَرة”، أما المستعمِرة فالبرتغالي والاسباني… والفرنسي، هذا الأخير الذي ارتبطت تاريخه في الذاكرة المجتمعية بالاحتلال وما يزال الشعور القومي بمسؤوليته عن خلخلة مسار التاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي للعديد من الأقطار في الوطن العربي والافريقي. حين تحل مقابلة كرة القدم بين فريقيين ينتميين لثقافتيين أو لمجاليين فإن كل شيء يتحدث التاريخ، الجغرافية، السياسية، الاقتصاد، الفن والثقافة، لا شيء تتجاوزه الذاكرة الجماهيرية الموشومة بالانتصارات والهزائم أمام الآخر.. هذه ربما هي طبيعة الانسان والمجتمع، حيث الذاكرة وما تختزنه من ذكريات تنتقل من جيل إلى جيل، تعتمل في ردة فعل الجماهير واختيارها من تشجع، من تعادي تشجيعا ومن تشجع بصياحها وتصفيقا له.
نعم تضر السياسة بالرياضة، لكن تلك السياسية التي تكون بين الدول، حيث تقوم دولة بكل مؤسساتها في تسيس الرياضة، ومن تتبع “معركة قطر” في تنظيم بطولة كأس العالم نسخة 2022، فسيرى ما لقي هذا القطر العربي من حملات تشويه تستهدف كل بنياته السياسية والثقافية من قبل دول تصنف من اللاعبين الدوليين من العيار الثقيل، حيث بات هذه الدولة الفائزة بتنظيم النسخة 2022، محل تساؤل الشأن الحقوقي والديمقراطي…، مع العلم أن من يسائلها منهم هم من شركائها الاقتصاديين، يغيب هذا الشريك أثناء عقد الصفقات الاقتصادية العنصر السياسي من أجل مصالحه. لكن حينما يتعلق الأمر بتنظيم بطولة كأس العالم يوضع البلد الراغب في تنظيم تحت قائمة مؤشرات حقوق الانسان.
يربط العديد من المحللين والمعلقين السياسيين عن ما تعرضت له قطر من حملة تشويه خلال تحضير لمونديال 2022، العرس الكروي الأول من نوعه المنظم في المجال العربي والإسلامي وفي “منطقة الشرق الأوسط”. بالحملة المسيسية ضد قطر. نظرا لمعادلة الصراع في الشرق الأوسط، نعم الشرق الأوسط المجال الملتهب بفعل التدخل التاريخي للغرب -وزراعة إسرائيل في المنطقة-. والمصالح الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة له. والمرتبط بالإسلاموفوبيا من قبل لوبيات عديدة، يضرها تصحيح الصورة العامة عن العرب والمسلمين في العالم عبر تظاهرة كأس العالم.
قصار ى القول، يرتبط تنظيم بطولة كأس العالم بما لا شك فيه بالاقتصاد، والاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن اعتبار الرياضة بعيدة عن التدخلات السياسية ولو في شق التنظيم. وهذا ما تكشفه التقارير الكاشفة عن الفساد المنتشر في دهاليز الفيفيا خلال السنوات الماضية.
- أسود الأطلس وأنشودة الشتاء في كأس العالم- قطر2022
لا يخامر الشك أحدا من يتتبع بطولة كأس العالم في نسخة تنظيم قطر2022، أن المنتخب الوطني المغربي حقق معجزة كروية عربية وافريقيا، أثارت انتباه جميع المهتمين الرياضيين والمشجعين في بقاع العالم، حيث أذاق المنتخب الوطني عبر مدربه الوطني مرارة الهزيمة للمنتخبات تعد من المنتخبات القوية والمرشحة في هذه النسخة من كأس العالم، للعب الأدوار الأخيرة، كاسبانيا والبرتغال.
لقد كان المنتخب المغربي هو السبب في اقصاء اسبانيا من مجموعة دور الستة عشر بضربات الترجيح، والبرتغال من ربع النهائي بهدف دون مقابل. وعليه لعب المنتخب المغربي دور نصف النهائي الذي ادخله التاريخ الكروي من بابه الوسع، حيث اعتبر اول منتخب عربي وافريقي يصل لنصف نهاية البطولة، إلا أن المنتخب تعثر فيه مسار مقابلة نصف النهاية أمام المنتخب الفرنسي بهدفين دون مقابل لصالح فرنسا. وهذا ما أهل المنتخب الفرنسي لبلوغ لعب نهاية أمام رفقاء ميسي. بينما احتل المغربي الرتبة المركز الرابع على أثر لعب مقابلة الترتيب مع كرواتيا التي حصدت الميدالية البرونزية بهدفين مقابل هدف واحد لصالحها. عبر هذا المسار المشرف للمنتخب المغربي، تألفت أنشودة فصل الشتاء كتبتها انتصارات المنتخب المغربي ورددتها الجماهير المغربية والعربية والافريقيا.
