حاجة الإنتاج الثقافي إلى الدعم الإعلامي
المصطفى اجماهري
في منتصف السبعينيات، بدأت مشواري المهني صحفيا شابا بمحطة الإذاعة الجهوية بعين الشق في الدار البيضاء التي انتقلت إليها، بطلب مني، من المقر المركزي للإذاعة والتلفزة بالرباط. وكنت حينها أعمل بشكل مباشر تحت إشراف المرحوم محمد الماجدولي رئيس المحطة، وهو الصحفي المعروف والإذاعي المرموق.
وقتها لم تكن قنوات التواصل متوفرة مثلما هي عليه اليوم. فلم يكن هناك أنترنيت ولا وسائل رقمية ولا حواسيب ولا هواتف نقالة ولاهم يحزنون. فكنت في إطار عملي أقوم بتغطية التظاهرات والمناسبات التي تعرفها العاصمة الاقتصادية، إضافة إلى تحرير نشرة يومية عن الدار البيضاء والتي كانت تقدمها المذيعة آسية فردوس، وكذا المساهمة في إعداد البرنامج التلفزي “الدار البيضاء في أسبوع” مع المخرج مصطفى الخياط. في كل هذه المهام كنا نستقي الأخبار إما بواسطة الهاتف الثابت أو بالتنقل إلى عين المكان أو من خلال الصفحات الجهوية لجرائد “لوماتان”، و”لوبنيون” و”العلم”. أما بالنسبة للأنشطة الرسمية فكان الاتصال يتم غالبا بواسطة التلكس. وغالبا ما كنت أعتمد على الصفحات الجهوية في الجرائد المذكورة في التواصل مع بعض الفاعلين لإعداد النشرة اليومية عن الدار البيضاء، وذلك دونما تدخل كبير من الراحل محمد الماجدولي. بل إنني كنت أقترح عليه أن نقوم ببعض الربورتاجات ولم يكن يمانع في ذلك.
ورغم إكراهات المرحلة يمكن الجزم بأن الأداء الصحفي، إذا ما استحضرنا كثيرا من النماذج، كان على درجة كبيرة من المهنية. بل إن مستوى هذا الأداء كان، في كثير من أوجهه، أفضل مما هو عليه الحال اليوم رغم ما أصبح يتوفر عليه الصحفي من المؤهلات الأكاديمية ومن الوسائل المادية.
وأذكُر أنني، أثناء سنوات دراستي الثانوية، كنت مع زميلي الناقد صدوق نور الدين نتابع ما ينشر في الملحق الثقافي لجريدة “العلم”، ومن تم نحاول التواصل مع كتاب هذا الملحق والتعرف عليهم بشكل مباشر. وبهذه الطريقة تمكّنا، زمنها، من التعرف، مثلا، على الراحل مبارك الدريبي، والكاتب العربي بنجلون، والقاص إدريس الصغير، والشاعر محمد علي الرباوي، والمبدع محمد زفزاف والروائي محمد صوف.
مناسبة هذا الكلام أنني، مثلا، لاحظت من خلال صفحتي في الفيسبوك، وهي بالمناسبة صفحة أستعملها للتعريف بأنشطتي الكتابية والثقافية، أن كثيرا من الصحفيين ممن تربطني بهم هذه الصداقة الفيسبوكية لا يتفاعلون بشكل مباشر. علما أن من بينهم من انتمى، في فترات مختلفة، إلى نفس معهد الإعلام الذي تخرّجت منه. وباستثناء اسمين أو ثلاثة فالباقي يفتقر، على ما يظهر، إلى فضول الصحفي كما عهده جيلي في السابق. ولربما يحصر عمله في ما كُلف به أو في ما هو قريب من مجاله، كما لو كان مجرد موظف بسيط. والحال أن الإنتاج الثقافي والإبداعي يحتاج إلى كثير من الدعم الإعلامي، خاصة في مجتمع قليل القراءة.
هنا قد تتبادر إلى الذهن بضع تساؤلات: لماذا افتقدت المبادرة الشخصية تقريبا عند كثير من الصحفيين؟ ما الذي يمنع البعض من استعمال هامش المبادرة المتاحة له في قضايا الثقافة والإبداع، ليتفاعل مع الكتاب والفاعلين؟ لماذا يظلون حبيسي الدائرة الضيقة من المعارف ولا يولون الاهتمام لفعاليات الهوامش؟ وأذكر أنه، منذ سنوات، في إطار جلسة نقاش نظمها فرع اتحاد كتاب المغرب بالجديدة وقفنا مليا عند هذه العلاقة المبتورة بين كتاب الأقاليم وقنوات الإعلام، خاصة منه المرئي والمسموع، ما دام هذا الإعلام، غالبا، يغفل الهوامش ويركز بشكل خاص على ما يجري في الرباط والدار البيضاء. أي، بمعنى آخر، يكرس، من حيث يدري أو لا يدري، مفهوما تدرسه معاهد الصحافة، وهو “حارس البوابة الإعلامية”، الذي يسمح بالمرور لمن يريد ويرفع البطاقة الحمراء في وجه آخرين.