المصالحة العربية لم تساعد بإيصال فرنجية للرئاسة
أحمد مطر
لم تحسم أجواء القمة العربية والمشاورات الثنائية على هامشها اتجاه ومصير الانتخابات الرئاسية في لبنان، كما توقعت وراهنت العديد من الأطراف السياسية، وإنما أظهرت الفقرة المقتضبة في البيان الختامي وبعبارات محددة، اهتماما أقل من التوقعات، وأدنى بكثير من الرهانات المعلقة عليها، قياسا على حجم التحركات والجهود الديبلوماسية، التي جرت في بيروت والخارج خلال الفترة الماضية.
هذه الضبابية في نتائج القمة العربية بما يخص لبنان، قسمت اللبنانيين، المنقسمين أساسا، حول الاستحقاق الرئاسي ومسائل وقضايا مطروحة، وحاول كل طرف تجيير الفقرة الواردة في البيان الختامي، لصالح طروحاته ووجهة نظره من المرشحين المطروحين للرئاسة الاولى، لإعطاء دفع لمرشحه في مواجهة مرشح الطرف الآخر.
حاول فريق الممانعة، الداعم لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، تصوير أجواء المصالحات التي سادت القمة، بأنها تصب في خانة فريقه لترجيح كفة مرشحه، مقابل أي مرشح تطرحه أو تسوق له المعارضة، مستندين إلى مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة هذه المرة، بعد غياب طويل، بسبب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، استنكارا لجرائم القتل والقمع الدموية والتدمير التي قام بها ضد أبناء الشعب السوري المطالبين بالحرية والمشاركة بالسلطة ومقدرات البلد.
في المقابل، اعتبرت المكونات الأساسية للمعارضة، ما ورد في بيان القمة عن دعوة اللبنانيين للتحاور لانتخاب رئيس للجمهورية، بمثابة تجاهل ورفض أي مرشح رئاسي مفروض مسبقا، ولا يحوز على تأييد باقي المكونات السياسية الأخرى، وهو ما ينطبق ضمنا على فرنجية، ويعني التحاور بين الأطراف المختلفين للتفاهم والاتفاق على اسم مرشح رئاسي يحظى بتأييدهما.
تؤشر مواقف الممانعة والمعارضة، أن كل منهما يحاول تفسير نتائج القمة العربية في جدة، لصالح توجهه السياسي، ولم تظهر أي إشارات أو مواقف تدل على تبدل في موقف هذا الطرف أو ذاك، بعد أيام معدودة من انتهاء القمة، ما يعني بقاء الانقسام السياسي الحاد على حاله، والفراغ الرئاسي مرشح للاستمرار، إذا لم يستجب لدعوة القمة للتحاور لإخراج ملف الاستحقاق الرئاسي من دوامة الانقسام والتعطيل، والمباشرة بانتخاب رئيس للجمهورية متوافق عليه بين كل الاطراف السياسيين.
لا يمكن إسقاط التهويل بسلاح حزب الله بمناورته الاستعراضية مؤخرا، لتخويف المعارضة ولإعطاء دفع لترشيح فرنجية للرئاسة، وهو سبق أن مارس الترهيب والتهديد بسلاحه الذي يدعي زورا بأنه موجه ضد إسرائيل، بانتخاب ميشال عون لرئاسة الجمهورية السابقة، وقبله باحتلال وسط بيروت بالسلاح في العام 2008، وبمظاهرة القمصان السود، وغيرها من الممارسات الترهيبية ضد خصومه السياسيين في السابق، بعد أن فشل هذه المرة وطوال الأشهر الماضية، بتأمين الأصوات النيابية اللازمة لحسم ترشح فرنجية للرئاسة في المجلس النيابي، إن استمرار الشغور الرئاسي، والحلقة المقفلة التي يدور فيها أهل السياسة، والتلاشي المتزايد لوجود الدولة وإداراتها المختلفة، بدأت ترمي بظلالها الثقيلة على البقية الباقية من مقومات الأمل بقرب وصول الترياق من الرياض، بعد قمة جدّة الناجحة.
ختاماً، بيان قمة جدة عن الانتخابات الرئاسية، ودعوته اللبنانيين للتحاور، أسقطا أي ذكر للمبادرة الفرنسية التي تبنت ترشيح فرنجية دون سواه، وتجاهلت التشاور مع معظم الأطراف السياسيين وتوجهاتهم، فهل يعني أنه رسم خارطة طريق للانتخابات الرئاسية ووضع كرة ملف انتخاب رئيس للجمهورية بين أيدي اللبنانيين أنفسهم، بمعزل عن أي مبادرة أو تدخل عربي يخرج الانتخابات الرئاسية من دوامة التعطيل، ولعل الجواب على السؤال المطروح، تحمله الأيام المقبلة، ويخشى أن يكون بيان القمة بعموميته، زاد في غموض ملف الانتخابات الرئاسية، وإرباك الأطراف السياسية أكثر من السابق .
Visited 1 times, 1 visit(s) today