الخماسية تعيد الملف الرئاسي إلى الداخل
أحمد مطر
تباينت المواقف والتحليلات لمضمون البيان الصادر عن الاجتماع الخماسي في الدوحة، الذي ضم ممثلين عن كُل من قطر والسعودية ومصر والولايات المتحدة وفرنسا، وحثّ فيه المجتمعون النواب اللبنانيين على الإسراع في انتخاب رئيس ائتلافي، نزيه وقادر على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والبنيوية، خاصة التي حددها صندوق النقد الدولي.
ليس في الداخل والخارج غموض حول ما يحتاج إليه لبنان، ولا حول من وما وراء منعه من الحصول عليه. لكن الوضوح صار جزءاً من المشكلة بدلاً من أن يكون نصف الحل. والمطلوب ليس فقط تغيير الواقع بل أيضاً توحيد القراءة في الوقائع. فالقراءات المتعددة في الوقائع تفرض نفسها على الواقع، وهذا ما يزيد من خطورة الوضع. والرهان على القوة يلغي عملياً الدستور والانتخابات النيابية والرئاسية من دون أن يقدم بديلاً سوى تعميق المأزق. ولا ألغاز من حولنا. نقطتان لا أفق لهما على المدى المنظور بصرف النظر عن كثرة الحديث عنهما انتخابات رئيس جمهورية، وشن حرب واسعة على خلفية التطورات في الجنوب. وثلاثة أشياء لا بد منها في النظر الى المشهد اللبناني توسيع النظرة من بيروت، تغيير النظرة من باريس، وتطوير النظرة من الدوحة.
البيان الصادر عن اجتماع الدوحة لم يزِدْ الخيبات وأجواء الإحباط لدى اللبنانيين وحسب، بقدر ما عبر في الوقت نفسه عن حالات الملل والقرف من خلافات السياسيين، والانقسامات الحاصلة في صفوف الكتل النيابية، والتي تعطل الانتخابات الرئاسية منذ حوالي تسعة أشهر، وتؤدي إلى الشلل المدمر في مفاصل الدولة.
لم يكن أحد في لبنان يتوقع أن يخرج الدخان الأبيض من اجتماع الدوحة، ويتم التوافق على شخصية الرئيس العتيد. ولكن لم يكن من المنتظر أن يكون البيان على هذا المستوى من البرودة، التي تعكس مدى تراجع حماس الدول الخمس للدفع في تسريع خطى الانتخابات الرئاسية، والضغط على المنظومة السياسية الفاسدة والفاشلة على التوافق بين أطرافها، على انتخاب رئيس لا يشكل تحدياً لأي طرف، ولا انتخابه انتصاراً لفريق على حساب خسارة فريق آخر.
بيان الدوحة اكتفى بإشارة عابرة إلى رئيس يجسد النزاهة ويوحد الأمة، وغابت الدعوة للحوار، واستعيد عن مصطلح التوافق بكلمة الائتلاف، والطلب من الرئيس تشكيل ائتلاف واسع وشامل لتنفيذ الاصلاحات الاقتصادية الأساسية، خاصة التي يوصي بها صندوق النقد الدولي.
وفيما كانت التصريحات الفرنسية السابقة تهدد بالعقوبات ضد كل من يعرقل انتخاب الرئيس، فإن بيان الدوحة لم يتضمن أكثر من تلويح باتخاذ إجراءات ضد المعرقلين، دون أن يتم تحديد الخيارات المحددة التي نوقشت خلال الاجتماع، والتي من المفترض أن يكون الإعلان عن بعضها بمثابة العصا التي ستوجه ضد المعاندين في عدم تسهيل العملية الانتخابية، ووضع مصالحهم الفئوية والحزبية قبل مصالح وطنهم، وعلى حساب رفاه شعبهم.
يمكن القول إن اجتماع الدوحة قد قرع جرس انذار للسياسيين المعرقلين، ولكنه في الوقت نفسه، رمى كرة النار الرئاسية إلى النواب اللبنانيين ليتحملوا مسؤولياتهم الوطنية والدستورية، ويعملوا بالسرعة اللازمة على إنقاذ بلدهم من دوامة الانهيارات التي أطاحت بأسس الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي.
وفي هذا السياق كشفت مصادر معنية أنه بات واضحاً أن لقاء الدوحة للخماسية حول لبنان لم يحقّق نتائج ملموسة أو عملية، لكن المعلومات تشي أن هناك ورقة جديدة وخطة مغايرة عن السابق اتفق عليها خلال الأيام القليلة المقبلة لتكون منطلقاً نحو حراك جديد للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، الذي لن يزور بيروت في وقت قريب إنما ذلك يعود إلى ما سيسفر عنه اللقاء الذي سيجمعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدما يضعه في أجواء اللقاء الخماسي ومهمته ويتزود منه المعلومات المطلوبة، على اعتبار أن من قلب الأمور رأساً على عقب هو موقف الولايات المتحدة الأميركية، إذ ينقل أنها سحبت التفويض والتكليف من باريس للملف اللبناني، وذلك ما ظهر عبر هزالة التمثيل الأميركي في لقاء الدوحة، ناهيك إلى أن هناك مرحلة جديدة بانتظار الحوار الأميركي، الإيراني حول النووي الايراني.
وتضيف المصادر أن إطالة أمد الشغور الرئاسي بات شبه محسوم إلّا إذا تم التوافق على الخيار الثالث بعدما نقل أن زيارة الموفد القطري محمد ناصر الخليفي إلى بيروت وإلى دول المنطقة وتحديداً إيران، هي وفق المعلومات، لنقل التمني القطري من المسؤولين الأميركيين للضغط على حلفائهم في لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية وفق مواصفات بياني الدوحة واللقاء الأميركي، الفرنسي، السعودي في نيويورك خلال أيلول- سبتمبر الماضي، على اعتبار أن ذلك يشكل الحل الأنجح والأهم في هذه الظروف بعد استحالة التوافق على أي مرشح أكان رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية أو الوزير السابق جهاد أزعور.
لذلك هناك خلط أوراق والموفد القطري بعد جولته على دول المنطقة وزيارته إلى إيران التي تعتبر مفصلية سيصل بيروت، عندها يتبين الخيط الأبيض من الأسود.
فهل يتحمل نواب الأمة مسؤولياتهم التاريخية والوطنية في إنقاذ البلاد والعباد، أم يستمروا في سياسات المكايدة والانكار، ويطمرون رؤوسهم في رمال الأزمات، للهروب من رؤية تداعيات خلافاتهم الانتحارية.
Visited 6 times, 1 visit(s) today