الدفاع الحسني الجديدي: السقوط الـمــر
الـمصطفى اجمـاهري
منذ مساء الثلاثاء 20 يونيو 2023، تأكد وبشكل رسمي نزول فريق الدفاع الحسني الجديدي إلى القسم الوطني الثاني، بعد تعادله في المباراة التي جمعته بفريق نهضة بركان، على أرضية ملعب العبدي بالجديدة برسم الدورة 29 من الدوري الاحترافي الوطني. ومنذ ذلك التاريخ والأحداث تتفاعل لدى محبي الفريق وأبناء المدينة، الذين طالبوا برحيل المسيرين الحاليين وتحميلهم مسؤولية قيادة الفريق إلى الهاوية. وقد برزت مظاهر الغضب الجديدي في الشارع العام، كما في عدد من التعبيرات التي راجت في وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد أطلق أحد المحبين وصف “النكبة” على ما حصل للفريق الدكالي. وهي دلالة على مرارة الإحساس بالخذلان وعدم احترام تطلعات جمهور عريض من الشباب الذي يعتبر الفريق رمزا للمدينة ولتاريخها الوطني الطويل.
لست كاتبا ملما بالشأن الرياضي، إلا أن ما دفعني للخوض في هذا الموضوع، فضلا عن انتمائي للمدينة، كوني قد تخصصت في الكتابة عن تاريخها المعاصر، هذا التاريخ الذي شكّل فيه الفريق وريثا لأمجاد مناضلين واجهوا الحماية الفرنسية لخلق فريق مغربي متكامل. فإبان الحماية، كان للمدينة فريق مكوّن من غالبية من الأوروبيين هو السبورتينغ كلوب مازغان. ترأس هذا الفريق رجل الأعمال الفرنسي باكل، وحظى بإمكانيات واسعة. ومن باب الغيرة الوطنية، قام الشاب الجديدي محمد زريق بتكوين فريق من الشباب المغربي، وهو الفريق الذي شكّل نواة الدفاع الحسني الجديدي مع بداية الاستقلال. وكانت تسمية ” باكل” التي أطلقها الجديديون على محمد زريق ترجمة للتقدير الذي كانوا يكنونه لهذا الشخص المتواضع، كما لو أنهم قالوا للفرنسيين نحن كذلك عندنا “باكل المغربي”. ويمكن لمن شاء التفصيل، الرجوع إلى مذكرات المختار تيمور، حارس المرمى الأول لفريق الدفاع الحسني الجديدي، حين إنشائه في بداية الاستقلال. المختار تيمور في كتاب “حياة ملتزمة بمدينة الجديدة” تحدث في فصل خاص عن تاريخ الدفاع الحسني الجديدي والفعاليات الوطنية التي ساهمت في تأسيسه وتحقيق أمجاده.
كان الرئيس محمد زريق المدعو “باكل” رجلا من طينة نادرة من المغاربة. لقد كان من الطبقة المعدمة، ولم يكن لاعبا للكرة، ولم يكن مدربا، وفوق ذلك كان يشكو من عاهة خلقية في رجله تمنعه من الممارسة الرياضية. فما السر في كونه أصبح رئيس فريق كروي ؟ هذا هو سؤال التحدي وعنوان العزيمة.
بعد الاستقلال، واصل فريق الدفاع الحسني الجديدي مسيرته الرياضية ومساهمته في تكوين أجيال من اللاعبين المرموقين الذين أبلوا البلاء الحسن على مستوى الفريق المحلي كما الوطني في مناسبات مختلفة داخل المغرب وخارجه. شباب كانوا أحيانا يزاوجون بين الدراسة والممارسة الكروية واستطاعوا كسب الرهانيْن معا. ومن بين هذه النماذج المرموقة التلميذ محمد المعروفي الذي كان يدرس بثانوية ابن خلدون بالجديدة وأصبح، فيما بعد، مدربا للفريق. و الدكتور مصطفى مباريك الذي لعب لفريق الدفاع الحسني الجديدي، وكان، بدوره، تلميذا بثانوية ابن خلدون في الستينيات. في هذه الفترة كان خمسة لاعبين في تشكيلة الفريق الجديدي، تلاميذ بهذه المؤسسة العريقة.
وتميزت فترة السبعينيات بتحقيق بطولات كروية حاسمة على يد لاعبين دوليين مثل عبد اللطيف الشياضمي الملقب من طرف الصحافة بالرأس الذهبية، وأحمد مكروح الملقب “بابا” والذي بفضله حصل المغرب على كأس إفريقيا للأمم سنة 1976. الفوز الوحيد حتى الآن في هذه المنافسة.
ثــم مرت مياه كثيرة تحت جسر آزمور، وها هي الأمور تنفلت من سياقها ويستفيق الدكاليون اليوم على “السقطة” المدوية كما عبر عنها ألبير كامو فيلسوف العبث.
أفليس من العبث الصارخ أن يسقط فريق رصدت له كل إمكانيات الترقي والنجاح ؟
لنتسلح بالوعي التاريخي ونجيب بالقول إن السقطة لم تكن مفاجئة، ولم تأت من فراغ بل هي حصيلة تراكمات بلغت إلى حد أن الأمر أصبح مستحيل التدارك، وجاءت أخيرا القطرة الصغيرة التي أفاضت الكأس الكبيرة.
فهل تطول السقطة أكثر من اللازم ؟
طرحت هذا السؤال على شخصيات لها دراية بالموضوع فتبين لي من تحليلها أن الأسباب كثيرة وعلى رأسها سوء التدبير، والتطفل على الاختصاصات، وانحسار دائرة التشاور وتبادل الرأي، والقرارات الارتجالية، وضعف تكوين المسيرين في شؤون التسيير الرياضي. فغير خاف أن الفرق الكروية تسيّر اليوم كما تسيّر المقاولات بإعمال قواعد الشفافية والمحاسبة والحكامة الجيدة.
إلا أن من الأسباب الجوهرية الأخرى، في رأينا، هو أن ثلة من الشخصيات الجديدية التي كانت تملك قدرا كبيرا من التأثير والمصداقية، وقدرة كبيرة على إيجاد الحلول والبدائل، انسحبت إلى الخلف، لأنها لم تعد ترغب في تضييع وقتها وطاقتها في مبادرات منخورة بالصراع والصداع.
وللأسف، فكما انسحبت هذه الشخصيات الفاعلة من المجال الرياضي تخلت أخرى عن أدوارها في مجالات مختلفة، وذلك بسبب ما أصبح يعرفه العمل الجماعي والجمعوي، في السنين الأخيرة، من مزايدات عقيمة وتسللات انتهازية.