أنشودة المنتخب المغربي، أذكت دوامة السعادة العارمة في المجتمع المغربي، والمجتمع العربي والإسلامي والافريقي. فقد عمت حالة الفرح والسرور عبر كل انتصار للمنتخب المغربي، الذي سجل ما سجل من أرقام وتصنيف تاريخي للمنتخب في ترتيب الفيفيا للمنتخبات القارية.
لقد رأينا عبر وسائل الاعلام والبت الحي ومواقع التواصل الاجتماعي هبة الجماهير متعددة الثقافات والألوان للإنتصارات الفريق الوطني المغربي في المقابلات التي أجراها المنتخب المغربي، حيث عاشت الجماهير المغربية والعربية والافريقية لحظة بلحظة؛ تألق وفوز المنتخب المغربي من مقابلة كروية إلى أخرى. لا يمكن إنكار أن الجماهير المغربية والعربية والافريقية هي ميتمة بكورة القدم، لكن هذا لا يخفي المتصل الثقافي والحضاري والانساني والتاريخ المشترك بين الجماهير التي شاركت الشعب المغربي انتصارات منتخبه الكروي. كيف لا والحدث الابرز في مونديال الحالي هو معجزة منتخب أسود الأطلس؛ الذين حققوا انجاز تاريخي في كرة القدم العربية والافريقية. حيث تجاوز صدى منتخب أسود الأطلس صدى صوت ووجود منتخبات لها تاريخ في محافل كأس العالم؛ خلال تاريخ هذه البطولة الدولية؛ كمنتخب أبناء السامبا البرازيلي والماتدور الاسباني والطواحن الهولندية، والماكينات الالمانيا وغيرها من منتخبات التي لها باع في بطولة كأس العالم.
تتعدد الإشارات في حقل علم النفس، وعلم الإجتماع التي تحلل وتقدم قراءات في الشعور الجماهيري وروابط الانتماء و الاصطفاف.. فيمكن الإشارة من خلال حقل علم النفس من خلال “سيكولوجية الجماهير” الذي يؤكد على مسألة العرق؛ الذي يتجاوز الرابط الطبيعي، الدموي، القبلي. فحسب ما يذهب إليه غوستاف لوبان العرق هو أوسع من رابط طبيعي. إذ يدخل ضمنه تعايش جماعة اجتماعية عاشت في نفس المجال وحكمتها نفس القيم والنظم والانساق؛ التي أدت مع مرور الزمن الى التلاقح والتزاوج ..إلخ.
لقد جاءت بطولة كأس العالم قطر- 22 المنظمة لأول مرة بقطر عربي؛ دولة قطر(عدد سكانها تقريبا 3مليون نسمة) التي كما يبدو من خلال تغطية الاعلامية ومؤشرات التنمية أنها بلغة مستوى من تنمية جد عالي، ما أهلها لتنظيم كأس العالم الذي لم يرق لبعض المتربصين بسياسة القطرية، نجاحها في هذا الأمر. فعلى أرض الملاعب القطرية ومن خلال دور المجموعات، مرورا بمقابلات الثمن، فالربع والنصف؛ بزغ نجم الفريق الوطني المغربي الذي أصبح منذ الثمن الممثل الوحيد للعرب ولإفريقيا والعالم الإسلامي. فحسب ما تقوله لغة أرقام التحليل الكروي شكل فريق المنتخب الوطني من خلال مؤشرات عدة أهمها لأول مرة منتخب عربي وإفريقي يصل للنصف نهاية.
لقد شكل إنجاز المنتخب المغربي المنجز في نسخة كأس العالم قطر-2022، أهم حدث يقدم للمجتمع المغربي إعلانا عن قطر عربي وإفريقي؛ المغرب، بلا شك سيكون حالة بحث عند العديد من الجمهور من دول عدة في شتى المجالات؛ الرياضة، الثقافة، والاقتصاد، والسياسية… فقد قدم المنتخب الوطني للمغرب كدولة وشعب بطاقة تعريف مشرقة لدول العالم بأسره، فيستحيل أن تجد صحيفة مصنفة، أكانت إلكترونية أو ورقية لم تشير فيها للانتصارات التي حققها المنتخب المغربي في مونديل 2022 بقطر؛ المنظم تحت مضلة العالم العربي والثقافة العربية-الإسلامية.
كانت النتائج الايجابية والانتصارات المنتخب المغربي على منتخبات من العالم الأول؛ العالم الغربي؛ فهذه كرواتيا يحقق معها المغرب تعادلنا؛ وهذه كندا ينتصر عليها المنتخب المغربي بنتيجة 2 لي 1؛ وهذه اسبانيا يهزمها المغرب بركلات الترجيح بفارق 3 لي 1؛ وهذه البرتغال ينتصر عليها المغرب بنتيجة 1 لي 0.
