ما بين الدولة والامارة

ما بين الدولة والامارة

وفيق الهواري

مر اكثر من اسبوع على الحادثة التي حصلت في صيدا بعد ظهر الأحد ١٤ ايار ٢٠٢٣، عندما طلب احد المشايخ من سيدة وزوجها الخروج من الشاطىء الصيداوي بسبب ارتداء السيدة للباس بحر وجده الشيخ المذكور غير مناسب، وقد رفضت السيدة وزوجها طلب الشيخ ما دفعه للحضور بعد قليل مع عدد من الشبان واجبارهما على المغادرة.
لن ادخل في تفاصيل الحادثة ولكل طرف روايته، لكن الحادثة حولت صيدا الى حدث بارز تناولته وسائل الإعلام خلال الفترة الماضية.
بعيدا عن ذلك، فان ما حدث يؤشر الى ثقافتين سائدتين، الأولى: ثقافة الدولة، والثانية: ثقافة الإمارة.
عندما نشير الى الدولة لا نعني اي دولة، نشير الى دولة ذات نظام ديمقراطي، لها دستورها وقوانينها وانظمتها العامة، ولها مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية التي تسعى لتحقيق العدالة من خلال القوانين التي تتطور بتطور الاحتياجات والبنية الاجتماعية.
وعندما نشير الى الإمارة فإننا لا نؤشر الى الإمارة الاسلامية كما قد يتبادر الى الاذهان مباشرة، بل نشير الى نوع من السلطات المحكومة من قبل افراد او مجموعات تستند الى أعراف وتقاليد وعادات ترفض المختلف عنها، وتفرض ان يلتزم الجميع أن يكون صورة طبق الأصل عن الحاكم.
وفي لبنان الذي نسميه وطنا، من المفترض أن يعيش به شعبا موحدا، لكن الموجود فيه شعوبا مختلفة باختلاف معتقداتها، وكل منها يعتقد انه الصواب والاخر على خطأ، ومؤسسات الدولة هي بامرة زعماء المنطقة المتواجدين فيها، وأن تطبيق الدستور الذي ينص على حرية المعتقد وحرية التعبير هو تطبيق مزاجي خاضع لسلطة الإمارة الموجودة، وتطبيق القوانين والمراسيم له علاقة بموازين القوى السلطوية في كل منطقة من المناطق.
اذن لا دولة لدينا بمفهوم الدولة، وبالتالي لا مواطنين يستندون الى عناصر المواطنة المعروفة، الاول منها، الشخصي، اي لكل مواطن الحق بالتعبير عن رأيه وتصرفاته بالشكل الذي يراه مناسبا شرط أن لا يتعارض ذلك مع النظام العام والقوانين المرعية الإجراء.
الثاني منها، الخاص، اي لكل مجموعة الحق بالتعبير عن رأيها ومعتقداتها والدفاع عن مصالحها ضمن الأصول الديمقراطية من دون إقصاء الآخرين او رفض وجودهم وبشرط الالتزام بالنظام العام والقوانين ويعني بهذه المجموعات، مجموعات مهنية، دينية، اجتماعية، بيئية وغيرها.
الثالث منها، هو العام الذي يسن وينفذ ويحاسب كل من يخالفه وهو الذي يتعاطى مع البشر على اختلاف مواقعها ومواقفها بشكل متساو، ويكون الجميع متساو امام القانون وفي القانون.
العنصر الرابع هو، ان للمواطنين الحق بالمساءلة والمحاسبة والمشاركة في تطوير الانظمة والقوانين.
هل نحن في دولة، الجواب: حتما لا.
نحن نعيش في مجموعة إمارات لكل منها عاداتها وتقاليدها التي تحاول فرضها على الاخرين، وعندما نتحدث عن الشاطىء فان السلطة على كل جزء منه تتصرف وكأن الشاطىء ملك لها، وتتجاهل ان الشاطىء اللبناني الممتد
من نهر الكبير شمالا الى الناقورة جنوبا هو من الأملاك البحرية العامة اي انه ملك لكل الشعب اللبناني.
ما يجري من حوادث تشكل ممارسات تخالف القوانين كلها، ألم نسمع بادارة ذلك المسبح التي رفضت السماح لاحدى السيدات بالسباحة لأنها مدبرة منزل ومن ذوي البشرة الداكنة، ألم نسمع بمنتجعات ومسابح منعت سيدات من السباحة لانهن محجبات، والان نعيش مع حادثة منع سيدة من التواجد على الشاطىء لأنها تلبس لباس بحر، كلها وجوه لعملة واحدة، وكلها تعد على الحريات الشخصية التي تحميها القوانين، ولكن السلطات الرسمية والمحلية ومنها البلديات ترفض تنفيذ القوانين لأنها ارتضت لنفسها ان تعيش في كنف إمارة ما، وليس في كنف دولة

Visited 84 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

وفيق الهواري

صحفي وكاتب لبناني