من خلال هذه المقابلات المظفرة للمنتخب؛ انفجرت موجة عارمة من شعور الفرح والاحتفال في الجماهير المغربية التي باتت حديث الساعة على كل منصة اعلامية، وهذا عادي جدا لكون شرائح عريضة من الشعب المغربي ميتمة بشغف كورة القدم، والشاهد على هذا القول أنظر لمشجعي الأندية المغربية(الرجاء والوداد) وما يبتكرون في منصات التشجيع. لكن هذا ليس هو الموضوع بل ما لاحظه العالم خلال انتصارات المنتخب المغربي هو خروج كل جماهير الدول العربية ولإفريقيا ودول أسيا عبر جماهيره ورموزها السياسيين والمثقفين والفنانين والإعلاميين كل ألوان وطبقات الشعب؛ الفقيرة والمسحوقة ومتوسطة الدخل والغنية في المجال القروي والحضري تهتف للمنتخب المغربي.
ومن الجدير بالإشارة، كانت مخيلة الحلم عند المختصين في كورة القدم العربية والافريقية لا تتخيل ولا تحلم أن يصل فريق عربي أو إفريقي لهذا المربع عبر مساق مقابلات تصنف ضمن مجموعات “الموت”. هذا ما تردد عند كثير من المعلقين والمحللين الرياضيين، حيث يقول أحدهم على الهواء مباشرة بعد أن حقق المنتخب المغربي الفوز على البرتغال: هل نحن نحلم أم في الحقيقة.. ويقول آخر: لم نحلم ولا مرة بأن يكون لنا فريق من القطر العربي في مربع الذهبي…استماتة قوية للعقل الرياضي ببلوغ المنتخب المغربي للمربع الذهبي.
شعور الفرد لا يصمد أمام شعور الجماعة، شعور الجماعة اكثر قوة حينما ينطلق يمشي كموجة طويلة عريضة تجمع كل المكونات تحت سقف واحد وعلم واحد، وثقافة واحدة. كان المغرب عبر فريقه الكروي الحالي هو جسر التواصل الذي من خلاله يمد المغاربة يدا بيد من طنجة إلى الكويرة في الهلال الوطني، ومن المحيط إلى الخليج الهلال العربي ومن طنجة أنتاناناريفو الهلال الافريقي ومن طنجة إلى جاكرتا هلال العالم الإسلامي. من هلال هذا الجمهور مختلف اللغات واللهجات والألوان والأعراق و الديانات خندقت الجماهير في صف المنتخب المغربي؛ بكل مكونات الشعب المغربي؛ الأسرة بأكملها(الاب، الام، الأبناء) الكل وراء منتخب المغربي من له شغف الكورة ومن لا علاقة له بها، من له أولويات ومن دون ذلك.. ؛ مشاركة المنتخب المغربي، شكلت صوتا وصورة؛ شعب المغرب الذي احسن تقديمها اللاعبين في مستطيل الأخضر والجمهور في مقاعد التشجيع بقطر.
من المفارقات في هذا المونديال في قطر، ويتعلق الامر بالجمهور المغربي سواء في قطر أو وراء شاشة التلفاز؛ حضور الوازن للمرأة التي يمكن القول عليها في المجال المغربي والعربي عن علاقتها بكرة القدم؛ هي دون ما يثير الانتباه خلال العقود الماضية لكن في هذ المونديال حضور الاسرة المغربية والعربية شكل نكهة جديدة وأصيلة في المونديال. ومن الجدير بالملاحظة لم تحضر المرأة في مشهد الجمهور كما يتم كمشهد نمطي…؛ بل كان حضور المرأة في مقاعد الجماهير من باب الأم؛ وما أدراك ما الام، التي هي وراء نجاح الأسرة والعائلة. فلقد التقطت عدسات الصحفيين لاعبي المنتخب الوطني المغربي عند انتهاء المقابلة وذهابهم عند أمهاتهم من أجل الاحتفال، كانت رسالة قوية عابرة للثقافات والحدود حيث كانت رسالة هذه الصور من اقوى الصور والرسائل الثقافية والحضارية في عالم أصبح مفهوم الأسرة والعلاقة بين مكوناتها مشحون بنقاط سوداء بات من خلالها يطرح أسئلة خطيرة عن مستقبل الاسرة. صور الام والابن هي صورة وجودية لها جملة من الدلالات السيكولوجية والسوسيولوجية؛ لقد أذكت تلك الصور؛ روح الأخلاق والطاقة الإيجابية وارسال رسالة الحفاظ على الأسرة.